الأمّة الإسلامية أمّةٌ حيّةٌ بإيمانها وإسلامها، وهي في مُجملها تُحبّ الإسلام، وتُحبّ تطبيق أحكام الشريعة الإسلاميّة، وتكره الكفر وأهله، وتنبذ أحكامه الوضعية، وتمقت من يدعو إلى إقصاء الدين عن الحكم، وعن السياسة، وعن الحياة، وهي في أغلبيتها الساحقة لا تثق بحكامها، ولا تحترمهم، وتعتبرهم مجرد أدوات رخيصة بيد الكافر المستعمر، وتتربص بهم الدوائر، وهي لا تثق أيضاً بعلماء بلاطهم، وتعتبرهم مجرد أبواق ذات خوار للحكام الطغاة.
إنّ الأمة الإسلامية تُدرك ذلك كلّه، وتعتبره من المُسلّمات البديهية، فهي تنتظر لحظة البطش بهم على أحرّ من الجمر، لتخلعهم، ولتستعيد سلطانها المسلوب، لكنها تنتظر من يعلّق لها الجرس، ويخطو الخطوة الأولى، لذلك وجدناها اندفعت مع أول شرارة للثورات العربية، واستجابت لنداء التغيير بكل جرأة وإقدام، وتجاوبت مع الشعارات الإسلامية تجاوباً قلبياً، فأثبتت بذلك أنّها أمّةٌ حية، لديها الاستعداد للتضحية والموت في سبيل الإسلام، وأظهرت قدرات عجيبة للسير مع عجلة التغيير، وكانت بذلك جديرة بحمل لواء الإسلام إذا ما سنحت لها الفرصة، وتهيّأت لها الظروف.
يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الأنعام: ﴿أَوَمَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، فقبل الإيمان كان الإنسان ميتاً فكرياً لأنّه كان ضالاً حائراً تائهاً فأحياه الله بالإسلام، ووفّقه لاتباع الرسول e اعتقاداً وعملاً، وسلوكاً وتصرفاً، فانتقل من ظلمات الضلالات والأهواء إلى نور الإسلام الحق وهدايته، فكأنّه انتقل من عالم الموت إلى عالم الحياة، وبهذا المعنى يكون الكفر موتاً والضلال موتاً، ويكون الإيمان حياةً والإسلام حياة، ولذلك قال سبحانه وتعالى في سورة الأنفال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾، والله سبحانه في قوله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ يُذكّرنا بإيماننا، ويدعونا للاستجابة لله ولرسوله بالطاعة والعمل والالتزام، فإنْ استجبنا للطلب كان ذلك حياة لنا، وإنْ لم نستجب كان ذلك موتاً لنا ولو كنّا مؤمنين، لذلك نبّهنا الله كثيراً على الاستمرار في الطاعة، والأخذ بكل ما جاءنا به رسولنا عليه الصلاة والسلام، والالتزام بكل ما جاء به الإسلام كما جاء في قوله تعالى من سورة الحشر: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾، وفي قوله في سورة الأنفال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ﴾، وهكذا نجد أنّ من يسعى لتطبيق أحكام الشرع، ويتلبّس بالعمل من أجل تطبيقها، فهو حيّ مُدرك لصلته بالله، وهذه هي الحياة الحقيقية، ومن يُقصّر في جنب الله، ويتساهل في حمل دعوة الإسلام فهو ميت لأنّه يسير باتجاه قطع صلته بالله، وهذا هو الموت الحقيقي.
وبما أنّ الأمّة الإسلامية في مُجملها تسعى بل وتتعطش من أجل تطبيق أحكام الشرع، فإنّها أمّةٌ حيّة بلا ريب، وتستحق النصر والتمكين، بينما حكامها أموات لأنّهم يُطبّقون أحكام الكفر الوضعية، وينشرون الثقافة العلمانية والإلحادية، ويُحاربون شعوبهم ويتنمّرون عليهم، ويبذلون وسعهم في خدمة أسيادهم من الكفار المستعمرين، لا يبتغون من ذلك سوى الحفاظ على عروشهم الزائلة...
فهم يرون ما يجري في العالم الإسلامي من قتل للمسلمين المُستضعفين، ومن تنكيلٍ واضطهاد وتهجير وتجويع للنساء والأطفال والأبرياء في كل مكان ولا يُحرّكون ساكناً، ففي بوركينا فاسو وهي دولة أفريقية هزيلة يُقتل الشهر الماضي على أيدي القبائل غير المسلمة العشرات من المسلمين في مجازر مُروّعة، تطال ثماني عشرة قرية من قرى المسلمين المُضطهدين في تلك الدولة، ولا يجدون من ينصرهم أو حتى يتحدّث عنهم في وسائل الإعلام، وفي تركستان الشرقية تتحوّل ديار المسلمين فيها إلى سجن كبير تُمارس فيه الصين المجرمة جميع أنواع القهر والظلم بحقهم لدرجة أن تمنع المسلمين من ممارسة شعائرهم التعبدية من صلاة وصوم، وتحاول صرفهم عن دينهم وتحويلهم إلى ملحدين، ومنعهم من الزواج والتكاثر بشتى الأساليب القذرة، بينما لا تتحرك أية دولة من الدول القائمة في بلاد المسلمين للدفاع عنهم، أو حتى مُجرد الاعتراض على سلوك الصين الهمجي تجاههم، وبدلاً من ذلك نجد الكثير من هذه الدول تقوم بتسليم الصين بعض الفارين من الإيغور من مسلمي تركستان الشرقية إلى الدولة الصينية المجرمة لتعدمهم أو تسجنهم!! فيما تنشغل تلك الدول بالخلافات المصطنعة فيما بينها، وتنشط في نشر مفاهيم الحضارة الغربية القذرة لإفساد المجتمع ونشر الرذائل.
ولكن مع كل هذه الظروف الصعبة التي تعيشها الشعوب الإسلامية، ومع كل ما تُعانيه من ضعف، فإنّ إيمانها بالإسلام هو الحصن الأول والأخير الذي يقيها من الزلل والخنوع للغزو الفكري لمفاهيم الحضارة الغربية المُخادعة الزائفة، وإنّ تماسك الأسرة المُسلمة وتمسكها بالأحكام الشرعية الخاصة بالشؤون العائلية لهو الحصن الثاني الذي يحميها من ظاهرة انتشار الانحراف الواسع كالذي تشهده الأسر في الدول الغربية، وإنّ وجود الأحزاب الإسلامية المبدئية التي تتمسك بفكرة الخلافة الراشدة والجهاد في سبيل الله وتطبيق أحكام الشرع الإسلامي تطبيقاً شاملاً في كل مناحي الحياة، واستئناف الحياة الإسلامية لهو الحصن الثالث الأشد صلابةً والذي يقود بوصلة الأمّة في حركتها نحو الاتجاه الصحيح.
فالأمّة بهذه الحصون الثلاثة تستطيع أنْ تصمد صموداً أسطورياً أمام هجمات الكفار العاتية، وأنْ تصبر وتعمل مع الثلة العاملة لإقامة دولة الخلافة ودار الإسلام.
وإلى حين عودة الخلافة إلى الأمّة قريباً بإذن الله، وعودة الأمّة إلى الخلافة، فسيبقى المسلمون لا يعرفون اليأس ولا الإحباط ولا الانكسار.
رأيك في الموضوع