قال رئيس منظمة الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في 29 آذار/مارس، بعد إعلان أمريكا أنها ستطرد 60 دبلوماسيًا روسيًا، إن العلاقات الأمريكية - الروسية المتدهورة "تشبه إلى حد كبير ما كنا نعيشه إبان الحرب الباردة". وقد تم الزعم بأن عمليات الطرد كانت رداً على عملية التسمم التي حصلت في بريطانيا لسيرجي ويوليا سكريبال في الرابع من آذار/مارس باستخدام مادة الأعصاب العسكرية الروسية المسماة "نوفيتشوك"، حيث قالت بريطانيا إن روسيا هي المسؤولة عن ذلك وألقت باللوم عليها. وقال السفير الروسي في أمريكا، أناتولي أنتونوف، إن الادعاء بتورط روسيا لم يكن منطقيًا: "لقد أمضى خمس سنوات في السجن الروسي... لماذا علينا الانتقام؟" وعلى الرغم من الإنكار الروسي، فإن شيئاً مهماً قد حصل، فقد اتحدت العديد من الدول ضد روسيا.
فقد قامت أمريكا وكندا وأستراليا وخمس وعشرون دولة أوروبية خلال الأسبوع الماضي بالرد بطرد 150 دبلوماسيًا روسيًا. ووصفت وزارة الخارجية الروسية ذلك بأنها "بادرة استفزازية للتضامن مع لندن من جانب هذه الدول"، كما أمرت بطرد أعداد متساوية من دبلوماسيي هذه الدول من روسيا.
لقد تم تسميم الفارين الروس في بريطانيا في السابق. فقد تم تسميم ألكسندر ليتفينينكو في تشرين الثاني/نوفمبر 2006 باستخدام بولونيوم مشع، وأدان رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، ديفيد كاميرون، بوتين بتهمة "القتل الذي ترعاه الدولة" بعد أن أشار التقرير الذي أجري عام 2016 إلى أن جهاز الأمن الفيدرالي الروسي هو المسؤول عن ذلك. ومع ذلك، لم يتم طرد أي من الدبلوماسيين، فلماذا هذا الرد الكبير الآن من دول كثيرة، ولماذا أعلنت أمريكا أكبر عدد من عمليات الطرد؟
فاز بوتين بفترة رئاسية جديدة مدتها ست سنوات في الثامن عشر من آذار/مارس الماضي، وبينما أمرت بريطانيا بطرد 23 دبلوماسيًا روسيًا قبل الانتخابات، حدثت عمليات طرد منسقة من قبل أمريكا ودول أخرى بعد 10 أيام من الانتخابات، مما يشير إلى أن إعادة انتخاب بوتين هي قضية حاسمة. فقبل الانتخابات مباشرة، تفاخر بوتين بأسلحة جديدة ومتقدمة يمكنها تجاوز جميع الدفاعات الأمريكية الحالية والمستقبلية، وأعلن الجيش الروسي في الثلاثين من آذار/مارس أنه نجح في إجراء الاختبار الثاني بنجاح لإطلاق صاروخ يطلق عليه اسم سارمات، والذي يزن 220 طناً ويمكنه الوصول إلى أمريكا عن طريق التحليق فوق القطب الجنوبي، وقام حلف الناتو بوصف هذا الصاروخ باسم الشيطان 2!
كما أنه يتم اتهام روسيا بالأنشطة الإلكترونية العدوانية، والتي تشمل التدخل في الانتخابات الأمريكية والعمليات البحرية التي تهدف إلى تهديد كابلات الاتصالات الحيوية تحت البحر. فقد قال الجنرال كورتيس سكاباروتي، قائد القيادة الأوروبية الأمريكية، للكونغرس: "لقد رأينا نشاطًا في البحرية الروسية، وخاصةً تحت سطح البحر في نشاط للغواصات، لم نشهده منذ الثمانينات".
أصدرت أمريكا مراجعة جديدة للأمن الاستراتيجي والدفاعي في كانون الأول/ديسمبر الماضي، حذرت فيها من أن "الصين وروسيا تتحديان السلطة والنفوذ والمصالح الأمريكية، وتحاولان تقويض الأمن والازدهار للأمريكيين". فقد ورد بعد فوز بوتين بالانتخابات، أن ترامب حذره "إذا أردت أن يكون هناك سباق تسلح، يمكننا فعل ذلك، لكنني سأفوز"، بينما قال الرئيس الصيني شي: "في الوقت الحالي، الشراكة التعاونية الاستراتيجية الشاملة بين الصين وروسيا في أفضل مستوى لها في التاريخ، والذي يضع مثالاً لبناء نوع جديد من العلاقات الدولية".
على الرغم من اقتصاد روسيا الضعيف، إلا أن أمريكا تخاف منها كونها دولةً "معدلةً". تقول مراجعة الأمن الاستراتيجي والدفاعي الأمريكي أن "روسيا تسعى لاستعادة وضعها كقوة عظمى وإقامة مناطق نفوذ بالقرب من حدودها. وتهدف روسيا إلى إضعاف نفوذ أمريكا في العالم وتقسيمنا عن حلفائنا وشركائنا. إن روسيا تعتبر منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي (EU) كتهديدات لها. وتستثمر روسيا في قدرات عسكرية جديدة، بما في ذلك الأنظمة النووية التي لا تزال تمثل التهديد الوجودي الأكثر أهمية لأمريكا، وفي قدرات الإنترنت (حرب الإنترنت) التي تزعزع الاستقرار. من خلال الأشكال الحديثة للتكتيكات التخريبية، تتدخل روسيا في الشؤون السياسية الداخلية للبلدان في جميع أنحاء العالم. إن الدمج بين الطموح الروسي والقدرات العسكرية المتزايدة يخلق حدوداً غير مستقرة في أوراسيا (قارتي أوروبا وآسيا)، حيث ينمو خطر الصراع بسبب سوء التقدير الروسي".
تخشى أمريكا من فقدان ميزتها العالمية، بفعل تطوير روسيا للأسلحة التي تهدد بجعل الأنظمة الأمريكية المستقبلية المضادة للصواريخ غير فعالة. لطالما هيمنت القضايا الاقتصادية على السياسة الأمريكية حتى الآن، وتبدو سياستها تجاه روسيا مرتبكة طوال فترة رئاسة ترامب، التي تعاني من الشكوك حول التدخل الروسي في الانتخابات. ومع ذلك، يبدو أن ثقة روسيا المتزايدة وتمكين بوتين لمدة 6 سنوات أخرى قد أثار رد فعل منسقاً من قبل أمريكا وأوروبا، وهذه أول علامة واضحة للوحدة الغربية منذ بداية رئاسة ترامب.
رأيك في الموضوع