قتل الدكتور محمد مرسي رحمه الله أو مات فالنتيجة واحدة، والعبرة واحدة وهي النتيجة المحسومة من جراء انقلاب طاغية مصر السيسي، على حكم مرسي والذي جاء عبر انتخابات ديمقراطية بعد عشرات المقابلات بين حركة الإخوان وأمريكا، والتفاهمات التي تمت بينهم من مثل إبقاء اتفاقية كامب ديفيد، وبقاء سفارة كيان يهود في مصر، والإبقاء على نظام الحكم الجمهوري، وعدم الحكم بالإسلام،... وكان حزب التحرير الرائد الذي لا يكذب أمته؛ علماء وأحزابا وجيشا وعامة المسلمين، قد قدم العديد من النصائح لحركة الإخوان المسلمين في مصر وغيرها من الحركات محذرا من سلوك هذا الطريق المحرم شرعا، طريق الديمقراطية والمخالف لطريقة الرسول eفي إيصال الإسلام إلى الحكم، ويا ليته وصل الإسلامُ للحكم فقد وصلت الحركة وبقي الإسلام خارجه! وللأسف لم تجد هذه الدعوات والنصائح قلوبا واعية ولا آذانا صاغية، فكان أن خرج مبارك رأس النظام وبعض رموزه بعد ثورة عام 2011م، وبقي نظام الحكم جمهوريا علمانيا على ما هو عليه، وبقيت الدولة العميقة متحكمة في مفاصل الدولة، واستمر المشهد السياسي دون تغيير، وقد كان حاضرا في الجيش والشرطة والقضاء والإعلام، ولم يكن للدكتور مرسي (رحمه الله) من الحكم سوى الاسم فقط! وبسبب الدولة العميقة ومخالفة مرسي وجماعته لطريقة الرسول eفي أخذ الحكم، فقد ظهر عجزه عن الإمساك بزمام الأمور، فساعد هذا مجرم مصر وطاغيتها السيسي ومن ورائه سيدته أمريكا التي نصبت هذا الشرك المحكم لمرسي وجماعته بهدف امتصاص هبة الشعب المصري الذي كان تواقا لحكم الإسلام (ويا ليته حَكَمَ بالإسلام)، ومن ثم إحراقه، فقد كان من غير المناسب تنصيب أحمد شفيق رجل مبارك الذي كان الرأي العام ضده وضد سيده، وبالفعل عاد حكم مبارك عبر السيسي، الذي انقلب على الرئيس مرسي المنتخب (ديمقراطيا) ليدخل "السيسي" المشهد السياسي بمسرحية هزيلة ظهر فيها أنه هو المخلص والمنقذ لمصر عبر تفويض الشعب له، وهذا على غرار ما كان يُراد تكراره في اليمن من علي صالح ولكن كانت هذه المرة لصالح الإنجليز بخلاف ما حصل في مصر ولكنه لم يحدث حيث انقلب السحر على الساحر وقضي عليه من جماعة الحوثي التي استولت على البلاد بالحديد والنار خدمة لأمريكا في ظل تنافس أنجلو أمريكي مستعر يذهب ضحيته أبناء المسلمين.
ويستوقفنا هذا الحدث مع طريقة الرسول eفي الوصول إلى الحكم وهي الطريقة العملية الشرعية التي يصل من خلالها أي حزبٍ كان للحكم إذا سار عليها، وهي إنشاء الكتلة وتثقيفها بثقافة الإسلام ثم دور التفاعل ونشر الفكرة بالصراع الفكري والكفاح السياسي حتى تكوين الرأي العام المنبثق عن وعي عام، ثم دور استلام الحكم عبر طلب النصرة من أهل القوة والمنعة، وقد كان مرسي وحركته قد استلمت الحكم صوريا وفق طريقة مخالفة لطريقة الرسول الأكرم eوبخلاف الأدوار الثلاثة آنفة الذكر فلم تسلك الحركة طريق الرسول eفلم يتكون رأي عام على الإسلام ينبثق عنه وعي عام فكان الفكر هو فكر (الإسلام المعتدل) القائم على الديمقراطية (حكم الشعب) وليس حكم الشرع، والتدرج والمصلحة والقواعد غير الشرعية؛ فكانت ثقافة مخالفة لثقافة الإسلام تشوبها الشوائب وتفتقد للصفاء والنقاء والتبلور. ثم إن مرسي (غفر الله له) لم يستلم حكما من جيش مصر كما استلم رسول الله eالحكم في المدينة من أهل القوة والمنعة فيها من أمثال سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وأسعد بن زرارة رضي الله عنهم بناء على قناعتهم بالإسلام واستعدادا للتضحية والفداء في سبيله، بل كان وصول مرسي بناء على مكر وخبث من أمريكا عن طريق عملائها في الجيش المصري حتى إذا سنحت لهم الفرصة انقلبوا عليه، كما أن مرسي لم يكن متسلما للحكم فعلاً، بدليل أين كانت قوته وأين كان جيشه بصفته رئيساً ليدافع عنه أمام قوات السيسي؟! وهذا للأسف إن دل على شيء فإنه يدل على الغفلة الشرعية والسياسية لدى هذه الحركة بسبب قبولها الحكم المنقوص وسلوكها لطريقة تخالف أحكام الإسلام بشكل صريح من مثل دعوتها للدولة المدنية العلمانية، ودخول اللعبة الديمقراطية، والنظام الجمهوري، والدولة القطرية الوطنية وحدود سايكس بيكو، ولكن كلٌ حسب كَبْوَتِه فكلها طرق تخالف طريقة الرسول e. وها هو يتكرر مشهد مصر في السودان من تغيير لوجه النظام واستبدال صور أخرى به تجسد الدولة العميقة. وهنا في هذه المقالة ليس موضوعنا الدكتور محمد مرسي كشخص فقد رحل عند ربه وأفضى لما عمل نسأل الله له الرحمة والمغفرة، ولكن الموضوع هو منهج حركة، فكيف تقبل بالوصول للحكم بطريقة مخالفة لطريقة الإسلام؟ وكيف تقبل الحكم بدستور علماني؟ وبدولة وطنية ضمن حدود صنعتها اتفاقية سايكس بيكو؟ فأصبح مرسي ضحية أيديولوجية خاطئة سارت عليها جماعة أوصلته إلى كرسي الحكم إلا أنها لم توصل الإسلام إلى الحكم، ورضيت بأنصاف الحلول على طريقة الرأسمالية الباطلة.
ولكي ننعم بنهضة حقيقية كان لا بد لهذه الحركات الإسلامية التي تبتغي التغيير الحقيقي المبرئ للذمة والمنتج ألا تسلك طريق الديمقراطية، أو طريق العنف، أو طريق الاعتزال عن الحياة والاعتكاف في المساجد، أو تتبنى فكرة الطائفية والمذهبية وتقسيم الأمة بحسبها، أو طريق الاهتمام بالسنن وترك الفروض، بل كان عليها وما زال أن تنهج نهج الرسول eفي التغيير حتى ترضي الله عز وجل، وتحقق التغيير المنشود دون إخفاقة أو انتكاسة.
وهذا ما يقوم به حزب التحرير الملتزم بطريقة الرسول eمن توعية الأمة بالإسلام وكشف الواقع السياسي ومؤامرات دول الغرب الكافر المستعمر وأذنابها الحكام، وطلب النصرة من أهل القوة والمنعة؛ لإيصال الإسلام إلى الحكم وإقامته في ظل دولة عزيزة كريمة هي دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي بات بزوغ فجرها قريبا بإذن الله تعالى ﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلاً * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا﴾.
بقلم: الأستاذ عبد الرحمن العامري – اليمن
رأيك في الموضوع