بدا الخلاف واضحا بين فرنسا وأمريكا في قضايا كثيرة هذا العام في اجتماع حلف الناتو في لندن في الثالث والرابع من الشهر الجاري، ويبدو أن هناك اتفاقاً ألمانياً فرنسياً على تناوب دور المناهض لأمريكا في اجتماعات الحلف، حتى تحفظ القارة الأوروبية ماء وجهها وتظهر كلاعب مهم وسيادي، على الأقل فيما يخص أوروبا ذاتها. ففي العام الماضي كانت ألمانيا هي التي تقود دفة المعارضة لأمريكا، والآن فرنسا هي من تقوم بذلك.
أهم الملفات الشائكة:
أولا: إن ما يقلق أوروبا وخصوصا فرنسا هو عزل أمريكا لها في القضايا الدولية، ولذا كان التركيز الفرنسي على إبراز هذه النقطة ولكن بصورة محرجة عبر ميثاق الناتو:
١. ولذا كان التذكير بأن سبب إنشاء الحلف هو العدو الروسي والخطر الذي ما زال قائما، ويتساءل ماكرون ما الذي حصل وما الذي تغير؟ لماذا لا نعتبر روسيا عدوا كما كنا من قبل؟
٢. كيف تقوم تركيا بشراء منظومة صواريخ من روسيا في الوقت الذي يعتبر الطرف الروسي عدواً؟! فحاول ترامب التبرير بأن أوباما قد تلكأ في صفقة صواريخ باتريوت، ولهذا السبب اشترت تركيا الصواريخ من روسيا. لكن ماكرون رد عليه مباشرة ولكننا عرضنا بديلا أوروبيا لتلك المنظومة، ولكن تركيا مضت ضاربة عرض الحائط بالمصالح الأوروبية وأهداف حلف الناتو.
٣. كيف تنسحب أمريكا من شمال سوريا دون تنسيق مع دول الناتو؟ وكيف تدخل تركيا للشمال السوري بتصرف منفرد دون التنسيق مع دول الناتو؟ مع أن فرنسا شاركت وبشكل فعال في محاربة (الإرهاب) وتنظيم الدولة مع كل من تركيا وأمريكا، ولكن لماذا لا ينسق معها في باقي الملفات؟
وهذا ما دفع ماكرون للقول "بأن الحلف داخل في حالة موت سريري" ليلهب المعارضة لموقف أمريكا المتراخي مع روسيا.
ثانيا: أمريكا أرادت إظهار التعاظم الصيني وخطر الصين اقتصاديا وعسكريا بأنه لا يقل عن الخطر الروسي، وعلى حلف الناتو التصدي لهذا الخطر المتنامي والمتعاظم، وهذا يدخل في استراتيجية أمريكا تجاه الصين، أي يخدم المصلحة الأمريكية.
ثالثا: ذكّرت أمريكا أوروبا بالعجز في الميزان التجاري بينها وبين أوروبا، ولا بد من وضع بعض الرسوم والتعاريف الجمركية للحد من هذا العجز الكبير.
كما ذكرت أوروبا بضرورة الوفاء بالتزامات كل دولة تجاه نفقات وصندوق الحلف. أي على كل دولة دفع ٢٪ من دخلها القومي لأن الحلف هو لحماية أوروبا وليس لحماية أمريكا.
وبذلك يتبين أن هذه الخلافات التي أثيرت داخل الحلف في اجتماعه الأخير في لندن مردودها لسياسات أمريكا القاضية باستخدام روسيا كعصا غليظة في سياساتها في مناطق الصراع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مقابل أن تغض أمريكا عينها عن تصرفات بوتين المقلقة لأوروبا، هذا ناهيك عن التقارب التركي الروسي. ولذا فإن هذه الخلافات لا يتوقع حلها على المدى البعيد بل سيستمر تصاعدها في ظل الأزمة المالية العالمية والتقارب الأمريكي الروسي.
رابعاً: اختلاف تصنيفات دول الحلف للمنظمات والجماعات والدول في العالم وفقاً لعدم وجود تعريف موحد للإرهاب. وأمريكا لا تريد وضع تعريف محدد له حتى لا تقيد تحركاتها الأحادية القاضية بأن كل من يقف بوجهها هو إرهابي. ولذا كان اعتبار تركيا "قسد" على أنها منظمة إرهابية قد أثار حفيظة فرنسا.
أما الأمر الوحيد الذي اتفق عليه الجميع فهو الاستمرار بالحرب على ما يسمونه (الاٍرهاب الإسلامي) وضرورة الاستمرار والتنسيق للتصدي له. وهذا ما يجمعهم رغم فرقتهم والضغينة التي بينهم. وستبقى بلاد المسلمين منتهكة بحجة الحرب على (الإرهاب) حتى يأذن الله بولادة كيان مستقل ومتوكل في سياسته على الله ثم على الأمة الإسلامية.
بقلم: الدكتور فرج ممدوح
رأيك في الموضوع