إن الصراع القائم بين أمريكا وإنجلترا قد اشتد لدرجة كبيرة وظهر هذا الصراع على العملاء والأدوات لكلتا الدولتين، بل أنيط بهم تنفيذ تلك الخطط والمؤامرات سواء تعلقت بالصراع بينهم أو على هذه الأمة ودينها ومقدساتها تنفيذا لرؤى الغرب الكافر. ويعتبر عبد الناصر أبرز عملاء أمريكا في المنطقة، ولا بد لنا من تحقيق مدى ارتباط مصر بعد الانقلاب وثورة الضباط الأحرار وتبعيتها لأمريكا، وبرغم وضوح عمالة جمال عبد الناصر وتبعية الثورة إلا أن الدعاية الكبيرة والمغرضة وطبيعة الدور الأمريكي له ليس في مصر فقط بل في المنطقة العربية من خلال تصفية النفوذ الإنجليزي في المنطقة، اقتضت هذه دعاية كبيرة ودورا كبيرا لعبد الناصر ودعاية كبيرة جدا وأنه ضد الإمبريالية والاستعمار والتبعية وجعل من شعار القومية العربية منطلقا له لإسقاط بعض الأنظمة بحجة الوحدة وهو الذي كرس الانفصال بأفعاله الرعناء بعد أن ثبّت النفوذ الأمريكي وقضى على بعض قيادات النفوذ القديم، فالمسألة ليست وحدة وإنما تغيير تبعية فقط، وهذه الدعاية الكبيرة له، جعلت تهمة العمالة له محل استنكار وتعجب كبير، لا بل وصل الأمر ببعضهم إلى إيذاء شباب حزب التحرير والشكوى لأجهزة الأمن ضدهم بسبب أن الحزب الوحيد الذي كشف وبيّن عمالة عبد الناصر هو حزب التحرير ولاقى ما لاقى من أذى وابتعاد واتهام وترك لبعض شبابه ممن لم يدركوا أهمية وطبيعة الكشف السياسي وأثره في قيادة الأمة، وكانت محنة جمال عبد الناصر على حزب التحرير قوية وفتنة عظيمة جدا تصدى لها الحزب بكل قوة وجدارة وثبت على رأيه في وقت كان ثمن الحديث فيه الدماء والسجن والضرب والاعتقال، ثم تتالت فيما بعد الاعترافات والمقالات والكتب حول عمالته وكشف المكشوف أصلا. وللوقوف على عمالة عبد الناصر وكونه رأس الحربة الأمريكية في تصفية النفوذ السياسي القديم وخاصة الإنجليزي نذكر بعضا ممن كتب وبيّن لاحقا، ومنه نبين ونؤكد على سبق حزب التحرير ودوره في الكشف السياسي ومدى الأذى الذي لحق بالأمة من جراء سيرهم خلف (معبود الجماهير!) آنذاك نتيجة قبول عبد الناصر كقائد للأمة.
أولا: يؤكد فتحي رضوان، وهو ممن عملوا مع عبد الناصر واقتربوا منه، أن نجاح الانقلاب العسكري في مصر بالإطاحة بفاروق وأسرة محمـد علي كان انتصارا لأمريكا على بريطانيا في صراعهما على تركة الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية التي خرجت منها بريطانيا مستنزَفة أمام أمريكا القوية.
ومما قاله فتحي رضوان في كتابه "72 شهراً مع عبد الناصر"، "أن الأمريكان هم الذين دبّروا خلع الملك فاروق لأسباب عديدة منها عجزه أو رفضه الاعتراف (بإسرائيل)"، كما ورد في محاضر اجتماعاته مع السفير الأمريكي وأن وزير الخارجية الأمريكية دين أتشيسون رفض مساعدة فاروق أثناء الانقلاب الذي أسقطه، كما كانت وقفة السفير الأمريكي الآخر جون فوستر دالاس ضد الملكية، الضربة الحقيقية ضد فاروق لصالح عبد الناصر.
ويقول في كتابه "72 شهرا مع عبد الناصر": "كان المعسكر الاستعماري متمثلا في بريطانيا التي كانت جيوشها في مصر عند قيام الثورة وعزل الملك، وكانت بريطانيا مختلفة أشد الاختلاف مع الولايات المتحدة في أمور عديدة أهمها مصير الملك فاروق ثم مصير الملكية... وقد استمر هذا الخلاف فترة طالت شهورا فبقي النظام الملكي قائما في مصر حتى تموز/يوليو 1953م، ففي هذا التاريخ رجحت كفّة السياسة الأمريكية وتقرر إسقاط الملكية وإعلان الجمهورية".
ثانيا: إن الكاتب الصحفي محمـد جلال كشك ألّف في ذلك كتابيه المهمين "كلمتي للمغفلين" وأكّده بتاليه "ثورة يوليو الأمريكية، علاقة عبد الناصر بالمخابرات الأمريكية" التي تؤكد أن الاتصال بين عبد الناصر والسفارة الأمريكية كان قد بدأ قبل تموز/يوليو 1952م، وأن الانقلابات العسكرية كانت أداة أمريكية في الأصل على الأنظمة التي لا ترغب في الإبقاء عليها.
ثالثا: قبول عبد الناصر بمشروع الدولة الفلسطينية (مشروع روجرز) حيث أطلقت الإدارة الأمريكية مشروعها لتنفيذ قرار مجلس الأمن 242 في رسائل بعث فيها وزير الخارجية الأمريكية وليم روجرز إلى وزراء خارجية كل من مصر والأردن و(إسرائيل). وقد أعلن الوزير الأمريكي - الذي اقترن المشروع باسمه وعرف بمبادرة روجرز - يوم 25/6/1970 أن حكومته أطلقت مبادرة سياسية جديدة في الشرق الأوسط هدفها تشجيع الدول العربية و(إسرائيل) على وقف إطلاق النار والبدء بمباحثات تحت إشراف الدكتور غونار يارنغ الممثل الشخصي الأمين العام للأمم المتحدة لتنفيذ قرار مجلس الأمن 242، وافق جمال عبد الناصر على المشروع الأمريكي وهو الذي يدعي المقاومة والحق الفلسطيني وأنه ضد الإمبريالية! وقبول ناصر لهذه الخطة هو دليل على تبعيته لأمريكا والسير بمشروعها.
رابعا: الاعتراف من بعض ضباط يوليو بالعلاقة مع المخابرات الأمريكية من خلال السفارة الأمريكية فى مصر، أمثال محمد نجيب وخالد محيي الدين وأحمد حمروش وغيرهم.
خامسا: حرب العدوان الثلاثي وكيف تحركت بريطانيا وفرنسا مع كيان يهود ضد الثورة ومحاولة ضرب الثورة ورجالاتها وموقف أمريكا وتحريك الاتحاد السوفيتي ورفض أمريكا التدخل مما أحبط العدوان ونسب الأمر للسوفييت برغم أن المحرك لهم أمريكا ومقايضة مصالح.
ولقد حوى الكتاب الأشهر عالميا "لعبة الأمم" لمؤلفه ضابط المخابرات الأمريكية "مايلز كوبلاند" تفاصيل دقيقة عن عدة لقاءات جرت بينه وبين زميله كيرميت روزفلت وقيادات المخابرات الأمريكية من جانب مع جمال عبد الناصر وقيادات الضباط الأحرار من جانب آخر للإعداد للانقلاب.
هذه بعض من النقاط للتدليل على تبعية ناصر وعمالته ودوره القادم لمصلحة أمريكا ومنها تهديد النفوذ الإنجليزي وقاعدته في الأردن وقبوله بالمشروع الأمريكي الدولة الفلسطينية مقابل دولة يهودية.
الأستاذ المعتصم بالله (أبو دجانة)
رأيك في الموضوع