إن شهر رمضان هو أفضل الشهور، فيه أنزل القرآن، وفيه أنزلت صحف إبراهيم، وفيه أنزلت التوراة، وفيه أنزل الزبور، وفيه أنزل الإنجيل، كما ورد في مسند الإمام أحمد. وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر. وفيه تصفّد الشياطين، ومن صامه وقامه إيماناً واحتساباً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. ويضاعف الله الأجور فيه إلى سبعين ضعفاً. وهو شهر الصبر والجهاد والنصر، فيه كان ينتصر المسلمون على مر التاريخ. وهو شهر تلاوة القرآن، وشهر إخراج الزكاة، وشهر عمارة المساجد، وشهر التوبة إلى الله، وشهر إصلاح ذات بين المسلمين، وشهر صلة الأرحام، وشهر الكرم والإحسان إلى المحتاجين، وشهر عفة اللسان والجوارح، وشهر تجديد الإيمان وتنقية القلوب.
نعم شهر رمضان هو شهر الفضائل كلها. ولكنْ هناك أمر عظيم نطلبه، ونرجو أن يحققه الله لنا، ونرجو أن تتفتح عقول المسلمين وقلوبهم له في هذا الشهر الفضيل. ذلك الأمر العظيم هو لَمُّ شمل المسلمين وعودتهم أمة واحدة عزيزة منتصرة مرهوبة الجانب تعتصم بحبل الله وتقيم الدين وتحمل الرسالة اقتداءً برسولها e لتخرج الناس من الظلمات إلى النور.
هذه الأمة الإسلامية ذات الأمجاد العظيمة، يمر عليها رمضان هذه الأيام، عاماً بعد عام، فيجدها ممزقة ذليلة، يستذلها يهود مع أنهم أجبن خلق الله، ويستذلها الكفار من كل القارات والدول. وقد آن لها أن تنفض كل ذلك عن كاهلها. فهل يؤثّر شهر رمضان هذه السنة في هذه الأمة، وتستمد فيه من الله النفحات الربانية التي تعيدها إلى إنعام النظر والتفكر والاعتبار والتشبث بقوله تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ وقوله تعالى: ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ وقوله سبحانه: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ وقوله سبحانه: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾ وقوله جل وعلا: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ وقوله عز وجل: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ وقوله تعالى: ﴿وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ وقوله سبحانه: ﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾.
أيها المسلمون: وأنتم تقرأون القرآن في هذا الشهر المبارك تفكروا في هذه الآيات. فالقرآن جاءنا لنتدبّر آياته، وليس أن نمر بها مرور الغافلين.
الأمة الإسلامية رسالتها وواجبها أن تقود هي العالمَ لأنها هي التي تحمل الرسالة الإلهية.
الأمة الإسلامية يجب عليها هي أولاً أن تنعتق من عبودية الكفار واستعمارهم لها.
الأمة الإسلامية تستطيع ذلك إذا قررت أن تهجر الجبن والركون إلى الظالمين والكفار، والعودة إلى دين الله.
الأمة الإسلامية تستطيع تنفيذ هذا القرار بإقامة خليفة واحد يَلُمُّ شملها، ويوحد صفها، ويحكمها بما أنزل الله. ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.
رأيك في الموضوع