ما زالت ثورة الشام تخوض معاركها الطاحنة وعلى كافة المستويات ولكنها أصعب مما مرّ عليها في السابق، فالمعركة السياسية الحالية هي معركة القضاء على الثورة نهائياً، ونقول ذلك لأن بعض أبنائها انحازوا إلى صف أعدائها بعلم وبدون علم لإجهاض ثورتنا العظيمة التي قدمت ما يبهر الأبصار حتى الآن في سبيل انعتاقها وتحررها... سيتساءل الكثيرون كيف ذلك؟ وما هي المعطيات التي لديك حتى تقول ذلك؟ ولماذا تمارس لغة التخوين على ثوار ثورة يتيمة تآمر عليها القريب والبعيد وتكالبت عليها الأمم؟
بداية لا بد لنا أن نعرف أين وصلت الثورة، وكيف وصلت، وما هو السبيل لاستمرارها ووصولها لهدفها؟ وكيف يكون ذلك واقعياً، خصوصاً أن البعض يتهمنا بعدم الواقعية وعدم العقلانية، فنقول وبالله التوفيق:
إن كشف الحقائق ليس تخويناً بل إن الخيانة ألّا نقول الحقيقة في وقتها، إن الثورة وصلت إلى حائط مسدود وذلك لأسباب كثيرة أُريد لها ذلك، وساعد بعض أبنائها بذلك، فالثورة التي انطلقت بالتكبير وحطمت قيود العبودية والذل لنظام مخابراتي طائفي مجرم، وحققت في بدايتها ما لا يمكن تصوره وهزمت النظام شر هزيمة تعاني اليوم أشد المعاناة، ويقف من تولى قيادتها عاجزاً عن الحركة بعد أن سلم مقاليد الثورة للدول ومنظوماتها وحوّل نفسه وقوته وقوة الثورة إلى أدوات بيد هذه الدول تحركه حسب مصالحها... هذا هو الواقع ويعرفه القاصي والداني، هذا هو الجواب على أول سؤال، أما السؤال الثاني وهو كيف وصلت إلى هنا، فجوابه هو كما سمعته من أحد ثوار الساحل ويدعى (مصطفى هدية): قال لي بالحرف الواحد إن ثورتنا انتهت مع الأحد عشر ألف ليرة سورية!! الجميع سيتساءل وما هو هذا المبلغ التافه وما هي قصته مع ثورة أعجزت نظام القتل والإجرام؟ طبعاً هو نفسه سيجيب وهو يتحدث لي عن معاركهم في الساحل وكيف أنهم كانوا قاب قوسين من أن يدخلوا اللاذقية وجبلة وبانياس وجميع مدن الساحل فاتحين في بداية عام 2013 وكيف كانت الخطط العسكرية قد وضعت لذلك الهدف الذي لو تحقق لكان النظام العفن قد انتهى ولكنا الآن نعيش حقبة جديدة من العزة والكرامة والحرية.
مصطفى هو أحد شباب الثورة كما غيره الكثير ممن يتجرعون الآن مرارة الخذلان لأهلهم في خان شيخون ومعرة النعمان والغاب وحتى الباغوز، وقصة الأحد عشر ألفاً بدأت عندما دخل رئيس الائتلاف حينها أحمد الجربا إلى جبهة الساحل وقدم الدعم المسموم الذي جلبه من مشغليه في تركيا والخليج لوقف زحف الثائرين إلى عقر حاضنة النظام، فاشترى ذمم بعض القادة وكان منها مبلغ مئة دولار وزعت على جميع المقاتلين في تلك الأثناء وكان الدولار في حينها يعادل 110 ليرات سورية، طبعاً مصطفى يرفض فكرة أن المال هو من الدول ويصرّ أن الجربا جلبها من النظام النصيري لوقف جبهة الساحل وهذا ما حصل فعلاً، حيث قام بعض قادة الفصائل بأخذ الدعم وبناء فصائل كبيرة هدفها منع من يريد الاستمرار في قتال النظام وفتح الجبهات وقتاله إذا أصرّ على ذلك، وهذا أيضاً ما حصل فقد توقفت أهم جبهة على النظام، بل تم لاحقاً تسليم مناطق محررة واسعة في الساحل بمعارك وهمية.. هذا القدر يجيب عن كثير من تساؤلات الناس في جبهات أخرى على كامل الأرض السورية فما حصل بالساحل ليس نشازاً، فهو نفسه ما حصل في حلب وحمص والغوطة ودرعا، وهو نفسه ما يراد لما تبقّى من محرر في إدلب.
أما السبيل لوقف ذلك واستعادة الثورة ممن تسلط على قيادتها ويقف الآن أمام الحائط ويبحث عند الدول عن حلول إن لم نقل ينتظر أن يسلم ما تبقى لينتهي دوره... نعم لينتهي دوره وتنتهي مهمته، ونقول ذلك ونحن نرى بأم أعيننا كيف تتم سرقة التضحيات وإهدارها بإنشاء حكومات وظيفية مجهولة الأهل والنسب إرضاءً للداعمين وبرامجهم، هؤلاء الداعمين الذين لا همّ لهم إلّا مصالح أسيادهم، وهنا لا أخفي معلوماً وأقصد تركيا التي كانت ولا زالت خنجراً مسموماً طُعنت به الثورة من الخلف ودخلت عليها بلباس الحمل الوديع، وما فعلته هي ومخابراتها في حماية النظام ومنعه من السقوط، وليس آخرها إدخالها نقاطها العسكرية بحجة خفض التصعيد وغايتها الوحيدة هي وقف الثورة ومنع الثائرين من استكمال ثورتهم القادرة على تحطيم النظام وجعله أثراً بعد عين... والسبيل لذلك يكون بتحرك الحاضنة الشعبية لوقف هذه المهزلة والالتفاف حول الواعين المخلصين لتغيير الواقع السيئ الذي أوصلنا إليه المرتبطون، وذلك يكون بتبني قيادة سياسية للثورة تحمل مشروعاً واضحاً من صميم عقيدتنا تمتلك الوعي السياسي الذي يحبط المؤامرات وتتولى اتخاذ أهم قرار في الثورة وهو قطع الارتباط مع الدول وتوحيد الوجهة والهدف وتوحيد القوة العسكرية على هدف الثورة وليس على أهداف شخصية أو أهداف الدول، والسير بهم جميعاً إلى الاستمرار بالثورة وإسقاط النظام وتحكيم الإسلام الذي هو أسمى الأهداف ونوال رضا الله وهو غاية الغايات.
هذه هي حقيقة الواقع الذي يجب علينا أن نعمل جميعاً لتغييره، وعلى سوئه وسوء الأوضاع إلّا أن بصيص الأمل ما زال ونحن نرى تحرك الحاضنة الشعبية وإدراكها لحقيقة الأعمال السياسية وأهميتها في إبطال المؤامرات التي تحاك للثورة، ما يبشر بمرحلة مهمة قادمة، بدأت تظهر تباشيرها بتحرك الناس لإسقاط مؤتمر سوتشي ومخرجاته، واليوم برفض ما بات يسمى بالمؤتمر السوري العام الذي تم تفصيله على مقاس قائد فصيل بعينه استناداً إلى قوته العسكرية والأمنية التي يحاول بها تهديد الناس والضغط عليهم للسير في ركابه وركاب داعميه، الذين يريدون أن تكون لهذا المؤتمر وما انبثق عنه من حكومة ممثلاً للثورة، وتجيزها فيما بعد للجلوس مع النظام وتنفيذ الحل السياسي الأمريكي.
إن نقدنا لهذه الخطوات التي تسير بها فصائل الثورة وتشكيل حكومات في هذا الوقت بالذات وعدم سماع أصوات أهلنا في الشام بل والضرب بها عرض الحائط، وتنفيذ أجندة الداعمين على حساب أهل الثورة والجهاد ينذر بشر كبير لا تحمد عواقبه، فإننا نرى حقيقة هذه المشاريع المشبوهة التي لا تمت لثورة الكرامة بأي صلة، وقد علمنا الإسلام وعلمتنا الثورة أن هذه الجهود هي إضاعة للبوصلة ودخول في نفق مظلم يخدم أعداء الثورة ولا يخدم حتى الفصيل الذي يعمل عليه، بل يحوله من الجهاد لإعلاء كلمة الله إلى فصيل وظيفي يسير في تثبيت أركان النظام، فالثورة التي تسير على الجمر ليست مكاناً للتجريب، وفي إسلامنا ما يغنينا عن التجريب، فاتباع الحكم الشرعي في كل قضية من القضايا هو الذي يوصلنا إلى بر الأمان ودونه الهلاك وغضب الله، وما زال هناك فسحة فاقطعوا ما أمر الله به أن يقطع من حبال مع أعداء الله وثبّتوا حبالكم مع الله، وعودوا إلى جهادكم وتوبوا إلى الله وسيروا على ما سار عليه نبينا e ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
بقلم: الأستاذ أحمد معاز
رأيك في الموضوع