لقد أقام الرسول الأكرم eللمسلمين دولة ضربت جذورها في أعماق الأرض وكان فرعها في السماء، دولةً بقيت تسود العالم بالخير والعدل وتحمل الإسلام مشعل هداية للعالمين، حتى هدمت على يد الحاقدين والمستعمرين، فأصاب المسلمين بعد ذلك الذل والمهانة، وباتوا في ذيل القافلة بعد أن كانوا في علو وقمة.
واليوم ونحن نعيش الذكرى الـ٩٨ لهدم الخلافة، نجدد العزم ونشد المسير وننير الدرب ونرسم المسار نحو إقامة الدولة الإسلامية التي تضع الإسلام موضع التطبيق والتنفيذ فتعيد صياغة الحياة، وتعيد تشكيل الموقف الدولي، فمشروع الخلافة كان ولا زال هو المنقذ الوحيد والخلاص الأكيد لكل ما تعانيه الأمة اليوم، وهو الطريق نحو استعادة كرامتها ومكانتها بين الأمم.
إن الخلافة هي الطريق نحو اقتلاع نفوذ المستعمرين من بلادنا وهي السبيل لإنقاذ العالم من براثن الرأسمالية، لذلك ترى المستعمرين وأبواقهم يشنون حملات تضليلية ليضعوا العراقيل تلو العراقيل للحيلولة دون إقامتها، ومن ذلك قولهم إن الخلافة مشروع خيالي، وإنها حلم جميل لكنه غير قابل للتحقق، وإن الخلافة لا تصلح لهذا الزمان...
وللرد على هذه الادعاءات، لا بد لنا من التأكيد أولاً أن إقامة الخلافة هي واجب شرعي، فإقامة الخلافة هي إقامة الدين وهو فرض لم يختلف عليه مسلمان، وهو واجب في كل زمان ومكان، فهل يفرض الله علينا تحقيق الخيال؟! وهل يكلفنا الله بالمحال؟! أم يحملنا ما لا طاقة لنا به؟!
ثم إن القول بأن الخلافة حلم هو قول باطل، فليست الخلافة فكرة أفلاطونية تمخضت عن أوهام بل كانت واقعاً محسوساً مجسدا في الحياة، واقعا عاشته الأمة على مدى أكثر من ألف وثلاثمائة عام، وأي مشروع أكثر واقعية من ذلك؟!
ثم إن عودة الخلافة وعد من الله ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾، وبشرى من نبيهe«ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ»، فمن أصدق من الله قيلاً؟! وهل من يطمع ويعمل لنوال وعد الله وتحقيق بشرى الرسول على يديه يعد واهماً أم يتطلع للعز في الدنيا والفوز والفلاح في الآخرة؟!
وبالرغم من ذلك كله، فإننا هنا نذكر الأدلة والمؤشرات الحسية على واقعية مشروع الخلافة، ونؤكد على أن الأمة تسير سيرا مطردا نحو تحقيقها:
إن مشروع الخلافة مشروع واقعي، فالخلافة فكرة تنطبق تمام الانطباق على الواقع، مما ينفي عنها أية شبهة خيالية، وللدلالة على ذلك نسوق الأمور التالية:
- الخلافة نظام حكم مجرب وقد ظهر للناس نجاح هيكليته وصلاحيته للإدارة والحكم، ونجاحه في تطبيق الإسلام ظاهر في انتشار الإسلام زمن الخلافة وفي دخول الشعوب وانصهارها في بوتقته، ولا شيء أكثر واقعية من نظام مجرب.
- والخلافة تقضي بوحدة الأمة في كيان سياسي واحد، وهذا ليس خيالا، فالأمة تعتنق دينا واحداً وبلادها مترابطة، وهي كانت حتى وقت قريب تنتظم في دولة واحدة، فوحدة الأمة في كيان واحد هو الأمر الطبيعي والواقعي لحال الأمة وما سواه هو الشاذ والمصطنع.
- والخلافة تطبق نظام الإسلام، وهو نظام رباني يعالج مشاكل الإنسان من حيث هو إنسان، وهو نظام صالح لكل زمان ومكان، وقد عاش المسلمون والبشرية جمعاء إبان حكم الإسلام حالة من الاستقرار والعدل والكرامة الإنسانية، مما يجعل الخلافة ليست واقعية فحسب بل ضرورة بشرية ملحة.
- أما الساعون لإقامة الخلافة، فيسيرون لإقامتها بطريق عملي فوق كونه شرعيا، ويمتلكون مرسوما هندسياً ولديهم رؤية مستنيرة للواقع الذي يسعون لتحقيقه، فيملكون رؤية للدولة ونظام حكمها، والنظام الاقتصادي والاجتماعي المطبق فيها والمستمد من أحكام الإسلام وشريعته، كما لديهم دستور مُعَدٌّ للتطبيق، مما يجعل الهدف الذي يسعون له في غاية الواقعية.
- إن الأمة اليوم مهيأة للتغيير، فالواقع السيئ الذي تعيشه في كافة جوانب الحياة يدفعها للتحرك، فالسعي لإقامة الخلافة في ظل حركة التغيير التي تشهدها الأمة هو سعي طبيعي، وتحققه أقرب من حالة الاستقرار والجمود. فإقامة الخلافة في ظل الواقع الذي نعيش هو أمر واقعي كذلك.
- مع تعاقب الحوادث والسنين، بات مطلب تحكيم الإسلام بإقامة الدولة الإسلامية مطلبا لدى جماهير الأمة، وهذا مؤشر واضح على أن الأمة ترى واقعية هذا المشروع وحاجتها له.
- تخوفات الغرب وتحذيرات قادته من عودة الخلافة، هي مؤشر إضافي على واقعية هذا المشروع، ولو كان مشروعا خياليا لما أعدوا لمحاربته الخطط والسياسات ورصدوا لتحقيقها الموازنات.
- محاولات استلام الحكم التي فشلت هي مؤشر على واقعية هذا المشروع، ولئن فشل الساعون لإقامة الخلافة في مرات عديدة لكن استمرار تلك المحاولات مؤذن بنجاحها، فإقامة الخلافة يتطلب نجاحا في محاولة واحدة فقط، وهذا ممكن بكل المقاييس العقلية.
هذه بعض المؤشرات والدلائل على واقعية مشروع الخلافة، وهي كافية لكل منصف أن تضيء له الحقيقة وتزيل الغشاوة.
إن التشكيك في واقعية الدعوة الإسلامية هو نهج قديم، فكفار مكة وصفوا الرسول الأكرم e بأنه ساحر وكاهن ومجنون، وهم يدركون أن من كان هذا حاله فلن يقيم دولة أو يغير مسار التاريخ، وهم يدركون في قرارة أنفسهم بطلان دعواهم، لذلك حاربوا الدعوة الإسلامية حربا ضروساً سعيا لإخماد نورها والحيلولة دون وصولها للحكم، لكن الفشل كان حليفهم، وقامت للمسلمين دولة وعز الإسلام وانتشر وأنف الكافرين راغم. واليوم يسعى العلمانيون والظلاميون والمستعمرون من ورائهم لوصف الإسلام ونظام حكمه بالخيالي للغاية نفسها، سعيا لإجهاض السعي لإقامة الخلافة، وها هم بعد أن فرغت كنانتهم يحاولون زرع اليأس لدى الأمة عبر الزعم بفشل تطبيق الإسلام مستدلين على ذلك بفشل بعض الحركات الإسلامية التي تماشت وتماهت مع الواقع الذي فرضه المستعمرون فكان إخفاقها فشلا لها وامتحانا لمبدئيتها لا فشلا للإسلام ومشروعه.
أيها المسلمون: لا يلفتنكم المشككون في جدوى وواقعية إقامة الخلافة عن مسعاكم، فالحق أبلج والباطل إلى زوال، ولا تقصروا في الأخذ بأسباب النصر وتحقيق الغاية، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وإن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم، فهلمَّ للعمل لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة بأقصى طاقة وأقصى سرعة، فإقامة الخلافة هي قضيتكم المصيرية، فبالخلافة تحيون وتعزون، وبدونها تضيعون...
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾
رأيك في الموضوع