لقد سعدنا كثيراً بقراءة كلمة أمير حزب التحرير العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة حفظه الله وسماع صوته، لمعرفتنا وعلمنا بما يُكنُّه صدرُه من حرص شديد على الدعوة وأهلها، والأمة الإسلامية وأبنائها، وعمله الدؤوب لإيصال الدعوة والأمة إلى الغاية المنشودة؛ إقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، وإن ذلك لكائنٌ قريباً بإذن الله.
لقد أحسن العالم الجليل اقتناص فرصة هذه المناسبة العظيمة ليذكّر الأمة بعظيم مجدها، ويعيد للأمة إحساسها بأنها خير أمة أخرجت للناس، وأنها الأمة الشاهدة على الناس أجمعين، بقيامها على رسالة الإسلام، تطبقها في الداخل في دولة الخلافة، وتحملها إلى الناس بالدعوة والجهاد، فكانت مناسبة ذكرى فتح القسطنطينية، عاصمة الكفر آنذاك، ذلك اليوم المضيء؛ بل الساطع، كانت خير مناسبة ليبعث أميرنا في الأمة الشوق للنصر، والأمل في التخلص من هذا الواقع الفاسد بغياب حكم الإسلام ودولة الإسلام عنه.
قدّم العالم الجليل، أميرُ حزب التحرير سرداً تاريخياً موجزاً لفتح القسطنطينية من بدء حصارها حتى وطئت قدما محمد الفاتح كنيسة آيا صوفيا، وتحويلها إلى مسجد، وإعلان القسطنطينية عاصمة لدولة الإسلام، وتغيير اسمها إلى إسلام بول، لتستمر كذلك حتى جاء مجرم العصر مصطفى كمال، وهدم الخلافة العثمانية، وحوّل المسجد إلى متحف!!
ولعل من النقاط البارزة المضيئة في كلمة أمير حزب التحرير الإشارة إلى تَحَقُّق بشارة الرسول الكريم e بفتح القسطنطينية، والتركيز على هذه البشارة، وربطها ببشارات أخرى لم تتحقق بعد، والإشارةَ في هذه البشارة إلى ذلك الجيش، وذلك الأمير، اللذين تحققت على أيديهم تلك البشارة، ومدح الرسول الكريم e لذلك الجيش وذلك الأمير، فيا له من شرف ما بعده شرف!
أما صاحب ذلك الشرف، ذلك القائد الفذّ، فقد اختصّه أمير حزب التحرير بشيء من التفصيل في كلمته، فذكر نشأته، وعلومه التي درسها، وذكر تنشئته العسكرية، وما تربّى عليه من نعومة أظفاره على الفروسية وفنون القتال، حتى أكرمه الله سبحانه وتعالى بهذا الفضل، ليكون صاحب تلك البشارة العظيمة، فلعل العالمَ الجليل أمير حزب التحرير أراد بهذا التخصيص تنبيه الأمة الإسلامية إلى التنشئة الصحيحة لأبنائها لتعود كما كانت، يتوالى على أيديها تحقيق البشارات، والإشارة إلى ما يقوم به حزب التحرير من بناء شخصيات شبابه الذين أخلصوا قلوبهم وأنفسهم لله.. ليتحقق النصر للأمة على أيديهم، وتتحقق بشارات رسولنا e، كما يشير إلى ذلك في نهاية الكلمة.
وقد أولت كلمة العالم الجليل حسن رعاية الفاتح، قائد الجيش، لجنده، وحسن تخطيطه العسكري، فقد ذكرت ثلاثة أمثلة على ذلك، كان أولها حماية جنده من البرد ببناء حصن، يحتمون فيه من البرد حين اللزوم، حين اشتكوا إليه. وكان ثانيها حسن معالجته للعقبة الكبرى المتمثلة في قوة أسوار مدينة القسطنطينية، وكون المعدات العسكرية التي يملكها لا يمكنها اقتحام الأسوار، فاستقدم المهندس المجريّ (أوربان)، وسخر له ما يلزم من الإمكانات لصنع مدفع عملاق حطّم به أسوار المدينة الحصينة. أما ثالثها فكانت إبداعه في اختراع طريقة لتجاوز السلسلة المعدنية في الخليج، التي كانت تمنع سفن المسلمين من الوصول إلى المنطقة الضعيفة في السور، فقام مع جيشه بعمل جبار نقل فيه أسطوله برّاً فوق اليابسة إلى تلك المنطقة من الخليج، فملأ قلب الروم رعباً لما شاهدوا سفن المسلمين صباحاً في تلك الثغرة، فتحقق النصر المبين.
واحتراساً من سائل يسأل عن سبب ذكر هذه التفصيلات في كلمة العالم الجليل فقد أجاب أمير حزب التحرير عن ذلك، وبين أنه ذكرها لأسباب ثلاثة؛ لبيان عظمة الإسلام والمسلمين إذا وضعوا مبدأهم موضع التطبيق، ولطمأنة المسلمين بتحقق البشارات الأخرى التي بشّر بها رسول الله e؛ إذا قام المسلمون بما يجب عليهم، فينصرون الله تعالى لينصرهم الله كما نصر آباءهم وأجدادهم من قبل. وثالث تلك الأسباب ما قام ويقوم به الغرب من حرب على الإسلام والمسلمين، ومن محاولات لعدم عودة الأمة الإسلامية أمة عزيزة بخلافتها كما كانت، ومحاربته لحملة الدعوة في حزب التحرير، واتخاذه في ذلك أدوات وأساليب كثيرة، كان منها العملاء المأجورون، الذين تولّوا كِبْرَ منع حزب التحرير وملاحقة شبابه واعتقالهم وتهديدهم وتعذيبهم بما يُفضي إلى الاستشهاد أحياناً، وكذلك تسخير نفر من أبناء الأمة الإسلامية ممن يتسمّون بأسمائها، ويتزيون بزيها لمحاربة دعوة حزب التحرير بالتضليل والكذب، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تعدّاه إلى قيام بعض التاركين والناكثين والمعاقَبين بما يريده الغرب الكافر في محاربة حزب التحرير وقيادته وشبابه بالكذب والافتراء، كلما فشلوا في كذبة اخترعوا غيرها، وكلما انتهوا من فرية قفزوا إلى أختها.. مع علمهم أن حزب التحرير صخرة صلدة تتحطم عليها كل محاولات الكفر وأعوانه، وأن لدى قيادة الحزب وشبابه من صفاء الذهن ما يحول بينهم وبين ما يريدون من مكر، والله سبحانه وتعالى ناصر دينه ودعوة دينه والقائمين على نصرة دينه.
ويختم العالم الجليل أمير حزب التحرير كلمته بالإشادة بالمواقف القوية الصلبة الناصعة لشباب الحزب، التي تشبه مواقف الصحابة الكرام رضي الله عنهم مقتدين برسول الله e، هذه المواقف التي لا تهزّها المحن، ولا تلين قناتها أمام الصعاب، فاستحق شباب الحزب تهنئة الحزب بهم وتهنئتهم بالحزب.
ويختم الأمير الجليل خاتمته بالضراعة إلى الله عز وجل أن يتوالى تحققّ البشارات، ويتضرع إلى المولى سبحانه وتعالى أن يمدنا بعون من عنده، فنحسن العمل ونكون أهلاً لنصر الله سبحانه.
لقد وقعت هذه الكلمة على قلوبنا كما يقع وابل الغيث على الأرض العطشى، فتتشرّبه وتنتفع به نباتاً أخضر يانعاً وثمراً طيباً، فبارك الله في أميرنا ومكن للإسلام والمسلمين على يديه.
بقلم: الأستاذ محمد خليفة – الأردن
رأيك في الموضوع