إن إزالة الأذى الشديد الذي تتعرض إليه الأمة من الكفار، لا تكون فقط بالتوجه إلى الله سبحانه وتعالى بالصلاة والصوم، بل يجب عليكم بجانب الصلاة والصيام العمل لتطبيق دين الله سبحانه وتعالى في الأرض وأن ترسِّخوا هيمنة الدين على جميع طرق العيش المختلفة بإقامة دولة الخلافة، وهكذا يعود رمضان إلى تسطير الانتصارات تلو الانتصارات مرة أخرى. فالعمل لتغيير الأنظمة الفاسدة الحالية والعمل لإقامة دولة الخلافة ليس مسألة حياة أو موت فحسب، بل هو فرض فرضه الله سبحانه وتعالى، وقعود المسلمين عن القيام بهذا الواجب، وسكوتهم عن وزر الحكام، سيجعل حال المسلمين يزداد سوءًا في الدنيا، ثم يستحقون بقعودهم وسكوتهم عن المنكر عذاب الله وغضبه في الآخرة، فقد ورد عن رسول الله e قال: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ حَتَّى يَرَوْا الْمُنْكَرَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى أَنْ يُنْكِرُوهُ فَلَا يُنْكِرُوهُ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَذَّبَ اللَّهُ الْخَاصَّةَ وَالْعَامَّةَ».
أيها المسلمون: إنَّ الله تعالى أمرَكم أنْ تكونوا أمَّة واحدة، وأَنْ تتصرفوا بناءً على هذا، فتكون دولتُكم واحدةً، هي دولة الخلافة على منهاج النبوة، وتكون حالكم كما وصف الرسول e: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْوَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ» (رواه أبو داود). هذا هو أمر الله لكم، أفتعصونه وتطيعون من يسعى لتكريس الحدود بين بلادكم، وتفريق شملكم تحت شعارات تخالف دينكم، وتعصون الرسول e الذي حذّركم أشد التحذير من كل الدعوات الجاهلية بقوله: «وَمَنْ دَعَا دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ جُثَاءُ جَهَنَّمَ». قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى؟ قَالَ: «نَعَمْ . وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى، وَلَكِنْ تَسَمَّوْا بِاسْمِ اللَّهِ الَّذِي سَمَّاكُمْ عِبَادَ اللَّهِ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ» (رواه أحمد)، فأروا الله أيها المسلمون من أنفسكم كلَّ خير، وانصروه بالتزام أوامره ينصرْكم، وأطيعوه يُجِرْكُم من عذاب أليم.
أيها المسلمون: بما أننا نحب أن نجتهد في هذا الشهر في التقرب إلى الله سبحانه وتعالى فحري بنا أن نتذكر سلفنا الصالح الذين اجتهدوا في هذا الشهر المبارك لتحقيق الانتصارات على أعداء الإسلام. فتحت ظل الحكم الإسلامي في الدولة الإسلامية، وتحت رماح جيشها حقق المسلمون الذين لا يخشون في الله لومة لائم انتصاراتٍ جمةً ضد أعدائهم حتى في الأوقات التي تفوق فيه عدوُّهم عليهم بالعدد والعدة. فانتصر المسلمون على المشركين في بدر، وفتحوا مكة المكرمة، وحرروا المسجد الأقصى من الصليبيين، وهزموا الغزاة التتار. وقد تمكنت الجيوش الإسلامية بقادتها السياسيين والعسكريين من قهر عدوهم العنيد، كل ذلك بسبب إصرارهم على الحق وعدم خشيتهم إلا الله سبحانه وتعالى، إننا في رمضان هذا بين خيارين: إما الاستسلام لما يفعله الحكام العملاء بنا، وما يترتب على ذلك من غضب الله علينا في الدنيا والآخرة. وإما أن نعمل بكل جهودنا للتخلص من هؤلاء الحكام الخونة بالعمل لإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وما يتبع ذلك من الرجوع لسابق عهدنا المجيد كخير وأقوى أمة. فانتفعوا، أيها المسلمون، من شهر رمضان المبارك يرحمكم الله.
رأيك في الموضوع