تزايدت في الآونة الأخيرة حالات التدخل العسكري الروسي في بلدان إسلامية مضطربة، وفي بلدان أخرى غير إسلامية، وظهرت أنشطة مُريبة لشركة أمنية روسية تُسمّى "فاغنر" في دول عدة، منها سوريا وليبيا والسودان وأوكرانيا وأفريقيا الوسطى وموزمبيق؛ ففي 19/9/2019م انتشر فيديو إجرامي مُروّع على وسائل التواصل يظهر فيه عناصر من "فاغنر" يقومون باستجواب جندي سوري فرّ من الخدمة العسكرية بأساليب وحشية فظيعة، حيث قاموا بقطع رأسه، وتقطيع أطرافه، وتعليق جثته بالمقلوب، ثمّ حرقوا جثته، ولعبوا برأسه كرة قدم، ولم تُنكر الحكومة الروسية الحادث لكنّها قالت بأنّها غير مسؤولة عن تصرفات شركة "فاغنر" بحجة أنّها شركة خاصة.
ومن المعروف لدى المراقبين أنّ شركة "فاغنر" أسّسها شخص روسي مُقرب من الرئيس الروسي بوتين، وتقوم بأعمال مُساندة للجيش الروسي في الدول التي تعمل فيها، وتتولّى القيام بالمهمّات القذرة التي لا تقوم بها الجيوش الرسمية.
ويبدو أنّ شركة "فاغنر" هي امتداد حقيقي لشركة "بلاك ووتر" الأمريكية التي توقفت أعمالها بعد افتضاح أمرها، وإثارة الضجة حول علاقة أعمالها الإجرامية بالدولة الأمريكية، ومن ثمّ مُساءلة الكونغرس للحكومة عن مدى مشروعية وجودها، ممّا اضطرّها إلى التوقف عن العمل، وتوريثه إلى شركات أخرى كشركة "فاغنر" الروسية التي تولت المهام نفسها التي كانت تقوم بها شركة "بلاك ووتر".
إنّ شركة "فاغنر" الروسية قد أثبتت قدرتها على القيام بالأعمال الأمنية القذرة في أماكن عدة، وفي هذه الأثناء تُقاتل عناصرها المرتزقة إلى جانب قوات عميل أمريكا القوي في ليبيا خليفة حفتر في محيط العاصمة الليبية طرابلس الغرب ضد قوات السرّاج المُوالي لأوروبا، وذلك بعد أنْ عجزت قوات حفتر عن اختراق دفاعات المليشيات الموالية للسرّاج، وقال مسؤولون ليبيون من طرابلس الغرب تعليقاً على أعمال "فاغنر": "إنّ ليبيا تتعرض لغزو روسي"، وإن الحكومة الروسية نفسها تقوم بأعمال غير قانونية في ليبيا كطباعة 11 مليار دينار ليبي لصالح حفتر ليشتري السلاح من روسيا.
وتقوم الحكومة الروسية بتغطية مُعظم جرائم شركة "فاغنر"، كما تقوم بتخطيط وتحديد أماكن عملها، وتأذن لعناصرها بالدخول إلى مناطق خاضعة للجيش الروسي نفسه، وأمّا أمريكا فتغض الطرف عن أعمالها غير القانونية لأنّها تُحقّق لها مصالحها، وواضح أنّ كل تدخلات روسيا العسكرية وتدخلات "فاغنر" كانت لصالح عملاء أمريكا مثل بشار الأسد وخليفة حفتر.
فروسيا التي تملك مقعداً دائماً في مجلس الأمن، وتملك حق النقض الفيتو تستطيع التملص من ضغوط المجتمع الدولي على جرائمها وجرائم شركاتها الأمنية مثل شركة "فاغنر"، وتملك جيشاً قوياً يؤهلها للتدخل في مناطق الصراع وحسم المعارك لصالح الجانب الذي تتدخّل لمساعدته، ولا يوجد في نظامها السياسي شفافية وهيئات ومرجعيات دستورية وقانونية لمحاسبتها على همجيتها ووحشيتها في خوض الحروب، وقتل المدنيين، وتهجير الملايين، كما تفعل في سوريا، فنظام الحكم فيها فردي مُستبد ولا قيمة فيه للمُحاسبة والمساءلة، وهو من هذه الجهة شبيه بالأنظمة العسكرية الدكتاتورية.
ومعلوم أنّ روسيا تدخلت في سوريا بعد اجتماع الرئيس الأمريكي السابق أوباما بالرئيس الروسي بوتين في أيلول من العام 2015، وكان لتدخلها الأثر الأكبر في بقاء نظام بشار الأسد بعد أنْ كان على وشك السقوط.
لقد وجدت أمريكا في روسيا ضالتها، فهي تملك القوة الحاسمة التي تمنع سقوط الطغاة، وفي مقدورها كسر حدة الثورات المقلقة لأمريكا، لذلك استغلتها أمريكا، ووظّفت قوّتها في أماكن الصراع المختلفة لخدمة مصالحها، مُقابل شيء من الفتات وبعض القواعد العسكرية.
وما أفاد أمريكا في استخدام روسيا وتحقيقها لسياساتها الخارجية وجود صفتين تمتاز بهما روسيا يؤهلانها للتدخل في الصراعات القائمة في المنطقة؛ أما الصفة الأولى فهي توافقها مع أمريكا في مُحاربة الإسلام تحت مُسمّى مُحاربة (الإرهاب)، وأما الصفة الثانية فهي طمعها في الحفاظ على موقعها في الموقف الدولي، ورضاها بالقيام بتأمين مصالح الدولة الأولى لقاء إبقاء وجودها الفاعل في المجتمع الدولي، وكون روسيا دولة رأسمالية فلا يضيرها أنْ تقوم بهذه الأدوار القذرة ضدّ الشعوب طمعاً بالبقاء إلى جانب أمريكا في المسرح الدولي.
إنّ روسيا دولة عدوة مُجرمة أعلنت الحرب على الإسلام والمسلمين في الشيشان من قبل، وهي لا تختلف في عدائها عن أمريكا، لذلك لا يجوز التهاون في إنشاء العلاقات معها كما تفعل بعض الحركات الإسلامية! كما لا يصح إقحامها في قضايا الأمة، ومن يفعل ذلك تحت أية حجة من الحجج فقد ارتكب جريمةً لا تُغتفر، وفوق ذلك فروسيا اليوم دولة صديقة حميمة لدولة يهود، تُنسّق معها أمنياً في أجواء سوريا، وتمنع أي عمل عسكري يستهدف مواقع دولة يهود في فلسطين المحتلة، ولقد اجتمع رئيس وزراء كيان يهود نتنياهو ببوتين عشرات المرات في السنوات القليلة الماضية لتوحيد الأهداف بين الدولتين، كما أنّ حقد روسيا الصليبي واضح في الأعمال العسكرية التي يقوم بها الجيش الروسي في سوريا، فالبطريرك الأرثوذكسي ظهرت له صور في قاعدة حميميم السورية وهو يُضفي البصمة الصليبية على معارك الجيش الروسي في سوريا.
لقد تحوّلت روسيا بالفعل إلى عصا غليظة بيد أمريكا تجلد بها ظهور المسلمين، وتكسر حدة ثوراتهم، وتدعم طغاتهم، وتلغي إرادة التغيير لديهم، وتبيد خضراءهم، وتُشرّد ملايينهم، وتُشتّت شملهم...
لكنّ المسلمين لن يستسلموا أبداً، ولن يخضعوا، وسيظلون صابرين صامدين بإيمانهم وجهادهم حتى يستأصلوا شأفة عدوهم من الروس والأمريكان ومن والاهم.
رأيك في الموضوع