نقلت وكالة الأناضول التركية عن مجلة "هوم لاند سكيوريتي تودي" الأمريكية مقالا يوم 25/3/2020 حول دور الإسهامات التركية في الصومال. فتناولت المجلة التي تعنى بقضايا الأمن في أمريكا السياسات الاقتصادية والأمنية التي طبقتها تركيا في الصومال، فأشادت بالقوة الناعمة التي استخدمتها تركيا في مواجهة "الإرهاب" والدعم الشعبي القوي لتركيا والجيش الصومالي، وأشارت إلى الإسهامات التركية المهمة منذ عام 2011 في عملية التنمية وتطوير الاقتصاد الصومالي. ولفتت إلى الجهود المكثفة التي قامت بها تركيا لزيادة قدرات الجيش الصومالي الذي أصبح مسؤولا عن الأمن عقب انسحاب قوات الاتحاد الأفريقي من البلاد. وقالت "إن تدريب وتجهيز القوة العسكرية الصومالية دفع حركة الشباب إلى تغيير تكتيكاتها". وذكرت أن "الحركة وسعت نطاق هجماتها ضد المدنيين وبدأت باستهداف العاملين الأتراك في الصومال". وهذا يكشف دور تركيا لحساب أمريكا التي تحارب حركة الشباب التي تنادي بتطبيق الإسلام.
والجدير بالذكر أن تركيا أغلقت سفارتها عام 1991 بعد الانقلاب على عميل أمريكا سياد بري عام 1990 والذي حاول العودة للحكم ولكنه هزم في شهر أيار عام 1991 وهرب إلى كينيا، ومن ثم قامت أمريكا في آب عام 1993 بتشكيل تحالف باسم خادع "عملية إعادة الأمل" مكون من قواتها وقوات من بلاد إسلامية كتركيا ومصر وباكستان وماليزيا لخداع أهل البلد المسلمين، في محاولة لإعادة تركيز نفوذها في الصومال التي توليها أهمية لموقعها الاستراتيجي في القرن الأفريقي.
وقد بدأ التدخل الأمريكي في آب 1992 تحت مسمى إرسال المساعدات إلى المنكوبين في الحرب الدائرة، ومن ثم إرسال قوى عسكرية لحماية قوى الإغاثة، وذلك على عادة أمريكا في التدخل، الذي يبدأ بما يسمى مساعدات إنسانية، وهي ليست كذلك، وإنما خطوة للتدخل، ومن ثم تليها الخطوة الثانية وهي إرسال قوى عسكرية لحماية المساعدات وتأمين توزيعها، ومن ثم تليها الخطوة الثالثة وهي التدخل المباشر تحت مسميات زائفة مختلفة. علما أن الرئيس الأمريكي بوش الأب قام بزيارة قصيرة للصومال بذريعة الإشراف على المساعدات الإنسانية! بل لرؤية الوضع على الأرض لاتخاذ القرار بالتدخل. فالمساعدات الإنسانية في قاموس الدول الاستعمارية تعني أسلوبا للسيطرة وبسط النفوذ ونهب الثروات. وقد أجبرت أمريكا ومعها حلفاؤها على الانسحاب في شهر آذار عام 1994 بعدما واجهوا مقاومة قوية من أهل البلد، فتكبدت أمريكا خسائر عسكرية؛ نحو 18 قتيلا و70 جريحا حسب تقاريرها، واعتبرتها الخسائر الأكبر بعد حرب فيتنام.
ولكن الصراع بين أمراء الحرب استمر إلى أن تمكن اتحاد المحاكم الإسلامية من استلام الحكم عام 2006 فأيده عامة الناس والتجار وقادة القبائل الذين قدموا الدعم بسب توقهم لتطبيق الإسلام ورغبتهم للتخلص من الفوضى التي أشاعها أمراء الحرب الذين كانوا أدوات للدول الاستعمارية المتصارعة، وبفضل تطبيق بعض الأحكام الإسلامية استتب الأمن وزال الفقر والجوع الذي كان المستعمر ينشر دعايته كذريعة للتدخل. ولكن أمريكا لا تتحمل رؤية ذلك يحدث، فمعنى ذلك الاستقلال عن المستعمر، فتحركت جواً وبحراً بذريعة محاربة (الإرهاب)، ودفعت قوات أفريقية وخاصة إثيوبية وأوغندية لتقاتل لحسابها براً ضد نظام المحاكم التي حاولت تطبيق الإسلام، فتمكنت أمريكا مع عملائها من إسقاط حكم المحاكم ولكن حركة الشباب المجاهدين استمرت في جهادها حتى اليوم، وما زالت أمريكا توجه ضربات لها جوية وبحرية.
ولكن أمريكا حتى توجد الاستقرار لاستعمارها دفعت تركيا للقيام بدور القوة الناعمة، فقام رئيسها أردوغان بزيارة الصومال يوم 19/8/2011 وأعاد افتتاح السفارة التركية هناك، وبعد تلك الزيارة بدأت الوكالة التركية للتعاون والتنسيق والهلال الأحمر التركي والمنظمات غير الحكومية، بدأت تساهم في أكبر حملة للمساعدات الخارجية وتبلغ منذ عام 2011 حتى اليوم مليار دولار. وتثار العواطف لدى الأتراك المسلمين وتستغل المشاعر الإسلامية لديهم لجمع المساعدات من زكاة وصدقات وأضاحٍ وغير ذلك بذريعة مساعدة إخوانهم المسلمين في الصومال ولا يدرون أنها تصب في صالح تركيز النفوذ الأمريكي وعرقلة عودة الإسلام إلى الحكم، وما زالت أمريكا والقوات الأفريقية تستخدم القوة العسكرية، وتركيا تستخدم القوة الناعمة بجانب التدريب للقوات الصومالية لتحارب الجماعات الإسلامية. ويستغل النظام التركي العلماني المشاعر الإسلامية لدى أهل الصومال حتى إن موقع وزارة الخارجية التركية يقول "علاقات تركيا مع الصومال ضاربة في القدم وتعود إلى حقبة الدولة العثمانية"! وشتان بين الوضعين حيث إن الدولة العثمانية طبقت الإسلام في الصومال وحافظت عليه من المستعمرين البرتغاليين حيث طردتهم عام 1517 بعدما دخلوا هناك عام 1479. وأما تركيا الحديثة فتحارب تطبيق الإسلام هناك وتساعد على استقرار الأوضاع للاستعمار الأمريكي الذي فشل في ذلك بالقوة العسكرية.
وتفتخر تركيا بأنها أقامت هناك أكبر قاعدة عسكرية لها في الخارج لبناء قوات عسكرية للنظام العلماني في الصومال التابع لأمريكا قادرة على مجابهة الحركات الإسلامية تحت مسمى محاربة (الإرهاب) وحفظ الأمن والسلام. وهي تقوم بتدريب عناصر الشرطة والجيش والاستخبارات.
وقال وزير خارجية الصومال أحمد عيسى عوض أثناء زيارته لأنقرة يوم 27/11/2019 "بفضل دعم دول وعلى رأسها تركيا تمكنا من حل مشكلة حركة الشباب "(الإرهابي) في الصومال".
فأينما حلت تركيا فهناك خدعة وضربة للمسلمين، وتستخدم ماضيها العثماني والمشاعر الإسلامية لينسى الناس واقعها العلماني وارتباطها بأمريكا، فخدعت كثيرا من الفصائل المسلحة التي كانت تسعى لإسقاط النظام العلماني الإجرامي في سوريا. وخدعت هي وقطر حماس لتدخل في انتخابات 2006 وتفاخر رئيسها السابق عبد الله غل بذلك. وخدعت أهل فلسطين ومنهم أهل غزة أنها ستنصرهم ورئيسها أردوغان يقول "العلاقة التركية (الإسرائيلية) علاقة مصيرية"، وخدعت الإخوان المسلمين عام 2011 حتى لا يطبقوا الإسلام وقد تفاخر أردوغان بأنه أقنع مرشدهم العام محمد عاكف بالعلمانية. وذهب إلى ليبيا ليخدع الفصائل المسلحة التي تقاتل ضد حفتر عميل أمريكا. وخدعت أهل أذربيجان ووقعت اتفاقية مع أرمينيا عام 2009 معترفة ضمنيا باحتلالها لـ20% من أراضي أذربيجان وطردها لمليون أذربيجاني منها، وخذلت القرم عندما استنكرت الاحتلال الروسي عام 2014 ولكن بعدها تناست ذلك وأصبحت صديقة لروسيا، وسلمت قادة شيشانيين للروس كانوا قد لجأوا إلى تركيا، وخذلت المسلمين الإيغور ودافعت عن الصين قائلة إنها لا تضطهدهم وإنما تحارب الإرهاب...!!
وهكذا يجب عدم الثقة والحذر من أية دولة سواء أكانت تركيا أم غيرها، لا تطبق الإسلام، أو تصر على العلمانية، وتستغل المشاعر الإسلامية، وترتبط بالاستعمار الأمريكي أو الأوروبي، فذلك ركيزة في الفهم السياسي.
رأيك في الموضوع