يُحاول بعض الساسة - لا سيما الحُكام منهم - كسب ود أطراف ذات مصالح مُتضادّة، أو إرضاء مطالب شعوبهم ومصالح أعدائهم في الوقت نفسه، فيجمعون بين المتناقضات في تصريحاتهم وأقوالهم، وهو أمرٌ يستحيل تحقيقه، فمواقفهم الحقيقية تكون قطعاً مُنحازةً إلى طرفٍ من الأطراف، وهو طرف الأعداء، بينما ظاهر تصريحاتهم اللفظية تبدو مُنحازةً إلى الطرف الآخر وهو طرف الشعوب، فنجدهم يُدلون تصريحات في موضوع مُعين مُوجهة إلى شعوبهم غايتها الاستهلاك المحلي، ثُمّ نجدهم يُدلون تصريحات أخرى عن الموضوع نفسه مُغايرة للتصريحات السابقة في وقتٍ آخر، وفي مكانٍ آخر، تكشف عن موقفهم الحقيقي.
والحقيقة أنّه لا يُمكن للمرء أنْ يصدر عنه موقفان مُتناقضان في الوقت نفسه، فإنْ فعل ذلك يكون كمن يجمع بين الإسلام والكفر، أو بين الحق والباطل، أو بين الهُدى والضلال، فإنْ حصل الجمع بين الموقفين المتضادّين بالفعل فيكون جمعاً وهمياً كلامياً، ويكون أحدهما مُضلّلاً مُخادعاً والآخر حقيقياً.
والرئيس التركي أردوغان يصلح مثالاً على هذا النوع من السياسيين، فقبل أربعة أشهر وصف مِحنة المسلمين الإيغور في الصين بأنّها عار كبير على الإنسانية، ولكنّه لم يفعل شيئاً لمساعدتهم، ثمّ في زيارته الأخيرة للصين تبدّل قوله رأساً على عقب ووصفهم بأنّهم أقلية إثنية تعيش بسعادة في إقليم شينجيانغ في ظل التنمية والرخاء المنتشر في الصين! ففي التصريح الأول وصفهم بالإيغور المسلمين المضطهدين في الصين، وفي التصريح الثاني وصفهم بالأقلية الإثنية التي تعيش بسعادة في شينجيانغ، فأي من التصريحين المتناقضين نُصدّق، الأول أم الثاني؟!!
وعند التدقيق في التصريحين نجد أن الأول منهما هو مُجرد كلام للاستهلاك المحلي لأنّه غير مشفوع بالأفعال، بينما نجد الثاني مقروناً بأدلة عملية تؤكد الموقف الحقيقي للرجل، وهذه الأدلة هي:
1- قوله: "إنّ الحفاظ على زخم التنمية في العلاقات التركية الصينية عاملٌ حاسم لرفاهية الشعبين والاستقرار العالمي، ويجب تعزيز التعاون الثنائي الاستراتيجي الذي تأسّس في العام 2010".
ففي هذا القول قرينتان تدلان على موقف أردوغان الحقيقي تجاه الصين والإيغور وهما: زخم التنمية في العلاقات بين البلدين، وتعزيز التعاون الثنائي الاستراتيجي.
2- قوله: "يجب التمسك بالعلاقات الثنائية في إطار مُبادرة الحزام والطريق"، وفي هذا القول قرينة أخرى على موقفه المؤيد للصين في موقفها ضد الإيغور المسلمين، وهي دخول تركيا في مُبادرة الحزام والطريق الصينية التي تُدرّ عليها أرباحاً طائلة.
3- قوله: "لن نسمح بدق الإسفين في علاقاتنا الثنائية"، وفيه قرينة تُشير إلى عدم السماح بدق الإسفين بين البلدين في العلاقات الثنائية، وهو ما يعني شدة التمسك بتلك العلاقات، وعدم التفريط بها بسبب مشكلة الإيغور المسلمين.
4- وأخيراً قوله: "يجب تعزيز الثقة السياسية المُتبادلة بين البلدين من خلال التعاون الأمني للتصدي للتطرّف"، وفي هذا القول أقوى قرينة على انحياز أردوغان في موقفه إلى جانب الصين ضد المسلمين الإيغور المسلمين، وخيانته لهم، وتعاونه الأمني مع الصين ضدهم، كونهم وُسموا بالتطرف من الصين.
وبذلك نكون قد اكتشفنا موقف أردوغان الحقيقي من مسلمي الإيغور المضطهدين، وهو تجاهل محنتهم وتآمره مع الصين ضدهم، ونكون قد أدركنا أنّ تصريحه الأوّل المتعاطف مع الإيغور قبل أربعة أشهر هو مُجرد تصريح لفظي أطلقه للاستهلاك المحلي لإرضاء مشاعر المسلمين ليس إلا.
إنّ وقوف أردوغان إلى جانب الصين ضدّ الإيغور هو وصمة عار في جبينه، فلقد بات معلوماً أنّ الصين تحتجز مليون شخص منهم في مُعتقلات كبيرة بحجة التأهيل المهني، فتمنعهم من مُمارسة شعائر الإسلام، وتمنع نساءهم من لبس الحجاب، وتفصل الأطفال عن آبائهم وأمّهاتهم، وتفرض عليهم الثقافة الإلحادية، وتُعذبهم، وتتجسّس عليهم، مُحاولةً طمس هُويتهم الإسلامية، وتمزيق نسيجهم الاجتماعي المتميز منذ قرون.
وإنّه لمن المؤسف حقاً أنْ نجد دول الكفر كأمريكا وألمانيا، ومعهما المنظّمات الحقوقية الأممية تُطالب الصين بوقف تلك الممارسات الإجرامية ضد الإيغور المسلمين في الصين، بينما أردوغان وقادة المسلمين ينحازون بشكلٍ سافر مع الصينيين ضدهم، ويتواطؤون معهم في طمس الحقائق من أجل بعض المصالح التجارية والاقتصادية الرخيصة.
إنّ أردوغان وحكام المسلمين الذين يجمعون بين السياسات المتناقضة كلاماً هم مُجرد ممثلين مأجورين، لا يُمثّلون شعوبهم، فلا ينبغي أنْ يُصدّقهم أحد من المسلمين، فهم كذّابون مُنافقون، يُخادعون أمّتهم، ويتبنون سياسة الدجل والمُراوغة، مُحاولين الجمع بين المتناقضات السياسية لإسكات شعوبهم، لكنّ الله سبحانه وتعالى لهم بالمرصاد، يفضحهم في كل مرة تظهر خيانتهم فيها، فتنكشف مواقفهم المخزية المُوالية للأعداء، والخاذلة للمسلمين المستضعفين.
على المسلمين أنْ يحذروا منهم، وأنْ لا ينخدعوا بحلاوة أحاديث بعضهم الكاذبة، وأنْ يتخذوا إزاءهم موقفاً حاسماً وصارماً، وأنْ يستمروا في مُقارعتهم ومُكافحتهم، وأنْ يعملوا باستمرار على زعزعة حكمهم، وإسقاطهم، ومن ثمّ إزالة عروشهم كلياً، وإقامة حكم الإسلام على أنقاضها.
رأيك في الموضوع