أن يحارب الغرب الكافر فكرة الخلافة وقيام دولتها من جديد بكلّ ما أوتي من وسائل وبكلّ الطّرق فذاك أمر معلوم من الدّين بالضّرورة فقد حذّرنا الله منه وبيّن أنّ الكفر لن يكفّ أذاه ولن ينقطع عن حياكة المؤامرات والمخطّطات ليحول دون عودة الإسلام إلى معترك الحياة لأنّها سنّة الله في الكون؛ أن يتصارع الحقّ والباطل إلى أن يرث الله الأرض وما عليها ﴿وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ فهؤلاء الكفّار الظالمون قد ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ﴾.
أن يسير في ركب هذا الغرب العملاء والضّعفاء والجبناء من الحكّام والسّاسة الذين يعملون على تنفيذ مخطّطات هذا الكافر فذاك أمر هو كذلك واضح ومكشوف لأنّ هؤلاء باعوا الآخرة واشتروا دنياهم بعرش يعتلونه أو مال يكنزونه ويكدّسونه... وهم بذلك ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾.
أن يؤيّد علماء ما يقوم به السّاسة ويتخلّون عن وظيفتهم التي حباهم الله بها بأن ينصحوا النّاس ويرشدوهم إلى طريق الحقّ ويلهثوا وراء سلاطينهم يرضونهم بفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان تخالف أحكام الإسلام فذاك أمر - وإن كثر حدوثه - قبيح ومؤلم وليتبوّأ صاحبه مقعده من النّار...
لكن... أن تبقى أمّة الإسلام خامدة جامدة عن إعادة فرض ربّها العظيم الذي به تقام كلّ الفروض وبه يعزّ المسلمون ويعود مجدهم فهو العجب العجاب!!! هو سير ضدّ ما يجب أن يكون، هو أمر مخالف لسنّة الله في الكون. فمن سنّته أن خلق هذا الكون فأحسن خلقه وتصويره، ومن سنّته أن جعل هذا الكون لا يصلح ولا يحسن تسييره إلّا بأحكامه وشرعه، ومن سنّته أنّ الحياة صراع بين قوّتين: الحقّ والباطل، ومن سنّته أن جعل الغلبة للحقّ مهما طالت جولات الباطل... هي سنن الله ولن تجد لها تبديلا!!
لقد وعد الله بنصر الحقّ وبتمكين المخلصين ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا﴾ فماذا أصابك يا أمّة الإسلام؟ وعد الله حقّ فأين يقينك به؟! أين اليقين بأنّ الله ناصر دينه لا محالة؟!
متى ستتّخذين موقعك، ومتى ستحدّدين موقفك؟! بنيت هذه الحياة على صراع بين الحقّ والباطل فإلى متى تبقين دون مكانك الطبيعيّ؟! لماذا أصابك هذا الخمول وتركت أصحاب الباطل في بلادك يرتعون؟!
كنت تسيرين على هدي نبيّك فعرفت الحقّ حقّا والباطل باطلا. ساندت الحقّ ونصرتيه وسعيت لنشره وحاربت الباطل ونبذتيه...كان الإسلام دوما مركز تنبّهك به تفرّقين بين الحقّ والباطل.
أنعم الله عليك بالإسلام واختارك لحمل الأمانة وأيّ أمانة؛ "شرعه وهديه"! بالإسلام أضيئت حياتك وحياة النّاس أجمعين بعد أن كانت مظلمة موحشة. بالإسلام كتب التّاريخ أنّك صاحبة أرقى الحضارات وأفضلها. واليوم، أيّ حال من الهوان صرت إليه؟! يسيّر الحياة عابثون مفسدون يوجّهون أسلحتهم المدمّرة نحو أبنائك يقتّلونهم ويبيدونهم بحقد وكره كبيرين وأنت تنظرين ولا حراك!!...
أن نختار الإسلام دينا يعني أن يكون نظاما كاملا يسيّر حياتنا وعلينا أن نتّخذه وأحكامه البوصلة التي توجّه سيرنا ولا يجوز لنا أن ننتقي منه بعضه ونرمي جلّه؛ نأخذ من الإسلام بعض العبادات والأخلاق ونترك جوانب الحياة الأخرى (السّياسة، الاقتصاد، الاجتماع...)!!! بل الأنكى من ذلك كلّه أن نبحث في أنظمة أخرى بعيدة كلّ البعد عن الإسلام عن معالجات لمشاكل حياتنا؟! كيف هذا ونحن نملك أفضل ما أنزل ربّ العالمين؟! كيف نعرض عن أحكام الرّحمن ونلجأ إلى دساتير خطّها الإنسان؟! كيف بعد أن شهدنا بوحدانيّة ربّنا وبأنّ له "الخلق والأمر" أن نستعين بغيره ونستنير بغير أحكامه؟! ﴿أَفَتُؤمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾.
أيّ ضلال أنت فيه يا أمّتي؟ أيّ ضياع تعيشينه يا خير أمّة؟ أيّ كارثة حلّت بك فابتعدت عن شرع ربّك الذي أنار دربك قرونا وجعل منك الأمّة المهابة التي تخشاها بقيّة الأمم؟ كيف تقبلين العيش دون أن تنفّذ فيك أحكام الله كاملة دون نقصان؟!!
أن تكوني أمّة الإسلام معناه أن تنفّذ فيك أحكامه وتحيين في ظلّه، وهذا لا يكون إلّا بالكيان التّنفيذي؛ دولة تحكم بنظام ربّ العالمين "خلافة راشدة على منهاج النّبوّة"... أن تكوني أمّة الإسلام معناه أن يحكمك الإسلام ويسيّر حياتك وحياة النّاس أجمعين بحملك إيّاه لهم رحمة وهدى؛ ينير دربهم وينقذهم من براثن وظلمات الرّأسماليّة المتوحّشة التي أذاقتك وأذاقتهم الويلات.
يقول عليه أفضل الصّلاة والسّلام: «أَلَا إِنَّ رَحَى الْإِسْلَامِ دَائِرَةٌ، فَدُورُوا مَعَ الْكِتَابِ حَيْثُ دَارَ، أَلَا إِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّلْطَانَ سَيَفْتَرِقَانِ، فَلَا تُفَارِقُوا الْكِتَابَ، أَلَا إِنَّهُ سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يَقْضُونَ لِأَنْفُسِهِمْ مَا لَا يَقْضُونَ لَكُمْ، إِنْ عَصَيْتُمُوهُمْ قَتَلُوكُمْ، وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ أَضَلُّوكُمْ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ نَصْنَعُ؟ قَالَ: «كَمَا صَنَعَ أَصْحَابُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، نُشِرُوا بِالْمَنَاشِيرَ، وَحُمِلُوا عَلَى الْخَشَبِ، مَوْتٌ فِي طَاعَةِ اللهِ خَيْرٌ مِنْ حَيَاةٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ».
لقد افترق الكتاب والسّلطان وتولّى أمر الأمة بعد هدم دولتها رؤساء وأمراء بل عملاء يقتّلون أبناءها وينهبون أراضيها وثرواتها فداء لأوليائهم وإرضاء لهم، فما عساك فاعلة - يا أمّة الإسلام -؟... ما يحدث مخالف لسنّة الكون ولا بدّ أن تتّخذي موقفك وموقعك حتّى يعود الوضع الطّبيعيّ وقد أنار رسولك الحبيب eدربك وبدّد حيرتك وقال لك أطيعي ربّك واجعلي أوامره مركز تنبّهك حتّى لا تخطئي السّير وحتّى تعرفي طريقك الصّحيح. لا تركني إلى الدّنيا وتكرهي الموت، فهو في طاعة الله خير من العيش في ظلّ المعصية وحكم الكافر، وهو ما يخالف سنّة الله فلن الله يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا!.. فإن لم تهبّي وتلبّي النّداء وتستجيبي فإنّ الله سيأتي بقوم خيرٍ منك ينفّذون وعده وينصرون دينه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.
انهضي يا أمّة الإسلام...!! انهضوا يا أبناء أمّة الإسلام البررة الشّرفاء ودعوا عنكم أغلال الخمول والخوف والهوان، وعودوا لعزّكم وشرفكم واستضيئوا بأمجاد أجدادكم من الصّحابة والتّابعين والمخلصين لهذا الدّين، فهيّا يا أمّتي شمّري عن سواعد الجدّ والعمل وخذي موقعك وأعيدي الأمور إلى نصابها وضعي بصمتك في الحياة وأعيدي خير الإسلام إليها.
الخلافة وحدها هي القادرة على لملمة شتات الأمّة في كيان سياسيّ واحد يحكم بشرع الله ويحمله رحمة للعالمين... من منّا لا تهفو نفسه للعيش في ظلّ دولة تحكم الإسلام؟ من منّا لا يتوق لمجد الأمّة وعزّتها وبطولات أبنائها؟ فحيّ على العمل لإقامة الخلافة نظاما عالميّا يلقي بالنّظام الرّأسمالي المتوحّش في واد سحيق.
بقلم: الأستاذة زينة الصّامت
رأيك في الموضوع