تناولت الحكومة الانتقالية في الأيام الماضية قضية الحظر الكامل للتجوال في الخرطوم لمدة ثلاثة أسابيع، ونوقشت القضية يوم الخميس 9/4/2020م، كما جاء في موقع باج نيوز الإخباري ما نصه: (مجلس الأمن والدفاع يُناقش الإغلاق التام للبلاد أو قفل الخرطوم لـ (3) أسابيع). 9 نيسان/أبريل 2020م.
فهل الحكومة جادة في تنفيذ هذه الخطوة في ظل الوضع الاقتصادي الكارثي الذي تمر به البلاد؟ إن الحكومة الانتقالية تقف عاجزة عن حل مشكلات الناس الأساسية، فأحدهم (برزق اليوم باليوم)، لا يستطيع توفير الخبز، مع الغلاء الفاحش لكل السلع، ومع انعدام تام للغاز، وصفوف طويلة للحصول على الوقود، وقطوعات للكهرباء والمياه، فكيف يعيش الإنسان محبوساً بلا ماء، ولا كهرباء، ولا طعام، ليوم واحد، إلا أن يكون ذلك عقاباً فرضته الحكومة، وعذاباً لشعبها؟!
في ظل الحظر الجزئي يعاني أصحاب الأعمال اليومية من عمال بناء، وسائقين، وبائعي المنتجات اليومية، من خضار وما شابهه، وكذا المعلمون في المدارس الخاصة الذين أغلقت مدارسهم وتوقف راتبهم مع توقف المدارس، ولا أدري كيف تحاصر الدولة كل هؤلاء ممن ذكرتُ ومن لم أذكر، الذين تعطلت حياتهم بقراراتها دون أي معالجة منها حتى هذه اللحظة! فما هو مصير هؤلاء إذا تمادت الحكومة وفرضت حظراً كاملاً؟!
والحكومة تتحدث عن الأسر الفقيرة، ولا تحدد مقياساً لهذه الأسر الفقيرة، وقد أصبح 90٪ من سكان السودان يعيشون (رزق اليوم باليوم)، ولا أدري من هو ابن البلد عندهم؟ هل هو ذاك الشخص الذي يعمل في المؤسسة المعينة التي وفرت له الدقيق والأرز والسكر، أم هو هذا الذي يضرب في الأرض يبحث عن طعام اليوم، فيأتي محملاً بالأكياس نهاية اليوم، إن وجد إلى ذلك سبيلاً؟
فإذا كانت الحكومة عاجزة تماما، ولها ثمانية أشهر كاملة، لم تستطع أن تضع خلالها مجرد حل، لاحتياجات الناس الأساسية، فما بالها تريد حبس الناس في بيوتهم جوعى، وهم يسمعون صراخ أطفالهم وقرقرة بطونهم من الجوع؟! فقد قرأتُ أن وزارة التجارة قامت بتوفير جوال السكر 10 كيلو بـ530 جنيهاً، فهل هذه هي نوعية الحل لأسابيع؟ ألا يدري حكام السودان الجدد أن بعض الأسر يخرج وليُّها صباحاً ولا يترك لهم شيئا غير رحمة الله، ثم صبرهم، حتى يرسل إليهم بما فتحه الله عليه ذلك اليوم، فما بالك بالحظر أسبوعاً، فضلا عن ثلاثة أسابيع؟! وقد ازداد الضيق مع الحظر الجزئي، وأصبح الوضع سيئا لتقليل ساعات العمل، خاصة لمن تزدهر أأعمالهم مساءً، كما في الأسواق التي ينتعش فيها البيع، مع عودة الموظفين والعمال نهاية اليوم.
لا مانع من المكوث في البيت، إذا قامت الحكومة بواجبها في توفير احتياجات الناس الأساسية كلها، وإذا أرادت فرض الحظر شهراً كاملاً، سيمكث الناس إذا كان الوضع الصحي يتطلب ذلك، ولكن مع ضيق الحال وشظف العيش، لن يصبر المرء بين الموت جوعا مع أطفاله وصراخاتهم الأليمة، وبين كورونا. لكن لا تملك الحكومة الانتقالية إلا وعوداً جوفاء، وقراراتها دوما تصنع الضيق والشقاء، وإذا تحدث أحد الناس ناصحاً أو محذراً، حاول أتباع الحكومة إسكاته واتهامه، دون فهم ولا وعي.
إن وظيفة الحكومة هي رعاية شؤون الناس، فعليها أن تتقي الله سبحانه وتعالى، وتقوم بواجبها بتذليل سبل الحياة لهم، وليس بقاء المسؤولين في أبراجهم المشيدة، وقصورهم المكيفة، والتنظير عن بعد، غير مبالين بما يحدث للناس.
إن جائحة كورونا هي سنة كونية لن تتوقف الحياة بسببها، بل مع الحذر والاحتياط الطبيعي، تستمر الحياة، إذا قامت الدولة بواجبها في رعاية شئون الناس، ولا تشق عليهم، فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم على الحكام الذين يشقون على أمته، فقال: «اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئاً فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ». وقد وصف صلى الله عليه وسلم الحاكم بأنه راعٍ فقال: «الْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». وقد طبق خلفاء المسلمين هذا النص النبوي بحقه، فهذا هو الخليفة عمر بن الخطاب بوصفه حاكماً للمسلمين، يطوف أثناء الأزمات على الناس، ويتفقدهم، ويعالج مشاكلهم أسرة أسرة، وفردا فردا، فهو الذي حمل الدقيق والطعام على ظهره لأسرة لم يكن لها طعام، وما أكثر أمثال هذه الأسرة اليوم.
وخليفة المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه شارك بنفسه في إطعام الجوعى عام الرمادة، فيغرف للناس الطعام بيده، ويقول لبطنه التي أصدرت صوتا (قرقري أو لا تقرقري فلن تتذوقي اللحم حتى يشبع منه أبناء المسلمين)، وكان يكتفي بالزيت والخبز، والخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه، لما ولي الخلافة بكت النساء قائلات من يحلب لنا الشاة، فطمأنهن، فقال: (بلى لأحلبنَّها لكنّ، وإنِّي لأرجو ألَّا يغيِّرني ما دخلت فيه)، والخليفة عمر بن العزيز جمع ماله ومال أسرته وبني عمه، ليكون في خدمة الدولة، تدار به شؤون الناس، وينفق منه على الفقراء والمساكين.
هؤلاء الخلفاء كانوا حكاماً في ظل دولة الإسلام، الخلافة التي واجبها هو القيام بمسؤوليتها تجاه الناس، وهذه أحكام شرعية، ونتيجة طبيعية لتطبيق شرع الله تعالى، فالدولة في الإسلام الخلافة الراشدة هي دولة رعاية، لا دولة جباية، يكون الحاكم فيها خادما للناس، لا متسلطاً عليهم، كما تفعل الحكومات العلمانية اليوم، فالأنظمة الديمقراطية عاجزة وفاشلة، ولا تملك حلولاً صحيحة وعملية لمشاكل الناس، فهي تلف وتدور حتى يسقطها الناس، أو ينقلب عليها أحد العسكريين كما تكرر في بلادنا، ليعيد النظام نفسه بوجه جديد.
على المسلمين تغيير هذا الواقع الأليم، بإخلاص العمل لله تعالى لإقامة دولتهم، دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، ليرفعوا عنهم الذل، ويعيشوا كرماء أعزة في الدنيا، ورضوان من الله أكبر في الآخرة. ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.
بقلم: الأستاذ محمد جامع (أبو أيمن)
مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع