أدار الزمان دورته، وأعادت الأيام كرّتها، فالعالم أجمع بمختلف شعوبه اليوم يعيش حالة من السقوط الحضاري والانحلال الأخلاقي، وبات الجشع والطمع، والغطرسة والتسلط على قوت الفقراء ونهب أموالهم الدافع الأساس في حركة الدول الكبرى، تحمل للعالم شعارات براقة مزيفة عن الحرية، والأمن والأمان، والسلام والحياة الكريمة، والعدالة وسيادة القانون، بينما على أرض الواقع تتصرف كقطاع الطرق، ولصوص المافيا.
وإذا كان هذا حال العالم، ونحن نعيش فيه وجزء منه، فأين موقعنا بين الأمم؟ وأين نحن من حل مشاكل البشرية؟ وأين نحن من تقديم النموذج الذي يليق بنا كأمة إسلامية ليهتدي الناس بنوره ورحمته؟ ورُب قائلٍ يقول ما الذي يمكن لنا أن نقدمه للبشرية؟! وهل نملك الأهلية للقيام بأعباء هذه المهمة الثقيلة؟!
نقول وبكل ثقة، وبالفم الملآن بأننا أهلٌ لهذه الوظيفة وقادرون على القيام بمسؤولياتنا، بل إن العالم ليس له منقذٌ سوانا بوصفنا أمة إسلامية، فنحن بفضل الله نملك من المقومات والإمكانيات ما يمكننا من قيادة العالم القيادة المثلى وتقديم المعالجات والحلول لكافة مشاكل الإنسان بوصفه إنساناً، أينما وجد في هذا العالم بغض النظر عن جنسه ولونه وعرقه أو دينه.
أما عن هذه المقومات فألخصها في النقاط التالية:
أولاً: الإسلام بوصفه عقيدة ونظاماً، وفكرة وطريقة، ومبدأ منه الدولة، فيه من المعالجات لمشاكل الإنسان ما يضمن الاستقرار الدائم في حياة الفرد والمجتمع، والانسجام الكامل فيما ينشأ من علاقات، سواء تعلق ذلك في الناحية السياسية، والاجتماعية والاقتصادية، والعلاقات الدولية أو الصحة والتعليم، تنزيل من لدن حكيم عليم، يعلم ما يَصلحُ للإنسان وما يُصلحه ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾، وليس هذا ادعاء يخالف الواقع، ولا زعماً ينافي الحقيقة، فقد طبق الإسلام في دولة هي دولة الخلافة قرابة الثلاثة عشر قرناً من الزمان لم يضاهه مبدأ لا في حسن التطبيق ولا في مدة حياته في العالمين، وإن كنا لسنا بحاجة للتأكيد على خيرية الإسلام والحق المطلق الذي يحمله، وإثبات ذلك وإيجاد القناعة به، فإننا نكتفي برأي جورج برنارد شو وهو يصف النبي محمداً ﷺ بـ"منقذ البشرية"، وقوله: "لو كان محمد بن عبد الله بيننا الآن لحل مشاكل العالم وهو يحتسي فنجان قهوة".
ثانياً: وجود حزب التحرير الذي جعل من الإسلام مبدأ له والسياسة عملاً له، فنظر في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، ووضع من الأفكار والمفاهيم ما يراه كفيلاً بنهضة الأمة، وتبنى من الأحكام الشرعية ما يمكنه من رعاية شؤون الناس ومصالحهم، وبلور تلك الأحكام وعرضها على الأمة، وعمل جاهداً يصل ليله بنهاره في دعوة الناس إلى تبنيها، والأخذ بها وتطبيقها في حياتها في ظل دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، فوضع الدستور لهذه الدولة المرتقبة، ونظام الإدارة والحكم فيها، وأحكام النظام الاقتصادي والنظام الاجتماعي، وسياسة التعليم في دولة الخلافة، واضطلع بمسؤوليته في رعاية شؤون الأمة وتبني مصالحها، وكشف المؤامرات التي تحاك ضدها، فكان جديراً بثقتها وحمل لوائها لواء الإسلام، وشوكة في حلق أعدائها، وسيبقى حزب التحرير ثابتاً على الحق ظاهراً عليه، لا يضره من خالفه، ولا ما أصابه من لأواء حتى يأتي أمر الله، فيأذن الله لدينه بالنصر ولأوليائه بالتمكين، فبشائر النصر تلوح في الأفق ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً﴾.
ثالثاً: أمة الإسلام، الأمة الحية العظيمة الكريمة، أمة صمدت في وجه الريح العاتية، فلم تستطع تلك العواصف والأزمات، والحروب والمؤامرات التي مورست عليها على مر العصور، أن تعصف بها فتتركها كأعجاز نخل خاوية كما فعلت في الأمم السابقة، ذلك لأن الله تكفل بحفظ هذه الأمة الطيبة المباركة، فلقد تعرضت الأمة لجائحة المغول حتى كادوا يستأصلون شأفتها، فثبتت فمضى المغول بلا رجعة وبقيت الأمة وانتصرت، واجتمعت عليها دول أوروبا في حرب صليبية شعواء فهُزم الصليبيون شر هزيمة وطردوا شر طردة، وحتى في هذه الأيام ومع أنها بلا رأس يقودها ولا درع يحميها ولا حصن يؤويها، منذ أن سقطت دولة الخلافة قبل مائة عام، فإن الأمة الإسلامية رغم تعرضها لشتى الفتن والمحن إلا أنها أثبتت أصالة معدنها، ونقاء روحها، وصلابة بنيانها، فثبتت ولم تسقط ولا زالت تقاوم وتناضل متشبثة بدينها، تطمح إلى يوم خلاصها وتتطلع إلى الشجعان والأبطال من أبنائها كي يتخذوا قرارهم ويتحرروا من كل تبعية لغير الله فيعيدوا بناء دولة رسول الله ﷺ من جديد؛ خلافة راشدة على منهاج النبوة.
فأمتنا الإسلامية الكريمة أمام مسؤولية عظيمة بأمر وتكليف رباني حكيم، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾، فحمل الإسلام ودعوته إلى البشرية جمعاء منوطة من بعد النبي محمد ﷺ بأمة الإسلام إلى يوم الدين، فالأمة الإسلامية حية ولن تموت، وهي باقية ولن تفنى لأن الإسلام باقٍ ما بقيت السماوات والأرض، ووظيفة الشهادة دائمة ما دام الليل والنهار، ولأن الشاهد لا يموت.
رابعاً: تتميز الأمة الإسلامية بحيوية ليس لها مثيل في الأمم، فالشباب هو المكون الأكبر فيه، والتي تعدل خمس العالم من حيث التعداد البشري، كما أن فيها من الطاقات والإمكانيات والكفاءات الفكرية والعلمية، والصناعية والمهنية والفنية ما يجعلها تتفوق على أعظم الإمكانيات الموجودة لدى جميع الدول في العالم، وهي تحتاج فقط لمن يستثمرها ويوظفها في إطارها الصحيح والمنتج، ووقف النزيف والهدر في الطاقات، وخلق بيئة جاذبة تمنع هجرة العقول من بلادنا.
ومن الأمور المهمة التي تميز بلاد المسلمين الموقع الجغرافي والذي يمتد واسعاً بشكل لا مثيل له، فالجغرافيا الإسلامية تمتد نحو وادي فرغانة شمالاً حتى غانا جنوباً، ومن إندونيسيا شرقاً حتى إسبانيا غرباً، وهو ما يكسبها مركزاً جيوسياسياً مؤثراً بشكل فاعل على مستوى العالم، ما يجعلها قادرة على التحكم في مسارات الملاحة والتنقل والسفر، وحركة التجارة العالمية، والتأثير في أي دولة في هذا العالم، بل إن أرادت أن تضبط أنفاس أي دولة من تلك الدول لفعلت.
ولقد حبا الله بلاد المسلمين بكنوز وثروات، وموارد ومقدرات من كل الأصناف وبكميات وافرة من المعادن ومصادر الطاقة المختلفة، وخصوبة التربة وموارد المياه، والثروة الحيوانية وكل ما يلزم لبناء دولة قوية، وتوفير حياة كريمة وعيش رغيد لرعاياها وبأعلى مستويات الرفاهية وباستخدام آخر صيحات التكنولوجيا والتقنية الحديثة، ويجعل بلاد العالم الأخرى مرتبطة بها، وبحاجة إليها وإلى ثرواتها، وهو دافع رئيس لرواج التجارة والارتفاع الاقتصادي على المستويين العام والخاص.
فيا أمتنا الكريمة: لقد طال غيابك وطال صمتك، أما لك من قيامة للحق وبالحق؟! فالعالم كله اليوم بحاجة للخير الذي بين يديك، ويا شباب المسلمين: هل من وقفة جادة مع النفس؟ هل من صحوة للحق قوية، فنحدد أهدافنا ونقف عند مسؤولياتنا، فننصر ديننا ونرفع الضيم عن أمتنا، ونعيد لها سيرتها الأولى خير أمة أخرجت للناس؟ فهيا بنا مسرعين نغذ السير نحو التحرر من كل فكر ومن كل ارتباط وتبعية لغير الإسلام، ولنجعل قضية الإسلام هي قضيتنا، لتكن إقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة قضيتنا، فنعيد بناء رسولنا ﷺ، وننال شرف تحقيق بشراه ﷺ، فقد آن لديننا أن يظهر، وآن لراية رسول الله ﷺ أن ترفع، وأنتم بإذن الله أهل لذلك، وقادرون عليه إن صدقتم نواياكم مع الله وأخلصتم عملكم له، والتزمتم أمر ربكم وطريق نبيكم ﷺ، فأبشروا فإن النصر حليفكم، والله معكم ولن يتركم أعمالكم، وما النصر إلا صبر ساعة.
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع