يتعاظم الدور المشبوه الذي تقوم به السعودية يوماً بعد يوم في خدمة المخططات الأمريكية في مناطق عدة من العالم لا سيما في المنطقة العربية، ولو استعرضنا آخر هذه الأدوار المشبوهة التي قامت بها السعودية بشكلٍ خاص في سوريا وفلسطين واليمن لوجدناها على النحو التالي:
ففي سوريا ذكرت دورية (الفورين بوليسي) الأمريكية المشهورة أنّ عادل الجبير وزير الخارجية السعودي قام في 24/12 الماضي بجمع قادة المعارضة السورية، وبلّغهم رسالة واضحة نيابة عن أمريكا مفادها أنّ السعودية ستبطئ دعم المعارضة إذا لم تستجب لطلبها، وهو أنّ الوضع قد حان لقيام المعارضة بتوجيه جهودها من أجل تأمين التوصل إلى اتفاق سياسي مع نظام بشار الأسد، وأنّ سوتشي هي المكان الأنسب للتوصل إلى مثل هذا الاتفاق، وحذّر الجبير من مغبة عدم قيام المعارضة بذلك.
وهكذا نجد أنّ السعودية وعلى لسان الجبير الذي كان دائماً يُردّد نغمة ضرورة رحيل الأسد نجدها الآن قد غيّرت موقفها رأساً على عقب، وأصبحت تضغط على المعارضة لحملها على الخضوع للتوصل لاتفاق مُذل مع النظام المجرم برعايةٍ روسية.
من الواضح أنّ هذا الانقلاب السعودي ضد المعارضة السورية يتماهى مع الموقف الأمريكي منها، فقد سبق وأنْ أوقفت الإدارة الأمريكية دعمها نهائيا عنها الصيف الماضي، ووكّلت روسيا بالقيام بترتيب الأوضاع في سوريا بما يحافظ على نظام بشار الأسد.
فإدارة ترامب لم تعد تهتم بالحل السياسي الذي كانت إدارة أوباما السابقة قد أسّست له في مؤتمر جنيف، وأطلقت يد روسيا في سوريا عسكرياً وسياسياً، وتبعتها السعودية في ذلك والتي صارت هي الأخرى تُوجّه المعارضة نحو موسكو، فلم تعد إدارة ترامب تشدّد على جنيف وإنّما سلّمت شؤون سوريا لروسيا، وكذلك فعلت ربيبتها السعودية، مع علمها بأنّ روسيا هي حليفة لإيران التي تُعتبر عدوة تقليدية لها، فموافقة السعودية على أن يكون الحل روسياً يعني بالضرورة قبولها بالدور الإيراني في سوريا، وهي التي عادةً ما تُظهر عداءً صريحاً لإيران، وهذا يؤكد كذب السياسة السعودية، ويثبت مدى تبعيتها المطلقة لأمريكا.
وأمّا في فلسطين فقد اعترف أحمد مجدلاني عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في مُقابلة له مع تلفزيون فلسطين بأنّ "المقترحات الأمريكية تُقدّم إلى السلطة عن طريق السعودية وهي التي تنقلها لنا"، وقال بأنّ المقترحات الأخيرة هي عبارة عن "صفقة لتصفية القضية الفلسطينية، وأنّ هذه المقترحات ستدمّر القضية الفلسطينية".
وأهم ما في هذه الصفقة هو دمج كيان يهود ضمن تحالف عربي لحل القضية الفلسطينية، فالمهم في الصفقة إذاً هو دمج كيانيهود وليس تفصيلات الحل، والتي يقولون بأنّها دولة فلسطينية محدودة السيادة في غزة ومناطق (أ) و(ب) وجزء من مناطق (ج) من الضفة الغربية بما يشكّل ما مساحته أقل من 40% منها وبدون القدس، فهذه التفصيلات ليست عملية وليست هي المُراد تطبيقها من الخطة، بل المُراد منها أن تكون وسيلة لإدخال كيان يهود ضمن تحالف عربي يشمل السعودية وغيرها من الدول العربية بذريعة وجود عدو مشترك لكلٍ من السعودية وكيان يهود ألا وهو إيران، فالمهم فيها هو تمرير فكرة الدمج، وهذه هي خطة إدارة ترامب التي يُطلق البعض عليها تهويلاً (صفقة القرن)، وهذا الدور السعودي الانبطاحي الذليل هو أسلوب قذر يُسهّل لأمريكا فرض أجندتها التآمرية في المنطقة.
أمّا في اليمن فالحملة الجوية العسكرية السعودية ضد اليمن لم تترك هدفاً مدنياً إلا وطالته، فقصفت المدارس والمنازل والأسواق والمشافي والتجمعات في أماكن العزاء، فكل شيء في اليمن تم قصفه إلا المواقع العسكرية للحوثيين، وهو ما يعني عملياً تقوية الحوثيين، وفرضهم لواقع أنّهم هم القوة الأجدر بالحكم من غيرهم، وهو بالضبط ما تريده أمريكا من أجل استبعاد عملاء الإنجليز وإضعافهم في اليمن، وبشكلٍ خاص إضعاف عبد ربه منصور هادي رمز الشرعية البريطانية والأوروبية في اليمن، فالشعب اليمني بفضل هذه الحملة السعودية أصبح أفقر شعب في العالم، وأكثر شعب يُعاني من شح في مُعظم الحاجات المعيشية، فلا يملك الغذاء ولا الماء النقي ولا الدواء، بل واستوطنت فيه الأمراض التي أعلن عن انقراضها من العالم كالطاعون والملاريا، بينما الحوثيون يزدادون قوة، ويُهدّدون بقطع الملاحة في البحر الأحمر، ويطلقون الصواريخ الباليستية، ويقتلون الجنود السعوديين يومياً.
وما يؤكد هذه النتيجة التي وصل إليها اليمن أنّ رئيس الأركان وقائد جيش منصور هادي صرّح لوسائل الإعلام بأنّ دول التحالف (السعودية) لم تقدّم الرواتب ولا السلاح ولا الذخيرة لجيشه بالرغم من حاجته الماسّة لها.
وإضعاف السعودية لجيش هادي هو دليل واضح على أنّ حرب السعودية في اليمن هدفها إضعاف عملاء الإنجليز وتقوية الحوثيين، وهذا الدور السعودي المشبوه لا يخدم إلا أهداف المخطّطات الأمريكية، ولو كانت أمريكا جادة في دعم السعودية ضد الحوثيين لانتهت الحرب منذ زمن بل لانتهت في غضون أيام.
وبذلك يبرز دور السعودية القذر في تصفية قضايا ثورة الشام والقضية الفلسطينية والمسألة اليمنية، من خلال امتثالها للتعليمات الأمريكية من أجل مد وتمكين النفوذ الأمريكي في المنطقة، فيما ينحصر مركز تنبه الملك سلمان وابنه بهدف منحط واحد وهو الحفاظ على عرشهما.
رأيك في الموضوع