مُخطئ من يظن أنّ الحكام العملاء سينجحون في إجهاض ثورات شعوبهم عبر استخدام شتى أساليب الخداع والمُراوغة للالتفاف حول إرادة التغيير لدى الجماهير، فلم تعد هذه الأساليب القذرة بقادرة على وقف طوفان الشارع العارم الذي أدرك حجم تآمر الزُمَر الحاكمة، واكتشف ألاعيبها، وفقد ثقته تماماً بوعودها البرّاقة الكاذبة.
وعلى سبيل المثال كانت أساليب الالتفاف تلك مفضوحة ومكشوفة في كلٍّ من السودان والجزائر حيث تندلع فيهما آخر الثورات، ولم يستطع مُدبرّوها إخفاء أهدافهم الخبيثة من ورائها، فأساليبهم المُبتذلة لم تعد تنطلِي على الناس، وأظهرت بكل وضوح حقيقة دوافعهم الحقيرة ونواياهم الخبيثة.
ففي السودان اتخذ البشير في مواجهة الانتفاضة الأساليب القديمة نفسها التي عفا عليها الزمن، من مثل تغيير الحكومة، وتعيين حكومة جديدة بتغيير بعض الوجوه، وإعلان حالة الطوارئ، وتعيين رجال من العسكريين الموالين له في مفاصل السلطة، وإطلاق وعود زائفة جديدة بالإصلاح، وتعطيل التعديل الدستوري الذي يسمح بتجديد ولايته مؤقتاً ريثما تهدأ الأوضاع.
وفي الجزائر اتخذت القيادة الحاكمة التي تتستر بمومياء بوتفليقة قرارات مُشابهة، مثل تعيين رئيس جديد للوزراء، وتعطيل الانتخابات، والتراجع عن ولاية خامسة لبوتفليقة، وتشكيل ندوة سياسية برئاسة وجوه عتيقة بائسة لتعديل بعض المواد الدستورية، والإشراف على انتخابات جديدة في غضون سنة من دون بوتفليقة، في مُحاولةٍ لتخفيف زخم المظاهرات، ووأد الحراك الشعبي.
لكن بالرغم من كل ما اتخذوه من أساليب إلا أنّ الاحتجاجات لم تهدأ، وانتفاضة الجماهير لم تخّفّ حِدّتها لا في السودان ولا في الجزائر، ومطالب الحِراك ما زالت تتطوّر وتتبلور يوماً بعد يوم، فأصبحت الشعارات التي تُرفع لا تقتصر على مطالب حياتية اقتصادية محدودة، بل تعدّت ذلك وارتفع سقفها ليصل إلى المُناداة بإسقاط النظام.
وفي الجمعة الماضية رُفعت في مسيرات الجزائر شعارات جديدة تُعبّر عن رؤية جديدة مثل: لا للتمديد، لا توجد دقيقة يا بوتفليقة، لا للتدخل الأجنبي، نعم للدولة الإسلامية.
لقد كُسر حاجز الخوف تماماً، وانفجر الغضب الشعبي كبركانٍ مُتفجّر، ولم تتمكّن الدولة في السودان ولا في الجزائر من تهدئة الشارع، كما عجزت المعارضة التقليدية عن تمثيل المُنتفضين، ودخل البلَدان في حقبة جديدة من العمل الثوري الكفاحي والسياسي النضالي، وبدت ملامح موجة جديدة من الثورات الجامحة تجتاح بلادنا الإسلامية.
إنّ انسداد الأفق السياسي السائد في البلاد الإسلامية لا شك أنّه سيفتح الباب على مصراعيه للقيام بعملية التغيير السياسي الشاملة، التي ستنتهي بلا ريب بإقامة الحكم الإسلامي (الخلافة الراشدة على منهاج النبوة) المُنقذ للأمّة، والمُفضي إلى رفعتها ونهضتها.
ففشل الحكام الطواغيت أتباع الكافر المُستعمر في القيام بأي دور إصلاحي ذي بال، وعجزهم عن تحقيق أي نصر بسيط على أعداء الأمّة، وتفريطهم المكشوف بمقدّسات وحقوق الناس البديهية، وارتباطهم حتى النخاع بِمُخطّطات الدول الكافرة العدوة، وانخراطهم في إعلان الحرب على الإسلام بحجة وجود (الإرهاب)، كل ذلك إنما هو دليل قاطع على الدفع بالثورات نحو المزيد من التأجيج والاشتعال، والسير بها بخطاً واثقة باتجاه التغيير الحقيقي.
لقد بلغت بلادنا الإسلامية في هذه الأيام نهاية الطريق في مسيراتها القومية والوطنية الفاشلة على يد المضبوعين بالثقافة الغربية، وآن الأوان لتتلمس طريق نهضتها من جديد، فقد جرّبت بعد هدم الدولة العثمانية في المائة سنة المُنصرمة كل النماذج الفكرية والسياسية الوضعية، ولم تجْنِ منها سوى الخراب والضياع والمهالك، لذا فقد آن لها أنْ تعود إلى إسلامها وايمانها، وإلى حضنها الدافئ ونبعها الصافي.
والعودة إلى أصولها وجذورها لا يعني إلا العودة إلى العيش في ظل حكم الإسلام، ودولة الإسلام، الخلافة الراشدة على منهاج النّبوة، التي بها تعلو الأمّة وترتقي إلى أعلى مراتب المجد والعظمة.
بقلم: الأستاذ أحمد الخطواني
رأيك في الموضوع