إن طبائع الشعوب وصفاتها هي التي تضع دولها في مراكزها السياسية، فتبوّئها مواقع الصدارة أو تهوي بها إلى الحضيض. والواجب أن تكون النظم السياسية هي التعبير الحقيقي عن رغبة الشعوب في أن تُحكم بهذه الطريقة أو تلك، وأن تتوجه سياسياً بهذا الاتجاه أو ذاك. فإذا حدث وكان هنالك خلل ما في قمة هرم التنظيم المجتمعي، وهو قيادة المجتمع السياسية، ولم تقم القواعد الجماهيرية بالتغيير عليها وإصلاح هذا الخلل، فهذا يعني أن الخلل كامن في تلك القواعد الجماهيرية لا غير.
- وإنّ صمت أهل الثورة في سوريا اليوم على جرائم قادة فصائلها لدليل سافر على أحد أمرين: فإما على رضاهم بهذه الجرائم، وإما على خشيتهم من التغيير على المجرمين، وكلا الأمرين مؤشر خطير إلى الخطأ الذي تنطوي عليه جماهير الثورة وتحمله في أحشائها. فالله أوجب على الناس إنكار المنكر عندما يرونه، والتغيير على مرتكبه كائناً من كان، وإن تحملوا في سبيله المتاعب والمشاق. وإلا فما وظيفتهم في الحياة؟! التكاسل والتقاعس والاسترخاء والخلود إلى الراحة والنوم والنسيان، وكأن مصيبة لم تصبهم؟! وكأن القادة لم يلعبوا بدمائهم، ولم يبيعوا تضحياتهم، ولم يسمحوا للمجرمين بالتقاط الصور التذكارية مع حرائر المسلمين؟!
- يمراليوم شهران كاملان على بداية الاقتتال بين الفصائل لدينا في الشمال الذي لا يزال محرراً، في ظل صمت مريع عليه من المدنيين! فهل هم موافقون فعلاً على استمراره ومتحزبون متخندقون مع أطرافه؟! أم أنهم دافنون رؤوسَهم في الرمال غير مبالين، ويظنون أنفسهم غير معنيين؟! أليست الثورة التي تُقتَل هي ثورتهم، والجنود الذين يُقتلون هم أبناؤهم؟! أم أنهم باتوا يخشون قادة الفصائل وأرتالهم، وكأن الذين ثاروا على جيش النظام هم أناسٌ غيرهم؟!
- إن من أعظم مشاكل الثورة اليوم هو عدم تقدير المدنيين لأنفسهم حق قدرها في هذا الصراع، وظنّهم أنهم في مقابل العسكريين لا شيء، بينما الحقيقة تقول: إن العسكريين بدونهم هم الذين لا شيء. وهذه حقيقة يعرفها السياسيون ويجهلها المدنيون ويتجاهلها العسكريون. فالمدنيون هم حاضنة الثورة وفصائلِها، وهم من يقررون مصيرها ويحسمون أمر توجّهها. فإذا منع المدنيون أبناءهم من الاقتتال فبمن سيتقاتل قادة الفصائل؟! وإذا حيّد المدنيون مدنهم وقراهم ومنعوا مرور الأرتال منها وحدوث الاشتباكات فيها فأين سيتقاتل قادة الفصائل؟! ثم لماذا يتقاتل أصلاً قادة الفصائل؟! أليس لأجل الإجهاز على الثورة التي أنتجت هذه الفصائل ثم تسليم البلاد والعباد للمجرمين؟!
- إنه لوضع مخز حقاً يدفع العقلاء إلى الانزواء خجلاً من جرّاء ظهورنا بهذا المظهر بين الأمم والشعوب. ثورة خرج أهلها من المساجد ونادوا "هي لله" وطالبوا بتحكيم الشريعة وإقامة الخلافة... ثم نرى قادتها بعد سبع سنين يجرّونها من خزي إلى خزي أكبر، ومن عار إلى عار أعظم، ثم لا محاسب لهم من الناس ولا رقيب... فهذا يفاوض في جنيف وذاك يهادن في الفوعة والثالث يصالح في برزة والرابع يتآمر في أستانة والخامس يسلّم حلب والسادس ينام على حذائه في سوتشي... أية مهازل تقومون بها؟! وأي شعب ثائر تمثلون؟! وعندما نسأل جنود الهيئة لماذا أدخلتم الأتراك؟ يقولون لأننا لا نستطيع قتالهم، وكي لا يُدخلهم الأحرار، الله أكبر! أية صفاقة ووقاحة هذه؟! لأنكم لا تستطيعون قتالهم تدخلونهم بحمايتكم؟! فأين المبادئ والثوابت، ثم ما أخبار الطواغيت؟! هل أصبحتم تتسابقون على منصب التعامل معهم؟! وتتقاتلون كي يثبت أحدكم للغرب الكافر أنه الأقوى وأنه الأجدر بخدمتهم وخيانة الأمة؟! وكل ذلك يجري والمدنيون كأن على رؤوسهم الطير، أو كأن هذه الأحداث الفظيعة تحدث في عالم آخر؟!
- وأخيراً قد نلوم أنفسنا على بعض القسوة، لكن علّ قوة الطَّرق توقظ أسماعاً نائمة وتنبه قلوباً غافلة، وتدفع رجالاً مخلصين للتشمير عن ساعد الجد، والتكاتف والتعاون والعمل الحثيث لإعادة ثورتنا البريئة إلى نهجها القويم. اللهم بلّغ عنا واجعل أفئدة من الناس تهوي إلينا، وانصر دينك بنا وانصرنا على من عادانا، وولّ علينا خيارنا ولا تولّ علينا شرارنا، وخذ بيدنا إلى تحقيق مرضاتك إنك أنت السميع المجيب.
بقلم: الأستاذ عبد الحميد عبد الحميد
رأيك في الموضوع