عقدت في مصر قمة أفريقية عاجلة لبحث ما يحدث في ليبيا والسودان والجزائر، قمة وكأنما عقدت بكبسة زر تجمع على إثرها القاصي والداني، يرأسهم عميل أمريكا وعرابها الجديد الساعي لبسط نفوذها في ليبيا داعما عميلها الآخر حفتر في ظل انشغال عملاء بريطانيا في الجزائر، وساعيا في الوقت نفسه لتثبيت عملاء أمريكا في السودان بعد أن اهتزت أركانهم أمام وعي الناس هناك، ولأن ما يحدث في السودان مردوده قوي على مصر لأنها تعد بمثابة العمق الاستراتيجي لها وقد كانتا تحت إدارة واحدة حتى أيام عبد الناصر، وتتشابه الأوضاع الاقتصادية في مصر والسودان بل وكل الأمة إلى حد كبير، فالأمة كلها تحكمها الرأسمالية بوحشيتها وجشعها والحال ينحدر من سيئ إلى أسوأ، ولا توجد أي حلول لأن الأزمة الحقيقية التي حركت الشعوب ودعتهم للثورات هي في النظام نفسه، وعلاجها الوحيد هي التخلي عنه وتطبيق الإسلام، وهذا ما لا يعجب طغمة الرأسماليين المنتفعين وما لا يقبلونه، ولذا لا حل أمامهم غير زيادة البطش والقمع حتى يخضع الناس لرأسماليتهم ويقبعوا تحت سلطان عملائهم، وهذا في الأصل جزء من المشكلة وسبب من أسباب ثورات الناس، إلا أنه لم يعد الرأسماليون غيره كحل في ظل فشلهم في علاج أي مشكلات بل فلنقل عدم رغبتهم في علاجها لأنهم يتربحون من وجودها، ونحن أي الأمة وقود الصراع وأدواته وحتى الأموال التي تنفق لإدارة الصراع وشراء الذمم، هي جزء من ثرواتنا المنهوبة!
يلتقي العملاء بنظرائهم يتشاورون لبسط سلطان السادة أو تثبيته يظنون أنهم فاعلون بينما هم ليسوا سوى بيادق على رقعة الشطرنج يحركهم سادتهم حتى إذا انتهت أدوارهم ولم تعد هناك حاجة لهم أو استنفدوا طاقتهم في خدمة السادة ألقوا بهم في قارعة الطريق كما فُعل مع مبارك والقذافي وبن علي والبشير وصالح وقبلهم صدام والحبل على الجرار، ولكنهم لا يعتبرون بمصير سابقيهم ويتمادون في الانبطاح ظنا منهم أنهم في مأمن وأنهم بهذا الركون للغرب يستمدون سلطانا يحاربون به أمة مكبلة، غير مدركين لواقع هذه الأمة وأنها أقوى منهم ومن سادتهم، وأنها فقط بحاجة إلى قيادة سياسية واعية تحمل مشروعا حقيقيا صالحا للنهضة وقادرا على إحداث التغيير، تقود به جموع الناس مع ضرورة انحياز المخلصين من أبناء الأمة في الجيوش بقوتهم القادرة على تغيير موازين القوى ونصرتهم لهذه القيادة وهذا المشروع، وهو ما عرضه وخاطب به المجلس العسكري في السودان الشيخ الدكتور ناصر رضا رئيس لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في السودان، ووضعهم أمام واجبهم تجاه الأمة وتجاه دينهم وأعطاهم حلولا جذرية حقيقية وآنية لمواجهة محاولات الغرب في الالتفاف على الثورة وسرقتها، لكن هذا قطعا لم ولن يعجب العملاء الذين سارعوا للقاء عراب أمريكا وخادمها المخلص في القاهرة لوضع الخطط لمواجهة الحراك الواعي لأهل السودان، بإعطاء المهل طويلة الأمد حتى يتمكن النظام من اختراق ثورة تهدد عروش كل العملاء في المنطقة وليس في السودان فحسب، ولهذا سمعنا عن الدعم المعلن من العملاء الجدد أولاد زايد وابن سلمان في محاولة لرشوة الناس بعد عقود من إفقارهم الممنهج، والذي لن ينهيه دعم مادي على فترة من الزمن بل ينهيه زوال أصل المشكلة وهو هذا النظام الرأسمالي العفن.
أيها المسلمون في مصر والسودان وليبيا والجزائر وغيرها من بلادنا التي تسلط عليها الغرب بنظامه وعملائه، إن حالكم واحد وألمكم واحد وعدوكم واحد وإن اختلفت الأدوات التي يحاربكم بها، إلا أنها حقيقة هشة ضعيفة لا تقوى على مجابهتكم وجها لوجه ولا يقويها إلا جدار الخوف الذي بنوه في نفوسكم، وتلك جيوشكم التي خدعوها وسلبوها إرادتها وغيروا عقيدتها لتكون درعا لهم ولأفكارهم تحميهم منكم ومن ثوراتكم، ومنعوكم من الاتصال بهم والتواصل الحقيقي مع المؤثرين منهم وأغدقوا عليهم الرشاوى في صورة رواتب وبدلات وميزات لم تمنح لهم من قبل ولم تكن لتمنح لولا خوف النظام منهم وحاجته لإغلاق عيونهم حتى تتغاضى عن جرائمه وإغلاق آذانهم حتى لا تسمع منكم ولا تلتفت لآهاتكم واستغاثاتكم بهم لنصرتهم وحمايتهم من عدوكم وعدوهم.
أيها المسلمون عامة وأهل مصر والسودان خاصة! إن مآسيكم واحدة؛ فقر وذل وتجويع رأينا مظاهره في التكالب على كراتين استفتاء الدستور الأخير قبل أيام، وحال أهلنا في السودان لا يخفى على أحد، وسببها واحد هو الرأسمالية التي تحكم بلادنا بطولها وعرضها وتنهب ثرواتها لصالح الغرب، ولن نسرد كثيرا من أشكال وصور واقع مؤلم نراه بأعيننا ونعيش مرارته وألمه، بل نصف لكم العلاج الحقيقي الناجع، والذي يوجب عليكم أن تلتفوا حول قيادة مخلصة لحراككم تحمل مشروعا حقيقيا بديلا لرأسمالية الغرب ينسجم مع عقيدتكم ويصلح لبيئتكم؛ نظام أنزله الله وارتضاه لكم؛ خلافة راشدة على منهاج النبوة، يحمل لكم مشروعها كاملا حزب التحرير رائداً لم ولن يكذبكم، وهو وحده القيادة السياسية المخلصة الواعية القادرة على العبور بكم والتصدي لهجمة الغرب الشرسة لسرقة ثوراتكم، لا ينقصه سوى احتضانكم وانقيادكم له ونصرة حقيقية من المخلصين في جيوشكم ترتفع بها راية نبيكم وتعود دولتكم التي وعدكم الله وبشر بها نبيكم e والتي آن أوانها وأظل زمانها، وهي قائمة حتما ويقينا بإذن الله، نعيشها ونتنفسها ويا فوز من نصرها ورفع رايتها بحقها وبايع من أجلها بيعة كبيعة الأنصار تقض مضاجع شياطين الإنس والجن وتعلن قيام الدولة التي ينعم بها البشر والطير والشجر والحجر. نسأل الله أن تكون بكم يا أبناء جيش مصر والسودان فأنتم أولى بها وأحق بنصرتها، اللهم عاجلا غير آجل. اللهم أرنا يوم عزنا وقيامة دولتنا وبيعة خليفتنا واجعلنا من جنوده وشهوده، اللهم آمين آمين آمين.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾
بقلم: الأستاذ سعيد فضل
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع