سؤال نسمعه كثيراً عندما يتم الحديث عن أي مشكلة وقضية في البلاد الإسلامية، فيبادر السائل بطلب البديل لما يُطرح من معالجات وحلول مأخوذة من الإسلام (كون أحكام الإسلام معطلة).
بداية لا بد من التذكير بأننا وبفضل الله مسلمون اختارنا عز وجل لنكون له عبيداً، وكوننا عبيداً له فهو من يقرر لنا الحل والعلاج لأي قضية ومشكلة، نأخذ الحل من شرعه ودينه ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً﴾، فبذلك لا يكون لنا الاختيار بين حلول الشرع وحلول العقل ولا يجوز لنا أن نتجاوز عن ذلك بوضع وأخذ الحلول التي تخالف شرعنا وفكرنا. وهنا لا بد من التذكير أيضا أن الله عز وجل فرض علينا العيش في ظل دولة تحكم بشرعه وحرّم علينا العيش في ظل أحكام وأنظمة الكفر، وقد جعل عز وجل جل الأحكام والمعالجات مربوطة ومتعلقة بوجود دولة الإسلام. كما فرض علينا سبحانه وتعالى أن نعيد دولة الإسلام للوجود إذا زالت هذه الدولة من واقع الحياة (كحالنا اليوم) ولم يعطنا رخصة القبول بأنظمة وأحكام وكيانات الكفر في حياتنا.
لقد كان من الطبيعي بعد أن أُزيلت دولة الإسلام من الوجود أن تحكمنا دول وأنظمة تشرّع وفق الهوى وتسن القوانين والأنظمة المخالفة للإسلام وكذلك تجعل حلول القضايا والمشاكل بما يعارض ويناقض الإسلام وأحكامه. ولما كانت الدول القائمة في البلاد الإسلامية اليوم جميعها عميلة للغرب ومرتبطة بسياساته كانت كل الحلول السياسية والاقتصادية وغيرها آتية من الغرب الذي تمتلئ صدور أهله بالعداء والحقد على الإسلام وأهله. ولما كانت جل القضايا والحلول مربوطة بوجود دولة الإسلام، وهي غائبة، وكان المسيطر والمتحكم هو الاستعمار وأعوانه كانت قضايانا ومشاكلنا بين المراوحة دون حلول أو الحلول التي يضعها ويفرضها الغرب والمخالِفة لديننا وشرعنا والخادمة لسياسة ومخططات هذا الغرب المجرم الظالم.
بعد أن نجحت الدول الاستعمارية في هدم وتمزيق دولة الإسلام قامت برسم حياة المسلمين في كافة المناحي. وبعد أن جزأت وقسمت بلادهم أعطت الأرض المباركة فلسطين ليهود ليقيموا لهم دولة على ترابها، ثم رسموا للحكام والتنظيمات خط سير التعامل مع دولة الاحتلال هذه والتي محطتها الأخيرة تنازلهم عن أرض فلسطين ليهود والاعتراف بشرعية كيانهم المسخ عليها، وقد عملت دول الاستعمار على جعل قضية فلسطين قضية خاصة بأهلها وعملوا على فك ارتباطها بالأمة الإسلامية، ثم نقلوا الصراع مع الاحتلال من صراع عسكري لالتقاء سلمي وودي في ردهات مؤسساتهم الدولية الظالمة يتفاوضون حولها ويتنازلون عنها! بعد هذا السيناريو جعلوا رؤيتهم هذه محل الدوران والقبول عند بعض الناس، وما رسمته وسارت به دول الاستعمار بالنسبة لقضية فلسطين هو حرام ومنكر التعاطي معه.
وفي الصورة المقابلة عندما تُطرح فكرة حرمة الاعتراف بالاحتلال ولو على شبر من هذه الأرض المباركة وحرمة السير في مخططات الغرب الكافر وأخذ قرارات الدول الاستعمارية تجد، وللأسف، من أبناء الأمة من يسأل باستهجان واستغراب واستنكار ما البديل؟! ومن توابع ما هندسته الدول الاستعمارية فيما يتعلق بقضية فلسطين إيجاد سلطة ومجلس تشريعي لتصبح السلطة وبرلمانها قضية عند أهل فلسطين، والمشاركة في السلطة وبرلمانها حرام ومنكر، وهنا أيضا يخرج مِنْ بيننا من يسأل مستنكرا ما البديل؟! ومن مخططات الكفار في بلادنا أن غمروها بالبنوك الربوية حتى إن غبار الربا مسّ جل المسلمين، وعند الحديث عن حرمة وجريمة الربا يخرج للأسف مِنْ بيننا من يسأل مستنكرا ما البديل؟!
إن الإسلام جاء شاملا لجميع جوانب الحياة وفيه كافة المعالجات والحلول لكل مشاكل وقضايا الحياة وما يستجدّ فيها، فكان الواجب أن تكون كل الحلول والمعالجات مما جاء فيه، وإذا غيبت هذه الحلول من حياتنا وجب علينا إعادتها ولا يجوز تجاوزها لمعالجات وحلول مخالفة لشرع الله بحجة عدم وجود البديل كما يقول بعضهم ويبرر دعاة التبعية والسير مع الواقع؛ فلذلك كان جريمة كبرى أن يقبل أي مسلم بحلول منكرة بحجة عدم توفر البديل الفوري!
والسؤال الاستنكاري الذي يقفز للذهن، كيف لمسلم يشهد بوحدانية الله وأن الإسلام حق أن يسأل عن البديل للحرام والمنكر، والله أنزل أحسن وأعظم وأرقى التشريعات والأحكام؟! وهي أحكام وتشريعات هي الأصل وما سواها باطل. إن طرح سؤال "ما البديل؟!" هو منكر ومرفوض لا يليق أن يخرج من أي مسلم، والحق هو التقيد بالحلول والمعالجات التي جاء بها الإسلام والعمل على إعادة دولة الخلافة التي هي الحل والعلاج الفعلي والفعّال لكل قضايا ومشاكل الأمة الإسلامية والبشرية قاطبة، وهي الحياة والنور وهي جماع كل قضايا الأمة، فلذلك هي تستحق منّا أن نقدم الغالي والنفيس في سبيل عودتها راشدة على منهاج النبوة.
بقلم: الأستاذ عطية الجبارين – الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع