ذكرت وكالة أنباء ريا نفوستي الروسية بتاريخ 20/12/2022، نقلا عن وزارة الدفاع الصينية "إن مناورات التعاون البحري الروسية الصينية، تدلّ على تصميم الدولتين على الردّ المشترك على التهديدات التي قد تحيق بالأمن البحري". وأضافت الدفاع الصينية، في بيان نُشر على حسابها على الإنترنت: "تهدف هذه التدريبات إلى إظهار تصميم وقدرة الجانبين على تعزيز ردّ الفعل المشترك على التهديدات للأمن البحري، والحفاظ على السلام والاستقرار على الصعيدين الدولي والإقليمي. وكذلك تعميق وتعزيز التعاون والشراكة الاستراتيجيين بين روسيا والصين في العصر الجديد". أما وزارة الدفاع الروسية فقالت: "إن التدريبات ستجري في مياه بحر الصين الشرقي. ونوهت بأن الهدف الرئيسي للتدريبات هو تعزيز التعاون البحري بين روسيا والصين، والحفاظ على السلام والاستقرار في منطقة آسيا والمحيط الهادئ". وذكرت وكالة أسوشيتدبرس الأمريكية في 21/12/2022 "أن هذه المناورات هي المرة الأولى التي ترسل فيها الصين قوات من 3 فروع لجيشها؛ للمشاركة في مناورة روسية واحدة، فيما وصف بأنه استعراض لاتساع وعمق الثقة المتبادلة بين الصين وروسيا".
فما هي أهداف هذه المناورات المشتركة؟ وما هي الرسالة التي ترسلها إلى أمريكا وأحلافها العسكرية في المناطق الواقعة في محيط الصين، والدول المجاورة، أو الواقعة ضمن بحر الصين الجنوبي والمحيط الهادي؟ وإلى أي حدّ يمكن لهذا التعاون أن يتشكل ويمضي قدماً ويستمرّ؟
وقبل الإجابة على هذه الأسئلة نقول إن أمريكا مصممة على تطويق الصين عسكريا واقتصاديا، وعلى بناء الأحلاف العسكرية في محيطها؛ وذلك لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية متعددة، منها:
أولا: إبقاء الصين ضمن دائرة ضيقة لا تتجاوزها خارج بلادها في أعمال سياسية أو اقتصادية منافسة لسياسة أمريكا؛ لأنها أكبر قوة اقتصادية عالمية بعد أمريكا، ويمكنها المنافسة المؤثرة في العالم.
ثانيا: إشغالها بالمشاكل الإقليمية؛ لتبقى منشغلة عن قضايا أخرى؛ مثل التفكير بالانعتاق من تبعية الدولار، أو التفكير بسباق التسلح، أو سباق التقنية الإلكترونية المنافسة أو المتفوقة على أمريكا، خاصة في موضوع أجهزة الاتصالات والخلويات، والشرائح أو الرقائق الإلكترونية، والموصلات الإلكترونية في المجال العسكري على وجه الخصوص.
ثالثا: إرهاب الدول الأخرى التي ربما تفكر بالانعتاق من التبعية الاقتصادية والسياسية؛ وخاصة دول الاتحاد الأوروبي وروسيا.
أما الأعمال التي تقوم بها أمريكا تجاه الصين وروسيا لتحقيق هذه الأهداف فهي متعددة ومتجددة، ومن هذه الأعمال:
1- الأحلاف العسكرية التي عملت، وما زالت تعمل على تشكيلها في المناطق المحيطة أو القريبة من الصين؛ مثل حلف (أوكوس) الذي شكلته مع كل من بريطانيا وأستراليا، وكذلك حلف (كواد) الذي شكلته مع أستراليا واليابان والهند.
2- العمل على إبعاد الصين عن روسيا وعن الشراكة الاستراتيجية بينهما. فقد حذر مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان عبر شبكة سي إن إن بتاريخ 29/2/2022 بقوله: "إن أي تحركات من جانب الصين، أو غيرها لتوفير شريان حياة لروسيا، أو مساعدتها في التهرب من العقوبات الغربية، ستكون لها عواقب وخيمة على الصين".
3- إثارة المشاكل في محيطها؛ خاصة موضوع تايوان، وإشغالها سياسيا وعسكريا، فهي تقوم بتشجيع تايوان على الاستقلال، مع أنها سبق وأن اعترفت بتايوان كجزء لا يتجزأ من الصين الواحدة سنة 1971 ضمن قوانين الأمم المتحدة. حيث قامت أمريكا بتنظيم زيارة لرئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي في 2/8/2022؛ فيها معنى التحدي للصين وسياساتها تجاه تايوان. وقامت كذلك في الفترة الأخيرة بتقديم دعم مالي لتايوان يقدر بعشرة مليارات دولار؛ حيث أقر مجلس النواب الأمريكي بتاريخ 9/12/2022 مشروع قانون ينص على منح مساعدات عسكرية ومبيعات أسلحة لتايوان بقيمة 10 مليارات دولار.
4- العمل على إعادة تسليح اليابان، ضمن سياسة تطويق الصين في محيطها. فقد صرح لبرايان هاردينغ، مستشار وزير الدفاع الأمريكي الأسبق لأمن آسيا والمحيط الهادي، بالقول: "إن العقيدة العسكرية الجديدة لليابان تعني تغيّرا واضحا ومؤثرا في سياساتها، وهو أمر مرحب به في واشطن، وخطوة جريئة للدفاع عن منطقة المحيطين الهندي والهادي، خاصة وأن الصين تطور برنامجها النووي وتزيد من رؤوسها النووية".
5- التهديد بالحرب والمواجهة في حال القيام بضم تايوان بالقوة العسكرية، أو في حال فرض حصار بحري عليها. فقد حذر الرئيس الأمريكي جو بايدن من طوكيو في 23/6/2022 من أن بلاده ستدافع عن تايوان عسكريا إذا قامت بكين بغزو الجزيرة ذات الحكم الذاتي، مؤكدا أن الصين "تلعب بالنار".
6- تهديد الصين بموضوع التجارة الخارجية للداخل الأمريكي ودول الاتحاد الأوروبي، وبفرض قيود عليها ورفع قيمة الجمارك، وتهديدها كذلك بفرض العقوبات الاقتصادية كما حصل مع روسيا بسبب الحرب الأوكرانية. فقد ذكرت صحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 9/3/2022 بأن وزيرة التجارة الأمريكية جينا ريموند حذرت الشركات الصينية بالعقوبات، وقطع الإمدادات الحيوية عنها إذا استمرت بتصدير الموصلات الإلكترونية إلى روسيا.
فهل خضعت الصين لهذه السياسات والأعمال العدوانية المقصودة؟ وما هي الأعمال المضادة التي تقوم بها للفكاك من حصار أمريكا وتطويقها اقتصاديا وعسكريا؟ وهل ستنجح الصين في الخلاص من هذه السياسات؟ الحقيقة أن الصين لم تخضع لهذه السياسات؛ رغم زخمها وقوتها، واتساع دائرتها يوما بعد يوم حتى باتت تزاحمها في عقر دارها، وفي محيطها البحري، وقامت بأعمال وسياسات عدة للفكاك من هذه السياسات، منها:
1- رفض موضوع التدخلات في تايوان دوليا وإقليميا، ودعوة أمريكا إلى نصوص القانون الدولي الخاص بتايوان. فقد قال وزير خارجية الصين بتاريخ 20/10/2021 في قمة العشرين في روما: "بموجب القانون الدولي، ليس لدى تايوان أي وضع، سوى كونها جزءاً من الصين"، مشددا على أنّ "البلدان التي دفعت عمداً اقتراحاتها حول قضية تايوان، ستدفع الثمن".
2- القيام بمناورات معاكسة لمناورات أمريكا في المناطق المحيطة؛ ففي بيان للناطق باسم الجيش الصيني في 25/12/2022 جاء: "إن الجيش الصيني أجرى مناورات عسكرية على توجيه ضربات في البحر والمجال الجوي حول تايوان، رداً على ما وصفها بالاستفزازات من كل من أمريكا وتايبه".
3- فتح آفاق جديدة في الخارج؛ وذلك مثل توقيعها معاهدات تجارية مع دول الخليج والسعودية، كما حصل في الاتفاق الذي وقعته بتاريخ 9/12/2022م.
4- تعزيز موضوع التنافس الإلكتروني وعدم الوقوف عند رغبات أمريكا، ففي خطاب للرئيس الصيني شي جين بينغ، أمام المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي بتاريخ 30/10/2022 قال "إن بلاده عازمة على تحقيق النصر في معركة الوسائل التكنولوجية الرئيسية"، وأكد أهمية الابتكار وتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال التكنولوجيا، في مجال التحول إلى التشغيل الآلي والشرائح الإلكترونية الدقيقة والسيارات ذاتية القيادة.
5- تعزيز موضوع التسلح والإنفاق العسكري. فقد أعلنت وزارة المال الصينية لسنة 2022 زيادة الميزانية العسكرية بنسبة 7,1%. وبذلك تكون الصين ثاني أكبر ميزانية دفاعية في العالم بعد أمريكا (740 مليار دولار للعام 2022).
6- دعم كوريا الشمالية بطريق غير مباشر في تهديداتها للمحيط المعادي للصين مثل كوريا الجنوبية واليابان. فقد ذكرت وكالة الأنباء المركزية الكورية في 16/10/2022: "أن الرئيس الصيني شي جين بينغ بعث برسالة للزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، أكد فيها على تعزيز التعاون بين بكين وبيونغ يانغ".
7- تعزيز موضوع التعاون الاقتصادي مع روسيا خاصة في إيرادات الغاز والبترول والمواد الغذائية. ففي اتصال بين الرئيسين الصيني والروسي ذكرته جريدة العرب الاقتصادية بتاريخ 30/12/2022 جاء: "عزمهما على تعزيز التعاون الاقتصادي في مواجهة تداعيات العقوبات الغربية المفروضة على موسكو. وقال الرئيسان إنه تم الاتفاق على توسيع التعاون في مجالات الطاقة والمال والصناعة والنقل وغيرها، مع الأخذ في الاعتبار الوضع الاقتصادي العالمي الذي تعقد بسبب العقوبات غير الشرعية الغربية".
وسيبقى هذا الصراع محتدما بين العملاقين الدوليين، ويلقي بشروره على كافة دول العالم حتى يرسو ويستقرّ هذا الصراع على برٍّ آخر، وسياسة معينة؛ إما بتغلب أحدهما على الآخر، أو بسياسة توافق ووفاق، كما جرى بين أمريكا والاتحاد السوفيتي عام 1961 أثناء الحرب الباردة.
وهذا كله يقودنا إلى الحقيقة الساطعة وهي أن النظام الوحيد الذي يحقق العدل والأمن والرفاه للبشرية جمعاء، هو نظام الإسلام، وفي هذا دافع لأمة الإسلام للمسارعة بتطبيق هذا النظام الرباني العظيم؛ لتنقذ نفسها والبشرية من شرور الرأسمالية وظلمها.
رأيك في الموضوع