بعد أن استعرضنا في المقالات السابقة الخطة الإنجليزية والخطة الأمريكية لتصفية قضية فلسطين وأدوات كل منهما من حيث التنفيذ مصر والأردن وغيرهما، وكيف وقفت الأردن في وجه المشروع الأمريكي لصالح المشروع الإنجليزي، نستعرض الآن بقية وبعض الأدوات ومنهم رئيس تونس العميل الإنجليزي وحامل المشروع الإنجليزي في مقابل المشروع الأمريكي وعميلها عبد الناصر والصراع بينهما نتيجة الصراع بين المشروعين لحل القضية الفلسطينية.
لقد زار الحبيب بورقيبة الأردن بتاريخ 3/3/1965، وألقى خطاباً في مدينة أريحا، ودعا فيه إلى مبدأ القبول بالتقسيم، والأخذ بمبدأ (خذ وطالب)، وأن سياسة لا غالب ولا مغلوب، هي القاعدة السياسية التي يمكن أن تكون منطلقاً لحل ما سمي بالقضية الفلسطينية.
ثم بتاريخ 11/3/1965م، زار بورقيبة بيروت، وبتاريخ 29/3/1965م، زار إسطنبول، ولقد كان مجمل تصريحاته هو تكرار لاقتراحه لحل النزاع بين العرب وكيان يهود، وذلك باعتراف الدول العربية جميعاً بكيان يهود كدولة أمر واقع، مقابل إعادة كيان يهود لثلث المساحة المحتلة نتيجة حرب 1948م، وإنشاء دولة للفلسطينيين على هذه الأرض، وهذه الدولة الناشئة ممكن بالتفاوض أن تستقر عن طريق اتحاد فيدرالي أو كونفدرالي مع المملكة الأردنية الهاشمية ومع كيان يهود القائم، للوصول إلى دولة فلسطين الديمقراطية المتعددة الديانات والأعراق (المملكة المتحدة).
وبتاريخ 29/4/1965م، أرسل بورقيبة برسالة توضيحية إلى الرئيس جمال عبد الناصر، حاول فيها تفسير تصريحاته نتيجة الغضب المصري، (مصر عبد الناصر كانت تحمل المشروع الأمريكي) بعد تصريحات وتحركات رجل الإنجليز بورقيبة وبعد أن حرك الإعلام الناصري الغضب تجاه مشروع الإنجليز الذي جاء يحمله بورقيبة وذلك بعد أن ساد الشارع الإسلامي عامة موجة عارمة من الاستياء بحيث لحقت اللعنات والمسبات والاتهامات لبورقيبة وخرجت المظاهرات في الكثير من عواصم الدول العربية والبلاد الإسلامية مستنكرة تصريحاته، واعتبرت هذه المقترحات تصب في خانة التواطؤ على القضية الفلسطينية وعلى العرب والعروبة، وهي عقد إذعان لليهود وفرض لأمر واقع حسب ما يدعي ولن يجرؤ أحد على الموافقة عليه سواء من الحكام أو المحكومين، صحيح أن بورقيبة نطق بالمشروع الإنجليزي وحمله إلى الأردن وفلسطين لكنه فشل آنذاك نتيجة الموقف الرسمي والتحريك الإعلامي المصري والهجوم على المشروع وحامله، فمثلا نشرت جريدة "الأهرام"، في عددها الصادر في 25 نيسان/أبريل 1965، تصريحاً للشقيري، قال فيه: "إنه نظراً إلى التصريحات الأخيرة، التي أدلى بها الرئيس بورقيبة، والتي احتوت، بمجموعها، مغايرة صريحة لقرارات مؤتمرَي القمة، في القاهرة والإسكندرية، لا حاجة، في الوقت الحاضر، لافتتاح مكتب في تونس. ونعد كل تونسي يعيش فوق أرض تونس، ممثلاً للشعب الفلسطيني في كفاحه ونضاله".
وظهرت "الأهرام"، في عددها الصادر في 23 نيسان/أبريل، لتعلن "موقف" القاهرة من "المؤامرة". وقالت إن تصريحات بورقيبة الأخيرة، "تقطع كل حيرة"، وتوضح، للمرة الأولى، أن الرئيس التونسي، بورقيبة "يتحرك وفق خطة مرسومة، جرى تنسيقها، ووضعها، بواسطة قوى الاستعمار الغربي، تآمراً على قضية المصير العربي كله". وذكرت "الأهرام" أن القاهرة، أصبحت ترى "أن الأمر لا يمكن السكوت عليه"، وأنها قررت طلب إدراج "موضوع هذه التصريحات ودلالاتها وآثارها" في جدول أعمال مؤتمر رؤساء الحكومات العربية، الذي سيعقد في شهر أيار/مايو في القاهرة.
وفي 29 نيسان/أبريل، أصدرت لجنة ممثلي الملوك والرؤساء العرب بياناً إجماعياً احتوى على الكثير من النقاط نذكر منها: رفض أي دعوة إلى الاعتراف أو المصالحة أو التعايش مع كيان يهود، واعتبار مثل هذه الدعوة "خروجاً على الإجماع العربي في قضية فلسطين، وعلى ميثاق الجامعة، ونقضاً للخطط، التي أجمع عليها ملوك ورؤساء وحكومات الدول العربية، وباركتها الأمة العربية".
وقد انسحب أحمد الشقيري، رئيس منظمة تحرير فلسطين، من اجتماع لجنة ممثلي الملوك والرؤساء العرب، لأن اقتراحه بإسقاط عضوية تونس من جامعة الدول العربية، لم يؤخذ في الحسبان. إلاّ أنه عاد، بعد ذلك، إلى الجلسة، بعد أن سجل في المحضر، أنه سيعلن تنحِّيه عن تحمل تبعات العمل في المنظمة، "إذا سارت الأمور بهذه الطريقة".
وللتذكير فقد كان أحمد الشقيري بيد عبد الناصر يعده وفق المشروع الأمريكي ليكون الجهة الرسمية والمرجعية الفلسطينية والمعترف بها عربيا، وهذا كان قبل إنشاء الإنجليز لمنظمة التحرير الفلسطينية بزعامة عرفات لما أدركت خطورة وجود مرجعية بيد أمريكا فأوعزت إلى الكويت بضرورة وجود منظمة فلسطينية تابعة لها من خلال ياسر عرفات العميل الإنجليزي القادم.
بقلم: الأستاذ المعتصم بالله (أبو دجانة)
رأيك في الموضوع