بدأ الغرب في الفترة الأخيرة حملة شرسة على ثورة الشام المباركة؛ وذلك على عدة محاور؛ سياسية منها وعسكرية، وكلها تهدف إلى تهيئة الأجواء؛ للانخراط في العملية السياسية التي فرضتها أمريكا على العالم أجمع، والتي تقوم على أساس مقررات جنيف1، ومن أهم بنودها وقف القتال؛ وتشكيل هيئة حكم انتقالية مشتركة؛ مع المحافظة على مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية. فعلى الصعيد السياسي، جرّت الثوار إلى عقد هدنة في الزبداني مقابل الفوعة؛ فالغرب الكافر يريد أن يوقف القتال بأي شكل من الأشكال؛ وهذا ما رأيناه من خلال ما طرحه في مؤتمر جنيف1 بداية؛ ثم المبادرات التي طرحها مبعوثه الدولي ستيفان دي ميستورا؛ والتي اقتضت إحداها تجميد القتال في حلب؛ ثم لما فشلت هذه المبادرة طرح مبادرته في تشكيل مجموعات أربع من بينها الحماية والسلامة؛ وكلها تهدف للوصول إلى وقف للاقتتال والجلوس على طاولة المفاوضات، وعندها تضع الثورة على خط المشروع الأمريكي؛ فتفرض ما تشاء، وهذا ما يتقنه الغرب جيداً والشواهد على ذلك كثيرة، ثم لجأ الغرب عن طريق عملائه إيران والنظام السوري المجرم؛ إلى الضغط على بعض المناطق عسكريا؛ ولجأ عن طريق تركيا إلى الضغط على الثوار سياسيا؛ لجرهم إلى مسلسل من الهدن بدأت حلقاته في الزبداني؛ وفي حال نجاحها تنتقل إلى غيرها من المناطق بالمبررات نفسها التي وضعت لهدنة الزبداني؛ وهي حقن دماء المسلمين وعدم تسليمهم للنظام، لينتهي الأمر إلى وقف القتال؛ والجلوس على طاولة المفاوضات؛ والشروع في الحل السياسي الأمريكي.
لذلك يتطلب الأمر منا البحث في موضوع الهدن من حيث هي؛ وعلى أي أساس تبنى، فالمتتبع للسيرة النبوية يجد أن النبي r عندما كان في مكة؛ حيث لا يوجد دولة للمسلمين؛ وحيث كان مستضعفا هو وصحابته؛ ومورس عليهم كل أشكال القتل والتعذيب والحصار والتهجير؛ نجده لم يهادن الكفار ولم يجاملهم ولم يعطهم حتى ولا كلمة، بل بقي متمسكا بمبدئه يحث صحابته على الصبر والثبات؛ رغم ما يلاقونه من قتل وتجويع وتشريد وحصار دام حوالي ثلاث سنوات، إلا أن النبي r لم يقف مكتوف الأيدي بل كان يعمل لحل هذه المسائل حلا جذريا؛ من خلال إقامة دولة للمسلمين تحمي بيضتهم وتنشر الإسلام؛ وهذا ما حصل، حيث أقام رسول الله r دولته العتيدة في المدينة المنورة؛ فزالت كل المحن التي تعرض لها المسلمون؛ وعندما تجرأ يهود بني قينقاع على مسلمة أجلاهم النبي r من أراضيهم، كيف لا وهو قد أصبح رئيساً لدولة وجيش فيه رجال يحبون الموت كما يحب الكافرون الحياة، فبعد أن أقام الرسول r دولته في المدينة المنورة؛ عقد صلحاً مع قريش؛ وهو ما تم الاستشهاد به على هدنة الفوعة، لكن شتان بين هدنة الفوعة وصلح الحديبية الذي سماه الله فتحاً؛ حيث كان الصلح بأمر من الله سبحانه وتعالى؛ وكانت المعاهدة بين دولتين وليس بين دولة وفصيل؛ واعترفت قريش بهذا الكيان الجديد الذي أنشأه رسول الله r؛ وكانت المعاهدة على أراضي الكفار وليس على أراضي المسلمين؛ وفتحت المعاهدة الأبواب أمام الدعوة الإسلامية؛ وحيّد فيها رسول الله r قريشاً ليتفرغ ليهود خيبر ففتح خيبر؛ هذا ما فعله رسول الله في صلح الحديبية، أما هدنة الفوعة فتصب في مخطط الغرب، حيث يعمل الغرب الكافر جاهداً لوقف القتال ولو في بعض المناطق؛ لتكون بداية تفتح الباب لغيرها من المناطق للسير في هذا الطريق؛ وتخفف الضغط على نظام سفاح مجرم؛ فيستجمع قواه ويلتقط أنفاسه؛ وتفضي إلى تسليمه المناطق بدل تحريرها؛ بالإضافة إلى أنها لا تحل مشكلة بل تفاقمها؛ فالقتل مستمر والتعذيب مستمر. أما على الصعيد العسكري فإن الغرب يمارس المزيد من الضغوطات على أهل الشام، فنجد أن أمريكا قد أعطت الضوء الأخضر لحليفتها روسيا بالتدخل المباشر ضد ثورة الشام؛ وذلك للحفاظ على عميلها طاغية الشام؛ وضمان عدم سقوطه، ولتمارس المزيد من الإجرام على الجميع؛ عسكريين بمختلف مسمياتهم؛ ومدنيين، فتنفذ ما تعجز أمريكا عن تنفيذه؛ فروسيا أعلنت منذ البداية عن دعمها للنظام المجرم؛ وبالتالي هي تستهدف ما يستهدفه النظام المجرم وتؤدي الدور نفسه الذي يؤديه من تدمير شامل، ويرافق ذلك تضخيم إعلامي؛ وشن حرب إعلامية تستهدف معنويات أهل الشام؛ لكسر إرادتهم وإخضاعهم للحل السياسي، وبهذا يكون العالم كله قد وقف إلى جانب النظام المجرم؛ وحارب الضحية بوسائل مختلفة، من احتواء وربط بالمال السياسي وما ينتج عنه من استنزاف للطاقات، إلى دعم النظام المجرم عسكريا وسياسيا للإطالة من عمره ريثما يتم تأمين البديل، إلى محاولة إخضاع الحاضنة الشعبية من خلال الاستهداف المباشر بكافة أنواع الأسلحة، إلى نصب الفخاخ السياسية عن طريق الهدن والمؤتمرات والمفاوضات. فكان لزاما على الجميع؛ وهم يرون تآمر العالم أجمع؛ ووقوفهم صفا واحدا ضد ثورة الشام، أن يعملوا للحل الجذري الذي عمل به r، فلا يهادنوا؛ ولا يداهنوا؛ ولا يجاملوا؛ ولا يركنوا؛ بل يصبروا على ما ابتلاهم الله؛ ويثبتوا ويعتصموا بحبل الله جميعاً، ويتوحدوا حول مشروع سياسي واضح يزيل الغموض من الأهداف والمواقف، ويحثوا الخُطا في العمل على إقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة؛ التي بشر بها رسول الله r لتنتهي معاناة المسلمين كافة وليس معاناة أهل الشام فحسب، كما انتهت معاناة الرسول الكريم r وصحابته الكرام، ويطبق شرع الله كاملا وليس فقط العبادات، كما طبقه رسول الله r، وبذلك نكون قد انتصرنا حقيقة على أعداء الله، ولم تذهب تضحيات المسلمين سدى.
هذا بالنسبة لما هو مطلوب من أهل الشام، وأما المطلوب من بقية المسلمين في تركيا والأردن والسعودية والعراق وغيرها فهو أن ينصروا أهل الشام ويضغطوا على حكامهم لتسيير الجيوش لنصرتهم.. فإنه من المستغرب بل والمستنكر أن يتعرض أهل الشام للقتل والتهجير والتدمير طوال ما يقرب من 5 سنوات، والمسلمون في بقية البلاد في صمت كبير!! أين مفهوم الأخوة الإسلامية وما يقتضيه شرعا من وجوب نصرة المسلمين المستضعفين؟؟ ألم يسمع المسلمون قول الرسول r: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ)؟؟!!
بقلم: أحمد عبد الوهاب
رأيك في الموضوع