بعد نجاح ثورة الشام بإسقاط الطاغية، فإن سوريا تواجه العديد من المشاكل والأزمات الداخلية والخارجية، لكن أهم معضلة تواجهها هي مجاورتها لكيان يهود الغاصب، الذي ما فتئ منذ سقوط الطاغية يقصف المواقع العسكرية السورية، وقد تخطت قواته خط فصل القوات لعام ١٩٧٤م، واحتلت قمة جبل الشيخ الاستراتيجية المشرفة بشكل مباشر على دمشق، وتقتحم آلياته العسكرية ما تشاء من الأراضي والقرى والبلدات المتاخمة للحدود متى تشاء، ويرغي قادته ويزبدون، ويهددون ويتوعدون، ويدّعون مناصرتهم لأهل السويداء، في ظل صمت عملي مطبق من حكومة دمشق، عدا بعض بيانات التنديد واستجداء النظام الدولي لأخذ موقف من هذه الاعتداءات.
فهل يحاول يهود بهذه الأعمال استرجاع شيء من هيبتهم التي تمرغت في وحل غزة، أمام بسالة مجاهديها وصمود أهلها الأسطوري؟! وهل يمكن أن يقودهم جنون العظمة الفارغة في ظل ظهور ضعف الحكومة السورية إلى محاولة احتلال جنوب سوريا وصولاً إلى دمشق واحتلالها؟! وهل نستبعد ذلك من قتلة الأنبياء وذوي الأطماع التوسعية وأصحاب الفكرة القديمة بالوصول إلى الفرات؟! وكيف نفهم اتفاق الحكومة السورية مع النظام التركي على استقدام الخبراء العسكريين الأتراك لتدريب الجيش السوري الجديد وبناء قاعدة عسكرية تركية سيادية وسط البلاد؟! فهل هي محاولة لمنع اليهود من التفكير باحتلال دمشق بتهديدهم بالصدام المباشر مع الجيش التركي والدولة التركية؟!
نقول: إذا كان ذلك ما يفكر فيه ويعمل له يهود فعلاً فهل من الصواب مقابلته بما يقوم به القائمون على الإدارة الحالية في دمشق من دفن رؤوسهم في الرمال وكأن ما يحدث من قصف وقتل وتوغل واحتلال في الجنوب لا يعنيهم، بل يعكفون على بناء جيشهم التطوعي (الاحترافي)، الذي لن تتعدى مهمته مهمة الجيش اللبناني في لبنان، ويهددون يهود بالنظام التركي عضو الناتو، فيمنحونه حق بناء القواعد التي ينتظرون منها أن تدخل في صراع مسلح مع كيان يهود وتسارع إلى الدفاع عن دمشق إذا لزم الأمر؟! نقول: هل من الصواب أن تركن الحكومة الحالية إلى النظام التركي وتتناسى مآسي أربعة عشر عاماً من القتل والإجرام قام بها نظام بشار بحق شعبنا أمام سمع وبصر الجيش والحكومة التركيين، الذين لم نحصل منهم سوى على الخيام والطعام والأكفان وأحياناً قتل الفارين بجلدهم على جدار الحدود؟! وإذا كنا ننوي أخذ وقتنا في بناء جيش قوي يحمي البلاد من عدوان المعتدين، أفلا يظهر للعيان حرص يهود على منع أي عمل وضرب أي حركة تصب في هذا السبيل من خلال قصفهم المستمر لأي تحرك محتمل في الجنوب؟! ثم هل سيسمح لنا النظام الدولي الذي ركنّا إليه ببناء هذا الجيش العتيد، وهو القائم على حماية ودعم كيان يهود منذ إنشائه وإلى اليوم؟!
نعتقد أننا في ظل عدم وجود جيش قوي حديث متطور، ولقناعتنا بأن يهود أولاً والعالم ثانياً لن يسمحوا لنا مهما طال الوقت ببناء هذا الجيش القوي، ولاعتقادنا بخطر الارتماء في أحضان النظام التركي الذي لا يجرؤ على محاربة قسد إلا بضوء أخضر من أمريكا، فمن باب أولى أنه لن يمتلك قرار الصدام مع يهود بدون إذنها، ففي هذه الحالة، وفي مواجهة خطر كبير كخطر يهود في هذه المرحلة، فإنه من الصواب بمكان تفعيل العشرات من الجماعات المجاهدة التي يجب أن تنتشر باتجاه الجنوب، وتغطي المناطق المتاخمة لحدود كيان يهود، وتقوم بالأعمال العسكرية المطلوبة دفاعاً وهجوماً على مبدأ حرب العصابات التي أسقطت النظام في دمشق قبل أن تصلها قوات الشمال المنظمة، ورأينا كيف فعلت فعلها في فلسطين، فأرهقت من خلالها جيش الكيان المجرم.
في حالة كوننا لا نملك جيشاً قوياً منظماً، ولن يسمح لنا النظام الدولي ببنائه، وفي ظل عدم ثقتنا بقدرة النظام التركي على تجاوز خطوط أمريكا الحمراء بخصوص الصدام العسكري مع يهود لحماية دمشق إذا لزم الأمر، فلا حل إسعافياً لنا لحماية دمشق من خطر الاحتلال سوى بتفعيل حرب العصابات في الجنوب، بالكر والفر على حدود الكيان، فهي طريقة عملية، دفاعية هجومية ومجربة، أثبتت نجاحها في إرهاق جيوش أعتى الدول، وتجعلها تنشغل بنفسها عن أي تفكير بالهجوم أو التوسع والاحتلال.
فإلى ثوار الشام ومجاهديها الحريصين على استمرار انتصار ثورتها، لقد قمنا بثورتنا ولم نؤجل الصدام مع النظام المجرم، ولم نتركه لأبنائنا كما تركه لنا آباؤنا، بل ثرنا عليه، وبفضل الله وحده أسقطناه، فهل نتخلى عن شرف الصراع التاريخي مع يهود المفروض علينا اليوم، ونؤجل تحرير الأقصى الشريف وكامل فلسطين أو نتركه لأبنائنا؟! إننا موعودون ومبشرون من نبينا الكريم ﷺ بالنصر والتسلّط على يهود عندما نقاتلهم «تُقَاتِلُكُمْ الْيَهُودُ فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ: يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ». فهيا إلى صون الحرمات والذود عن الأعراض، وتحرير المقدسات ونصرة المستضعفين، فنحن أولى من يستحق نوال هذا الشرف العظيم.
بقلم: الأستاذ عبد الحميد عبد الحميد
لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية سوريا