ما إن تصفّد الشياطين حتى ينكشف الحجاب بين المسلمين وخالقهم الله سبحانه وتعالى، فتزول وساوس الشيطان عن أذهان المسلمين، فينكبوا على كل عمل يرضي الله سبحانه وتعالى، من صيام وقيام وتلاوة للقرآن، وهذه الأعمال هي الأعمال التي يعرفها أغلب المسلمين ومتاحة لهم ومسموح لهم القيام بها، في ظل أنظمة الحكم العلمانية والتي ناصبت العداء للإسلام والمسلمين وحرمانهم من الإتيان بكثير من الفروض، وبعد أن عطّل الجهاد في سبيل الله بغياب دولة الخلافة التي تحمل الإسلام للعالم بالدعوة والجهاد لنكون شهداء على الناس، بينما كان رمضان أيام كان للمسلمين دولة، تحكم بالإسلام رسالة هدى ورحمة للبشرية، كان شهر رمضان شهر الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام، وهو العبادة التي يتقرب بها المسلمون إلى الله في خير شهور العام، شهر الرحمة والغفران، لذلك كان المسلمون يغتنمون هذا الشهر لنيل رضوان الله والتقرب إليه بفضائل وعظائمها عند الله، والتي منها الإتيان بالفرض العظيم، ذروة سنام الإسلام، عن عبد الله بن مسعود قال: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ، وَلَوْ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي».
إن إدراك المسلمين لهذه الحقيقة؛ حقيقة اغتنام شهر المغفرة، هو الذي يجعلهم يصومون رمضان، حتى من كان منهم ضعيف التقيد بالأحكام الشرعية في غير رمضان، وهو الذي يجعل المسلمين يتسابقون إلى المساجد لأداء الصلوات الخمس في المساجد جماعة، وهو الذي يجعلهم يتنافسون في عدد مرات ختم القرآن الكريم، وكل ذلك يدل على عمق الإيمان الراسخ في عقول المسلمين، على الرغم من أن الحال يبدو عكس ذلك في ظاهر الأمر فقط، وفي الماضي كان هذا الإيمان واستغلال فرصة العتق من النيران في هذا الشهر الكريم، كان هذا الفهم حافزا كافيا لتضحية المسلمين بأموالهم وأنفسهم رخيصة في سبيل الله، فيخوضون المعارك تلو المعارك، منتصرين على أعدائهم ناشرين دين ربهم رافعين راية التوحيد خفاقة فوق ربوع الأرض، بدافع العقيدة والفهم الصحيح لمعنى العتق من النيران والذهاب إلى الرحمن الرحيم في هذا الشهر الكريم، لذلك كانت أعظم انتصارات المسلمين على الكافرين تحصل في هذا الشهر الكريم؛ معركة بدر وفتح مكة والقادسية وحطين وعين جالوت...الخ.
إن استحضار مفهوم الطاعة في شهر رمضان المبارك، والتقرب إلى الله بأحب الأعمال إليه سبحانه وتعالى في هذه الأيام يوجب على المسلمين التلبس بأحب الأعمال إلى الله، وهو العمل لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة على منهاج النبوة، ويجب على المسلمين وحملة الدعوة اغتنام هذا الشهر للتوجه إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء وهو مخ العبادة، ودعائه أن ينصر الإسلام ويعز المسلمين بتطبيق الإسلام في ظل دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، فيجب علينا جميعا أن نكون على يقين بأن النصر من عند الله، وما لم نلح في الدعاء إلى الله بأن ينصرنا، فإن عملنا مهما عظم لا يتنزل علينا النصر، فالدعاء والإلحاح فيه ضروري حتى تكتمل معادلة التغيير، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حين عاد من الطائف، وردوه وآذوه، توجه إلى ربه عز وجل غير مبال بما أصابه، موقنا مطمئنا بأن النصر بيد الله، وهو لا يعلق الآمال على العباد في النصر، بل على رب العباد، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي وَقِلَّةَ حِيلَتِي وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أَنْتَ رَبُّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبِّي، إِلَى مَنْ تَكِلُنِي، إِلَى بِعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي، أَوْ إِلَى عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي، إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ عَلَيَّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنَّ عَافِيَتَكَ هِيَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الْكَرِيمِ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وَصَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ أَنْ يَنْزِلَ بِي غَضَبُكَ أَوْ يَحِلَّ عَلَيَّ سَخَطُكَ، لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ».
إن إعادة شهر رمضان شهر العبادة والانتصارات يتوجب علينا جميعا العمل لهذه الغاية، بالقيام بأعمال حمل الدعوة التي توصل إلى إقامة الخلافة، وهي العبادة التي أطلق عليها الفقهاء تاج الفروض، والدعاء إلى الله بالنصر، وخير أعمال حمل الدعوة هذه الأيام هو التوجه إلى أهل القوة والمنعة من جيوش المسلمين واستثارة هممهم لنصرة حملة دعوة الخلافة، لقيامها وتجييش جيوش المسلمين لتوحيد بلاد المسلمين تحت راية التوحيد ولنصرة المسلمين المستضعفين في الأرض ونفتح باقي بلاد المعمورة للإسلام وتخليص البشرية من نكبات العلمانية والأنظمة التي اخترعها البشر لخدمة حفنة قليلة من الجشعين. فنخوض معركة بدر الثانية وننتصر على الموقف الدولي الذي تقوده رأس الشر أمريكا، ونخوض معركة فتح مكة الثانية فنزيل عروش الطواغيت القائمة في بلاد الحرمين وبلاد المسلمين جميعا، ونخوض معركة حطين الثانية بقتال يهود وتحرير المسجد الأقصى والأرض المباركة فلسطين، لهذا العز يجب أن يعي أهل النصرة أننا ندعوهم إلى نصرتنا، وهو فوق كونه عزاً لهم وشرفاً في الدنيا، فهو واجب عليهم، وللعتق من النيران ندعو أهل النصرة وكل من لديه سبيل عليهم، ندعوهم إلى اغتنام هذا الشهر لتحقيق ذلك، وبهذا نعيد سيرة شهر رمضان، شهراً للعبادة الحقيقية، وشهراً للانتصارات على الكفر وأهله بجميع أشكاله. روى الصحابي الجليل تميم بن أوس الداري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ؛ عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ»؛ رواه الإمام أحمد والطبراني والبيهقي، وصحَّحه الحاكم. ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾.
رأيك في الموضوع