شهور طويلة وسنوات مريرة وحال البصرة من سيئ إلى أسوأ تدنٍ في الأوضاع والخدمات وتدهور في جميع القطاعات الصحية والتعليمية والأمنية، معاناة طويلة مع الأمراض والاغتيالات السياسية والإرهابية، حال بائسة يائسة لا تتقدم للأمام وكأن هناك إصراراً على معاقبة أهالي البصرة وعلى التنكيل بمقدرات المحافظة الغنية بالنفط، علماً أن بقية المحافظات لا تقل سوءا عن البصرة.
فقد تجددت يوم الخميس 7 آذار/مارس 2019، في مدينة البصرة جنوبي العراق، الاحتجاجات المطالبة بتحسين الخدمات وإيجاد فرص عمل، فيما أكد ناشطون تصدي قوات الأمن للمتظاهرين وتفريقهم بالعصي وخراطيم المياه، حيث ذكرت مصادر محلية في البصرة لـ"العربي الجديد"، أن المئات من المواطنين تظاهروا أمام مبنى محافظة البصرة في منطقة المعقل وسط المدينة، مطالبين بإقالة ومحاسبة المسؤولين الذين تسببوا بتدهور الأوضاع في المحافظة، وتوفير فرص عمل ومعالجة وضع المستشفيات وتوفير أدوية مرضى السرطان وحل مشكلة المياه والكهرباء. حيث رفع المتظاهرون شعارات اعتبرت البصرة مدينة منكوبة مطالبين المحافظ أسعد العيداني، ومجلس المحافظة بمغادرة مناصبهم، بالمقابل تصدّت القوات الأمنية للمحتجّين بالغاز المسيل للدموع وأطلقت الأعيرة النارية في الهواء لمنعهم من الاقتراب من بعض المقرّات الحكومية، فيما شدّدت بعض الأحزاب الحراسة على مقرّاتها ونشرت مسلّحيها على أسطح تلك المقّرات وأمامها تحسّبا لهجوم المحتجّين عليها. أما النائب عن محافظة البصرة عبد الأمير نجم المياحي فقد تحدث للعربية نت، أن تظاهرات الخميس هي احتجاج على سلوك الحكومة المحلية لانشغالها في الصراعات السياسية. وقال في بيان له، إنه نظراً لما شهدته مدينة البصرة من تداعيات أمنية وتظاهرات أمام مبنى محافظة البصرة ومجلسها ما هو إلا احتجاج على سلوك انتهجته الحكومة المحلية عقب جلسة اختيار محافظ بديل ورئيس المجلس، ولعدم إكمال النصاب لم يتم اختيار محافظ بديل ولا رئيس لمجلس المحافظة. وأضاف أن مشكلة البصرة وعلاجها ليس باختيار محافظ أو رئيس لمجلسها، بقدر ما هو توظيف كل الجهود الرامية لتحقيق مشاريع خدمية تمس واقع أهل البصرة بشكل مباشر. وأوضح المياحي أن دائرة التنافس هي ليست من أجل تحقيق الخدمات لأهل البصرة، وإنما صراعات سياسية غايتها تحقيق المكاسب الضيقة والحزبية، بل صراع من أجل الهيمنة على الأموال المخصصة لمشاريع البصرة لعام 2019، لتعويض أهلها عما لحقهم من أضرار بانعدام الخدمات الأساسية.
إن كل المعطيات في البصرة تشير إلى زيادة التذمر من أداء الحكومة وتعاملها مع الأزمة بالتسويف والممطالة والوعود المتواصلة الكاذبة. فمدينة البصرة التي تحتوي على 60% من احتياطيات النفط المثبتة في العراق إضافة إلى ميناء العراق الرئيسي ومنفذه البحري الوحيد، فضلا عن حقول الغاز الطبيعي، تشهد احتجاجات لم تهدأ منذ الصيف الماضي، بسبب التناقض الذي يشعر به أبناؤها بين واقعهم الاقتصادي المتدني وسوء الخدمات وبين ما تتمتع به محافظتهم من ثروات طائلة. فعلى الرغم من إعلان معظم رؤساء الحكومات التي تعاقبت على العراق بعد الاحتلال عام 2003 الحرب ضد الفساد، إلا أن معدلاته استمرت في التصاعد، إذ حل العراق في المركز 169 بين 180 دولة على مؤشر الفساد الذي نشرته منظمة الشفافية الدولية في 2017.
إن حالة اليأس من استجابة الحكومة المركزية والمحلية لمطالب المحتجين من تغيير الأوضاع ترجموها في شعارات تتراوح بين المطالبة بإنشاء إقليم للمحافظة، وبين الدعوة إلى إسقاط النظام برمته وإدانة الأحزاب المشاركة فيه، وصولا إلى رفع شعارات مناهضة لإيران الداعمة لتلك الأحزاب.
إن الوعود "السخية" التي أطلقها العبادي رئيس الوزراء السابق التي لم تبصر النور لا في عهده ولا في عهد عادل عبد المهدي رئيس الوزراء الحالي والتي تضمنت تشكيل لجان رقابية، وإيفاد وزراء معنيين بأزمات البصرة خاصة والمحافظات الأخرى عامة، لنزع فتيل الأزمة المستحكمة، رافقها إطلاق المالية لتخصيصات بلغت 210 مليار دينار لتمويل المشاريع وتلبية حاجات الناس، هذا غير وعود بتوظيف 10 آلاف عاطل عن العمل، والحق أن تلك الإجراءات أريد بها الحد من الغضب المتصاعد، فأحدثت تلك الوعود، هدوءاً نسبيا أسهم في كسر حدة الغليان الجماهيري لبعض الوقت، ثم ما لبث أن اكتشف الناس زيفها، وأنها حبر على ورق، فاستأنفوا حراكهم بقوة مهددين برفع سقف مطالبهم لتشمل إسقاط النظام بإلغاء العمل بالدستور وتعطيل البرلمان... الخ.
فعلى إثر ذلك تصاعدت الاحتجاجات في البصرة وغيرها من مدن العراق مع اقتراب فصل الصيف الذي اعتاد العراقيون خلاله، وأهالي البصرة على وجه الخصوص، حدوث انهيارات في الخدمتين الأساسيتين؛ الماء والكهرباء، فهو إنذار شديد للسلطات العراقية والأحزاب الشيعية الحاكمة التي شكلت الاحتجاجات صدمة لهم كونها تفجّرت في مناطق تعتبرها تلك الأحزاب حاضنتها الشعبية، ورفعت شعارات مناهضة للأحزاب والمليشيات وحتّى لإيران الداعمة لها؛ من أنها ستكون أعنف وأشمل من سابقاتها، كونها ستكون خلاصة حالة من اليأس من تغيير الأوضاع خصوصا وأنّ سلطات بغداد أغدقت الوعود الكاذبة على سكّان الجنوب العراقي بمعالجة مشاكلهم وتحسين أوضاعهم، دون تنفيذ تلك الوعود.
لقد أصبح العراق بفعل المحتل وأذنابه يعتلي سُلم الدول الفاشلة على الصُعد كافة وبامتياز لأنّ معيار المحتل الرأسمالي الوحيد هو النفعية فلا شأن له بأيّة قيمة روحية أو أخلاقية أو إنسانية، وهو دائب السعي لتحقيق مآربه وإن كان ثمنها تدمير بلادنا، الأمر الذي جعله يوصل أناساً إلى سدة الحكم يشاطرونه القناعات نفسها وينسجون على منواله، ونظرة في مكتسبات الطبقة الحاكمة تُنْبِيكم عن حجم الدمار والخراب الذي أصاب بلادنا، وإلا فكيف لميزانية تصل أكثر من 80 مليار دولار سنوياً فضلاً عن ألف مليار دولار من مبيعات النفط منذ 2003 إلى 2016، تعجز عن الوفاء بمتطلبات البنى التحتية والإعمار وتوظيف القوى العاملة وتقديم الخدمات، على مستوى الحدود الدُنيا؟! لقد زعمت أمريكا أنّها ستجعل من بلادنا أنموذجاً يحتذى به فإذا هي تعود بنا القهقرى عقوداً موغلة في الظلم والفوضى وانعدام الأمن على أيدي من فرضتهم حكاماً أو عمالاً يأتمرون بأمرها ويسعون ليل نهار لتحقيق مآربها الخطيرة الخبيثة في نهب خيراتنا وإبعادنا عن إسلامنا.
يا أهل العراق الكرام، ويا أهل الجنوب الغيارى! إن حكومة كهذه فرضها محتل كافر لن تفعل بعباد الله تعالى ما يرضيه؛ فقد عمّ شرُّها وطمّ، وباتت رائحة فسادها وإفسادها لكل مرفق تزكم الأنوف؛ وأن الخلاص من ذلك كله لا يكون بالدعوة إلى بعض الإصلاحات وتغيير بعض الوجوه مع بقاء النظام قائما، وإنما الحل هو بإسقاط النظام بكافة أشكاله ورموزه ورجاله وطرد الكافر المستعمر وجميع أذنابه، وقلع النظام الرأسمالي من أساسه وتطبيق نظام الإسلام العادل في ظل خلافة راشدة ثانية على منهاج النبوة تجعل أحكام الإسلام مطبقة في واقع الحياة والدولة والمجتمع.
بقلم: الأستاذ علي البدري – العراق
رأيك في الموضوع