إن ما يميز الإسلام كمبدأ تقوم عليه حياة البشرية، هو إيجاد حالة من التوازن بين الفرد وحاجياته ومتطلباته الخاصة، وبين إعلاء قيمة الجماعة وأهمية الانتماء إليها، وتكريس طاقة الفرد في خدمتها، والمحافظة على تماسكها وتقوية روابطها، وذلك من غير إفراط ولا تفريط، ولضمان قيام كل طرف بدوره ووظيفته المنوطة به، فقد حدد الإسلام مسؤولية كل من الفرد والجماعة بحيث تتم المحافظة على كيان الفرد فلا يهضم حقه ويذوب في دوامة الجماعة، وفي المقابل لا تتشتت الجماعة وتتفرق وحدتها وتتلاشى معالم وجودها أمام الأنانية ورغبة الفرد الجامحة في التملك والظهور. ويمكن تقسيم المسؤوليات في الإسلام إلى ثلاثة مستويات من حيث الصلاحيات والقدرة على التطبيق والممارسة:
- مسؤولية الفرد.
- مسؤولية الجماعات السياسية.
- مسؤولية الدولة.
ويمكن الوقوف على صور المسؤولية في الإسلام من خلال:
- رعاية شؤون الغير:
فقد جاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قوله: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، - قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ - وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» أخرجه البخاري ومسلم.
وبالنظر إلى طبيعة الأحكام الشرعية فإنها تتنوع وتختلف باختلاف مجالات الحياة، ومهما بلغت قدرة الفرد، وصلاحياته وتأثيره فيمن حوله تبقى قدرته على تطبيق الأحكام مرتبطة بالناحية الفردية المتعلقة به أو بمن يعول ويرعى كالأهل والزوجة والولد، وهذه الأحكام الخاصة بالعقيدة والعبادات والمعاملات والأخلاق لا تتجاوز خُمس أحكام الإسلام، بينما تبقى أربعة أخماس أحكام الإسلام متوقفة في تطبيقها وإيجادها في واقع الحياة على الإمام أي على الدولة التي ترعى الناس في شؤون دينهم ودنياهم، ولهذا ليس غريباً أن يعتبر علماؤنا وجود الدولة من أعظم الواجبات، وتاج الفروض، وكذلك قول ابن تيمية رحمه الله: "يجب أن يُعرف أن ولاية أمرِ النّاسِ من أعظم واجباتِ الدّين، بل لا قيامَ للدّين ولا للدنيا إلا بها".
- النصيحة والمحاسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
فهو الضمان لدوام استقامة المجتمع وصلاحه، ومتى قصر المسلمون في أداء هذه المسؤولية، فسيصيبهم الخلل والضعف في منظومة القيم والسلوك، ويتزعزع استقرارهم ويتهدد وجودهم، ومصيرهم كأمة، ففي الحديث عن أبي سعيد الخدري t قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ»، وهذا يشمل كل فرد من أفراد المسلمين رجلاً كان أو امرأة، ومن أهم أعمال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأجلها وأعظمها أجراً عند الله تعالى، محاسبة السلطان ومراقبة مدى التزامه بشرع الله وتطبيقه، وإحسان الرعاية لشؤون الرعية، فعن جابر t عن النبي ﷺ قال: «سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَامَ إلَى إمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ، فَقَتَلَهُ»، وعَنْ حذيفةَ t عَنِ النَّبيِّ ﷺ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَاباً مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ» رواه الترمذي.
الأمة هي صاحبة السلطان الحقيقي، وهي من تملك حق اختيار الحاكم الذي ترتضيه لتولي أمرها ورعاية شؤون دينها ودنياها، لذلك وجب على الأمة اليوم وهي تسير في طريق التغيير والنهوض، أن ينصبَّ جهدها على استعادة سلطانها عبر إسقاط الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين، وإنهاء حياة الحكم الجبري، وأن تعمل على إقامة دين ربها وتطبيق شرعه، وتولي أمرها لمن تثق بدينه وتقواه، إمام تقي نقي تستأمنه على حاضرها ومستقبلها، ويطيع الله فيها ويرعاها بالإسلام حق الرعاية.
ولأن الدولة والمجتمع كيانات كبيرة ومعقدة، كان لا بد من وجود كيان أو كيانات في مقابلها، قادرة على تحمل عظم المسؤولية والمجابهة، والقيام بفرض المحاسبة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذه الكيانات متمثلة في الأحزاب السياسية، والتي هي صمام الأمان للمجتمع والدولة، والضمان من عدم الانزلاق والسقوط، والحيد عن المبدأ، فمهما بلغت قوة الفرد وقدرته على التأثير فهي محدودة وغير مستمرة، ولذلك أوجب الإسلام على المسلمين أن يكون من بينهم جماعات وأحزاب سياسية، تتخذ من الإسلام مبدأ، ومن السياسة عملاً لها، تدعو للإسلام وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتبقى في يقظة تامة وتنبه دائم، تحقق القوامة على حس المجتمع وفكره، استجابة لقوله تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.
تبليغ الإسلام والشهادة على الأمم:
من المسؤوليات الملقاة على الأمة حمل الإسلام إلى الناس وتبليغهم رسالته، وهدايتهم إلى الخير والنور، والشهادة عليهم يوم القيامة، يقول الحق تبارك تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾، وللقيام بهذه المهمة العظيمة، مهمة الشهادة وأداء الأمانة على وجهها واستحقاقها، لا بد من تطبيق الإسلام قولاً وعملاً من خلال دولة تجسد أحكام الإسلام في واقع الحياة، ويكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باب وصول الأمة إلى مرتبة الخيرية التي أرادها الله لها ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾.
أمام هذه المسؤوليات المتعلقة في عنق الأمة الإسلامية، وأمام ما تعانيه الأمة من غياب لأحكام الإسلام، وتفرق وتشرذم، وتسلط للكفار المستعمرين عليها، كان وجود حزب التحرير استجابة لأمر الله، والتزاماً بالفرض، متسلحاً بالإيمان بالله، وبوعده سبحانه لأوليائه بالنصر والتمكين، فقد أخذ على عاتقه استئناف الحياة الإسلامية، بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، وأعد العدة لذلك بوضع أسس الدولة المتمثلة بالدستور وأنظمتها المختلفة كنظام الحكم والنظام الاقتصادي والنظام الاجتماعي، والتعليم، والصحة، والإعلام، وسطرها في كتبه المنشورة بين يدي أبناء الأمة بلغات شتى، لتتداولها وتطلع عليها وتتدارسها، وجمع في صفوفه من أبناء الأمة الأبرار الأخيار من يقومون بهذه المهمة كرجال سياسة ورجال دولة، أقوياء أمناء يبتغون مرضاة الله، ولا يخشون فيه لومة لائم، يقودهم في ذلك بكل حكمة واقتدار العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة.
أيها المسلمون: ألا تكفي مئة عام من غياب الإسلام؟ ألا تكفي مئة عام من الفرقة والتشرذم والذل والهوان؟ ألا تكفي مئة عام من تسلط الكافر المستعمر؟ ألا تكفي مئة عام من العيش في ظل الرويبضات صنيعة الكافر المستعمر وأدواته؟! فإننا إلى عز الدنيا والآخرة ندعوكم، إلى اقتعاد مركز الصدارة بين الأمم يا خير أمة ندعوكم، إلى أن نكون دواء السقيم، ونصرة المظلوم، وغياث الملهوف، ونصب ميزان العدل ونشر النور والرحمة والهداية في ربوع العالمين ندعوكم أيها المسلمون، فأقيموها خلافة راشدة على منهاج النبوة.
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع