في الذكرى الرابعة والتسعين لهدم دولة الخلافة، يتأكد للمسلمين في جميع أنحاء العالم أنه بسبب غياب جُنتهم (إمام المسلمين وخليفتهم) الذي يُقاتل من ورائه ويُتقى به، توالت النكبات عليهم وفي جميع أنحاء العالم، من شرقه إلى غربه، فلم يبق شعب في هذه الأمة إلا ولُطم، في فتن قال عنها رسول الله الصادق الأمين، محمد r: «... ثُمَّ فِتْنَةُ الدُّهَيْمَاءِ لَا تَدَعُ أَحَدًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا لَطَمَتْهُ لَطْمَةً فَإِذَا قِيلَ انْقَضَتْ تَمَادَتْ يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا حَتَّى يَصِيرَ النَّاسُ إِلَى فُسْطَاطَيْنِ فُسْطَاطِ إِيمَانٍ لَا نِفَاقَ فِيهِ وَفُسْطَاطِ نِفَاقٍ لَا إِيمَانَ فِيهِ...» سنن أبي داود.
تمر هذه الأيام ذكرى النكبة، ذكرى إيجاد دولة ليهود على الأرض المباركة فلسطين، والذي يطّلع على تاريخ المسلمين في بورما يجد تطابقا في ظروف المعاناة بينهم وبين أهل فلسطين، فكما تعرض أهل فلسطين لنكبات ونكسات، فكذلك الأمر بالنسبة لأهل بورما، الذين تعرضوا لنكبات ونكسات مشابهة.
يبلغ عدد سكان بورما أكثر من 50 مليون نسمة، وتقدر نسبة المسلمين منهم بـ15%، نصفُهم في إقليم أراكان ذي الأغلبية المسلمة، حيث تصل نسبة المسلمين فيه إلى أكثر من 70%، والبقية هم من البوذيين الماغ وطوائف أخرى. وصل الإسلام إلى أراكان في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد (رحمه الله) في القرن السابع الميلادي، عن طريق التجار العرب، حتى أصبحت دولة مستقلة حكمها 48 سلطانا على التوالي، وذلك لأكثر من ثلاثة قرون ونصف، أي ما بين عامي 1430م و1784م، وقد تركوا آثاراً إسلامية من مساجد ومدارس وأربطة، منها مسجد بدر المقام في أراكان والمشهور جداً، (ويوجد عدد من المساجد بهذا الاسم في المناطق الساحلية في كل من الهند، وبنغلادش، وبورما، وتايلاند، وماليزيا... وغيرها)، ومسجد سندي خان الذي بُني في عام 1430م، وغيرها.
وفي عام 1784م احتل أراكان الملكُ البوذي البورمي (بوداباي)، وضم الإقليم إلى بورما خوفاً من انتشار الإسلام في المنطقة، وعاث في الأرض الفساد، حيث دمر كثيراً من الآثار الإسلامية من مساجد ومدارس، وقتل العلماء والدعاة، واستمر البوذيون البورميون في اضطهاد المسلمين ونهب خيراتهم. وفي عام 1942م تعرض مسلمو أراكان لمذبحة وحشية كبرى من قِبَل البوذيين الماغ، راح ضحيتها أكثر من مائة ألف مسلم، أغلبهم من النساء والشيوخ والأطفال، وشردت مئات الآلاف خارج البلاد، ومن شدة قسوتها وفظاعتها لا يزال الناس - وخاصة كبار السن - يذكرون مآسيها حتى الآن، ويؤرخون بها.
ومنذ أن استولى العسكريون الفاشيون على الحكم في بورما، بعد الانقلاب العسكري للجنرال (نيوين) المتعصب عام 1962م، ومسلمو أراكان يتعرضون لكل أنواع الظلم والاضطهاد، من القتل، والتهجير، والتشريد، والتضييق الاقتصادي والثقافي، ومصادرة الأراضي، بل ومصادرة هويتهم بحجة مشابهتهم للبنغاليين في الدين واللغة والشكل. وتم تدمير آثار إسلامية من مساجد ومدارس تاريخية، وما بقي منها يُمنع ترميمه منعاً باتاً، فضلاً عن إعادة البناء أو بناء أي شيء جديد له علاقة بالإسلام، من مساجد، ومدارس، ومكتبات، ودور للأيتام... وغيرها، وبعضها تهوي على رؤوس الناس بسبب قِدمها. كما أن المدارس الإسلامية تُمنع من التطوير، أو الاعتراف بها حكوميا والمصادقة على شهاداتها وخريجيها، كما أنه قد طرد أكثر من 300 ألف مسلم إلى بنغلادش عقب الانقلاب.
وفي عام 1978م طرد من أراكان أكثر من نصف مليون مسلم، مات منهم قرابة 40 ألفاً من الشيوخ والنساء والأطفال بسبب الظروف القاسية التي فرضت عليهم، وذلك حسب إحصائيات وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
وفي عام 1988م تم طرد أكثر من 150 ألف مسلم، بسبب بناء القرى النموذجية للبوذيين في محاولة للتغيير الديموغرافي.وفي عام 1991م تم طرد قرابة النصف مليون مسلم، وذلك عقب إلغاء نتائج الانتخابات العامة التي فازت فيها المعارضة بأغلبية ساحقة انتقاماً من المسلمين.
ومن الممارسات العنصرية التي حصلت وما زالت تحصل ضد المسلمين في بورما: إلغاء حق المواطنة، والعمل القسري لدى الجيش، وحرمان أبنائهم من مواصلة التعليم في الكليات والجامعات، وحرمانهم من الوظائف الحكومية مهما كان تأهيلهم، ومنعهم من السفر إلى الخارج حتى لأداء فريضة الحج (إلا إلى بنغلادش ولمدة يسيرة)، ومنعهم من استضافة أحد في بيوتهم ولو كانوا أشقاء أو أقارب إلا بإذن مسبق، وأما المبيت في الخارج فيمنع منعاً باتاً، ويعتبر جريمة كبرى ربما يعاقب مرتكبها بهدم منزله أو اعتقاله أو طرده من البلاد هو وأسرته، وفرض ضرائب باهظة على كل شيء، والغرامات المالية، ومنع بيع المحاصيل إلا للعسكر أو من يمثلهم، وبسعر زهيد؛ ليظلوا فقراء، أو لإجبارهم على ترك الديار.
إن هذه المأساة البشرية حقيقة تحصل تحت سمع وبصر حكام المسلمين وحكوماتهم وما يسمى بالعالم الحر، والكل يدّعي احترامه لحقوق الإنسان والتزامه بها ودفاعه عنها، وهي منهم براء. ولا حاجة للتأكيد بأنّ العالم الغربي هو العدو لهذه الأمة، وعلينا الحذر منه، فهو سبب هذه المآسي والداعم لها، ولا خير يُرجى منه. أما حكومات بلدان الجوار من مثل (بنغلادش، وماليزيا، وباكستان وإندونيسيا) فالإسلام و"حقوق الإنسان" أيضاً منها براء، فبالرغم من أن بنغلادش المساهم الأول في القوات الدولية التابعة للأمم المتحدة للمحافظة على حقوق الإنسان وما يُسمى بالسلام العالمي، إلا أن حكومة حسينة والحكومات التي تعاقبت على بنغلادش تعامت عن مأساة المسلمين في بورما، فهي ترسل قواتها إلى أفريقيا للحفاظ على مصالح الغرب بحجة الحفاظ على حقوق الإنسان والسلام العالمي، ولا تفكر مجرد تفكير بنصرة إخوانها وجيرانها! أما إندونيسيا، وماليزيا، بلاد مئات الملايين من المسلمين، فقد تركتا الروهينجا يموتون في البحر ولم تسمحا لهم باللجوء لإخوانهم عندهما.
إنه يكفي البوذيين الوثنيين حتى يتوقفوا عن اضطهادهم للمسلمين وأكثر من ذلك، تلويحُ السعودية ودول الخليج بطرد عشرات الآلاف من العمال البوذيين من الخليج، ويكفي أن ترسل بنغلادش بعض المقاتلين من قوات الغوريلا، أو بعض العناصر من قوات النخبة من باكستان، التي ترتعب منها القوات الهندية، ولكن أنى لهؤلاء الرويبضات في العواصم العربية والبلدان الإسلامية القيام بأعمال الفرسان؟!
إن ملف مأساة بورما، وفلسطين، وكشمير، ومختلف مآسي المسلمين في العالم، على مكتب خليفة المسلمين القادم قريبا بإذن الله، فهو الفارس الذي سيجيّش الجيوش التي سيأخذ نصرتها ويقودها لنصرة أهلنا في شتى أصقاع الأرض، فيُنسي الوثنيين ومن ورائهم الصليبيين وساوس الشيطان. ﴿...وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا﴾.
رأيك في الموضوع