بدأت الأجواء تصفو في شبه الجزيرة الكورية بعد زيارة وفد كوريا الشمالية لكوريا الجنوبية بحجة الأولمبياد الشتوية التي جرت في شهر شباط الماضي، ومن ثم قيام وفد كوري جنوبي بزيارة الشمالية ولقاء زعيمها كيم أون. فعلى الفور قام هذا الوفد برئاسة مستشار الأمن القومي الكوري الجنوبي يونغ بالسفر إلى أمريكا ونقل لرئيسها ترامب دعوة أون للقائه، فأعلن ترامب يوم 9/3/2018 "قبوله الدعوة في شهر أيار القادم"، وأن "كيم وافق على وقف التجارب النووية الصاروخية وأنه ملتزم بنزع السلاح النووي".
وأعلنت الصين يوم 28/3/2018 أن "زعيم كوريا الشمالية أون قام بزيارة غير رسمية للصين من يوم 25/3/2018 إلى يوم 28/3/2018 والتقى رئيسها شي حيث ناقشا بشكل شامل الوضع في العالم وشبه الجزيرة الكورية، وأن الرئيس الصيني شي أبلغ نظيره الكوري الشمالي أن الصين ملتزمة بهدف نزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية وضمان وجود السلام والاستقرار وحل المشكلة من خلال الحوار والمفاوضات". وقال شي: "الصداقة التقليدية بين البلدين ينبغي أن تمضي قدما وتتطور للأحسن، وهذا خيار استراتيجي، وهو الخيار الصحيح الذي اتخذه البلدان استنادا إلى التاريخ والواقع، والوضع العام للعلاقات الصينية الكورية الشمالية ينبغي ألا يتغير بسبب حادث منفرد في وقت معين". وهذا يؤكد تخوف الصين من أن تجري الأمور بما لا تشتهي بالتقارب الأمريكي الكوري الشمالي والجنوبي. وكأن الزعيم الصيني يعتذر لما حصل عندما ضغطت الصين على كوريا الشمالية ووافقت على العقوبات التي فرضها عليها مجلس الأمن استجابة لأمريكا للحفاظ على مصالحها مع الأخيرة.
ونقلت كوريا الشمالية أن "زعيمها أون قام بزيارة الصين ليهنئ شخصيا شي بمناسبة إعادة انتخابه رئيسا للصين ما يتوافق مع التقاليد الودية بين البلدين.. وأعرب عن "أمله بأن تساهم زيارته الأولى للصين في إقامة السلام والاستقرار بشبه الجزيرة الكورية" وأعلن "استعداده لإجراء حوار مع أمريكا وكوريا الجنوبية وعقد اجتماعات مع قادتهم"، وقال: "نزع السلاح النووي في كوريا ممكن حال اتخذت واشنطن وسيول إجراءات متسقة ومتضافرة لتحقيق السلام". وتعتبر هذه الزيارة مهمة لضبط كوريا الشمالية في المحادثات مع كوريا الجنوبية وأمريكا.
وترى أمريكا أن ذلك نصرا لها، فقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز "زيارة كيم للصين دليل على أن "حملة الضغط القصوى" التي تقوم بها أمريكا تخلق جوا مناسبا لإجراء محادثات مع كوريا الشمالية".
فيظهر أن الصين تريد ألا تكون النتائج مخالفة لمصالحها، إذا ما اتفقت كوريا الشمالية مع أمريكا وبحضور كوريا الجنوبية. ولهذا دعت "أون" إليها للحديث في الموضوع. فمكث عند زعمائها يتحدثون معه على مدى أيام، فليست هي زيارة تهنئة كما ذكرت كوريا الشمالية، وإنما هي زيارة مهمة وإن ذكر أنها غير رسمية، ولكن كل الإجراءات والمراسيم تؤكد رسميتها وأهميتها. ومثل ذلك حدث عام 2000 عندما قام والده إيل الراحل والتقى مع الرئيس الصيني آنذاك جيانغ في الصين قبل قمة الكوريتين في حزيران 2000، واعتبرت الزيارة حينئذ تجديدا للتأكيد على العلاقات الوثيقة مثلما ذكر اليوم.
وتريد الصين أن يكون لها تأثير في الموضوع ومحاولة لإشراكها في المحادثات، لأنها أبلغت ترامب بما جرى في زيارة كيم أون. فكتب ترامب يوم 28/3/2018 على تويتر "تلقيت رسالة البارحة من الرئيس الصيني مفادها أن اجتماعه مع كيم سار بشكل جيد للغاية، وأن كيم يتطلع للقاء معي". فهذه محاولة من الصين لجعل أمريكا تشركها في المحادثات فتشعرها بأن لها تأثيراً ودوراً يمكن أن تلعبه.
فالصين تخشى فعلا من أن تجري الأمور على عكس ما تريد، مثل توقيع اتفاقية غير موافقة لمصالحها، فهي تشعر بأن شيئا ليس في صالحها قد يحدث، إذ إن "أون" قد أظهر ليونة كبيرة واستعد للقاء ترامب ولوقف تجاربه النووية والصاروخية وقد أوقفها حاليا، فهذا مؤشر تقارب أمريكي كوري شمالي، وبما أن أمريكا من أهم أهدافها تحجيم الصين ومنعها من السيطرة على بحري الصين الشرقي والجنوبي وإرجاعها إلى دائرة الاحتواء، فإن هذا التقارب سيكون ضمن هذا الهدف.
والصين ترغب في حل القضية ولكن ليس على حسابها، لأن بقاء القضية ملتهبة يوجد الذرائع لأمريكا لتعزيز وجودها في المنطقة ومحاولة تطويقها بإدارة العداوة ضدها لدى جيرانها، بتحريضهم عليها وإثارة مشاكلهم معها من النزاع على الجزر وتوسيعها وبناء قواعد فيها، والتنقيب عن النفط والغاز، والحدود البحرية وصيد السمك. ولا تريد أن تخرج كوريا الشمالية من تحت عباءتها، وبالتالي تنقلب عليها كما حدث مع فيتنام الشمالية عام 1975 عندما اتفقت مع أمريكا وفيتنام الجنوبية، وعلى إثرها توحدت فيتنام، ومن ثم بدأ التقارب الفيتنامي الأمريكي موازيا للعداء الفيتنامي للصين. فكانت خسارة كبيرة للصين التي كانت تدعم فيتنام الشمالية بالسلاح والمال، وحتى بالمشاركة الفعلية في الحرب ضد أمريكا.
إن الصين واقعة بين نارين، نار أن تبقى المسألة ملتهبة تستغلها أمريكا ضدها بإيجاد أجواء الحرب والتوتر مما يعزز النفوذ الأمريكي في المنطقة ويثير عداوات الدول المجاورة لها، ونار التقارب الكوري الشمالي الأمريكي مما يعزز التأثير الأمريكي على كوريا الشمالية سواء بمدها بالمساعدات وبالتالي وضعها تحت تأثيرها مما يقلل التأثير الصيني عليها وبذلك يتعزز الوجود الأمريكي، وعلى المدى الأبعد ربما يجري توحيد الكوريتين وتصبحان دولة أبعد عنها وتعاديها، وأقرب إلى أمريكا وتصادقها على غرار فيتنام. وكل ذلك يضيّق على الصين في محاولة الهيمنة على المنطقة.
إن سياسة الصين خاطئة، لأنها لا تلعب دور الدولة الكبرى عالميا، فتزاحم أمريكا في مناطق العالم الأخرى وتشغلها في تلك المناطق، فتعمل أمريكا على إرضائها بأن تطلب منها ألا تتدخل في تلك المناطق مقابل ألا تتدخل في مناطقها، فتبقى حامية لمنطقتها، وتضيق عليها فتطلب أمريكا منها تقاسم المناطق وعدم التدخل في مناطق بعضهما كما حدث مع الاتحاد السوفياتي عام 1961، وإن لم يواصل الاتحاد السوفياتي استغلاله إلى النهاية فيركز نفوذه في مناطقه ومن ثم يشدد من مزاحمته لأمريكا حتى يحصل على مناطق أخرى، ولكنه تراخى أيديولوجيا حتى سقط وبقي يراوح مكانه، وركن إلى الاتفاق واكتفى بما حققه.
وليس لها إلا دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي ستزاحم أمريكا في كل مناطق العالم، وليس في منطقتها الإسلامية حامية عرينها، وتغزوها فكريا وسياسيا في عقر دارها، وتزاحمها في دول جيرانها ومنطقتها الأصلية وراء الأطلسي، حتى لا تجد متسعا لتخرج إلى القارات الأخرى التي ستعود تحت الهيمنة الإسلامية، ومن ثم تواصل حملتها عليها حتى يبلغ ملك أمة محمد eما زوي له eمن مشارق الأرض ومغاربها، وذلك كائن قريبا بإذن الله، وفرسانها قد تدربوا وعلمهم حزبهم حزب التحرير، وهم يحثون الخطا بهمة وجد، والله نسأل أن يمدهم بعونه ويحقق لهم ولأمتهم بشارة رسولهم الكريم e.
رأيك في الموضوع