مئات الآلاف من أهل سوريا الشام يركبون الزوارق المطاطية، ومراكب الصيد في عرض البحر، وهي مغامرة ما كانوا ليقدموا عليها لولا أنهم سُدّت أمامهم كل السبل، فاختاروا طريق المغامرة مكرَهين، وهم يعلمون، بل ويرون بأم أعينهم أن آلافاً قضوا غرقاً وسط المحيطات والبحار، وحينما يصلون إلى أي بلد أوروبي، تبدأ حلقة أخرى من مسلسل العذاب، حيث يتنقلون سيراً على الأقدام في أغلب الأحيان، حاملين أطفالهم الصغار، ويتعرضون للأذى والإذلال، وما فعلته تلك المصورة التلفزيونية مع بعض اللاجئين؛ من ركل وضرب، يمثل المشهد المذل لإنسان فقد الراعي. فصار اللاجئون المسلمون وصمة عار في جبين حكام المسلمين الخانعين.
إن معظم هؤلاء اللاجئين من أهل سوريا، وغيرهم من المسلمين، ما كانوا ليختاروا سلوك هذا الطريق الوعر، المحفوف بالمخاطر، لو أن البلاد الإسلامية المجاورة لهم أحسنت وفادتهم، ورحبت بقدومهم، واعتبرتهم إخوة وهم كذلك، إلا أن المعاملة القاسية في مخيمات تفتقر لأبسط مقومات الحياة، واعتبارهم غرباء أجانب، كل ذلك دفعهم لركوب الصعاب، عسى ولعل أن يكون في تغيير المكان تغييراً للحال، وما دروا أنهم بمحاولتهم اللحاق بأوروبا كالمستجير من الرمضاء بالنار.
إن تفريط حكام البلاد الإسلامية بمصالح المسلمين ورعاية شؤونهم وترك اللاجئين الذين يفرون من القتل يهيمون على وجوههم لا يعفي بقية المسلمين من المسؤولية. فالمسلمون مسؤولون عن محاسبة حكامهم إن هم قصّروا تجاههم، وهم مأمورون بتغييرهم إن هم حكموهم بأنظمة الكفر وتآمروا مع أعدائهم عليهم، كما هو حال حكام المسلمين اليوم. وزيادة على ذلك فإن الإسلام قد أمرهم بنصرة إخوانهم وعدم خذلانهم، قال رسول الله e: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ"، فكيف يتركون إخوانهم من أهل سوريا وغيرها يلجأون إلى دول أوروبية عدوة للإسلام والمسلمين وهم ساكتون؟ كيف لا يقومون بتقاسم لقمة العيش معهم؟؟ كيف وكيف؟؟
إن معاناة أهل سوريا في اللجوء والهجرة، لم تكن الأولى التي تحدث للمسلمين، ولن تكون الأخيرة في ظل حكام دويلات الضرار، القائمة الآن في بلاد المسلمين، فقد سبقهم في هذه المعاناة إخواننا من الروهينجا، الذين عاشوا الأمرّين، من النظام الفاشي البورمي، حتى اضطروا لركوب البحر بحثاً عن ملاذ آمن، فلم تستقبلهم بلاد المسلمين، وحتى أوروبا التي تدعي الإنسانية وحقوق الإنسان، سكتت عن معاناتهم، وهم في عرض البحر بلا هوية. وهم ينتمون لأعظم أمة؛ أمة الإسلام العظيم، ومن فضّل منهم الذهاب إلى الهند مرغماً، عانى الأمرّين في مخيمات اللاجئين، والقلة الذين جعلت لهم مخيمات في بنغلاديش لم يجدوا حتى ماء الشرب النظيف، مما جعلهم يضطرون للذهاب لجلب الماء من المستنقعات الآسنة التي تجمعت بفضل مياه الصرف الصحي، مما عرض حياتهم لخطر الأوبئة والأمراض.
ولن ننسى ونحن نتحدث عن معاناة اللاجئين، المسلمين في أفريقيا الوسطى، حيث ذكرت التقارير الواردة من الأمم المتحدة، أنه منذ كانون أول/ديسمبر 2013م، نزح ما يقرب من 25% من سكان أفريقيا الوسطى إلى داخل البلاد، كما لجأ أكثر من 460 ألفاً إلى دول الكاميرون والكنغو وتشاد، وغيرها من دول الجوار الأفريقي، بعد أن عملت فيهم عصابات النصارى قتلاً وحرقاً، في مناظر تقشعرّ لها الأبدان، في ظل صمت دولي مريب، وتقاعس من حكام المسلمين؛ السمة البارزة لهم، والقاسم المشترك بينهم، فهم أشداء على شعوبهم، رحماء على الكفار أعداء الأمة الإسلامية، يستأسدون أمام الأمة، ويستنعمون أمام أسيادهم الأمريكان والأوروبيين.
هذه أمثلة لمعاناة المسلمين الهائمين على وجوههم يطلبون اللجوء عند صانعي أزماتهم من الأوروبيين وغيرهم، فالقائمة تطول عند الحديث عن اللاجئين ومآسيهم في العراق وليبيا والسودان واليمن وغيرها من بلاد المسلمين.
ولكن هناك سؤال يلح علينا، وهو: لماذا تتحمس أوروبا اليوم لاستقبال اللاجئين، وبخاصة لاجئي سوريا، وهي التي كانت بالأمس تحرس البر والبحر حتى لا يدخلنها عليهم لاجئ، وهي التي وضعت من القوانين ما يمنع أي مغامر من الدخول إلى أراضيها، ما الذي جدّ؟ هل فعلاً الإنسانية كما يدعون؟ الحقيقة تقول غير ذلك، فألمانيا أكثر الدول تحمساً لاستقبال اللاجئين بحاجة إلى قوى عاملة، قدّرها معهد (بيرتلسمان) مؤخراً بنصف مليون مهاجر جديد سنوياً حتى العام 2050م، فالدراسة تقول إن معدل الولادة في ألمانيا منخفض جداً، إضافة إلى أن نصف القوى العاملة ستتقاعد عن العمل خلال خمسة عشر عاما، مما يعني أن ألمانيا بحاجة إلى قوى عاملة، والمهاجرون يمثلون هذه القوى.
كما أن هنالك هدفاً سياسياً، وهو أن النظام السوري بات قاب قوسين أو أدنى من السقوط، فيراد إفراغ سوريا من أهلها حتى لا يجد الثوار السند الشعبي، والحاضنة المخلصة التي تغذيهم بالشباب، وبذلك يريدون كسر شوكتهم، وصمودهم الذي استمر أكثر من أربع سنوات، كانت الثورة في تقدم، والنظام في تراجع، رغم الدعم الكبير من أمريكا وروسيا وغيرهما من الدول الحاقدة على الإسلام وأهله.
إن هذه الأمة أمة عزيزة، أعزها الله بالإسلام، فيوم أن كانت تحكم بالإسلام، وتتحاكم به، ويقودها خليفة كان ينصر امرأة واحدة استنجدت به وبالإسلام (وامعتصماه، واإسلاماه)، فسيّر المعتصم من أجلها جيشاً كان سبباً في فتح أعظم مدن إمبراطوريتهم (عمورية)، ولله در الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه القائل: "والله لو عثرت بغلة بالعراق لخفت أن يسألني الله لِمَ لَمْ تصلح لها الطريق يا عمر"، وهو القائل: "كنا أذلاء فأعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله". واليوم بعد أن فقدنا الجُنَّة (الخليفة)، صرنا هواناً يهيم الملايين منا على وجوههم بحثاً عن ملجأ، ولا ملجأ إلا إلى الله، باتباع نبيه e، والسير على هديه بإقامة سلطان الإسلام المفقود؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة؛ التي تعيد العزة للأمة، وتوحدها في ظل كيان واحد، ينشر العدل والخير، فيحلم الناس من أقاصي الدنيا بالعيش في دولتنا؛ دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع