تقدّمت السعودية يوم الأربعاء 12/12/2018 بمشروعٍ مُفاجئ يدعو إلى إنشاء ما يُسمّى بــ (كيان دول البحر الأحمر وخليج عدن)، ويتكون هذا الكيان من سبع دول مُشاطئة للبحر الأحمر، أو قريبة منه، وهي السعودية ومصر والأردن والسودان واليمن وجيبوتي والصومال، ويهدف المشروع - وفقاً للبيان الخِتامي لاجتماع وزراء الدول السبع الذي انعقد في العاصمة السعودية الرياض - إلى تعزيز أوجه التعاون السياسي والاقتصادي والبيئي والأمني لحوض البحر الأحمر وخليج عدن، وإلى منع أي قوى خارجية من لعب أدوار سلبية في هذه المنطقة الاستراتيجية لتحقيق الاستقرار الإقليمي والدولي.
وكان قد تمّ التمهيد لإطلاق هذا المشروع في مصر العام الماضي يومي ١١ و١٢ من شهر كانون الأول/ديسمبر 2017 عندما جاءت وفود هذه الدول السبع إلى القاهرة، وعقدوا اجتماعاً تمهيدياً نوقشت فيه آنذاك إمكانية إطلاق المشروع.
ويمر عبر منطقة البحر الأحمر وخليج عدن 13% من إجمالي التجارة العالمية بما يُقارب 2.4 تريليون دولار، وتربط ممراته المائية بين البحر المتوسط والمحيط الهندي، ويربط من ناحية ثانية بين أوروبا وآسياوأفريقياعبر قناة السويس والبحر الأحمر ومضيق عدن بأقصر الطرق البحرية، وأقلها كلفةً، وأسرعها زمناً، فهذه المنطقة بلا شك تُعد واحدةً من أهم مفاصل التحكم بالتجارة والملاحة العالمية، فضلاً عن موقعها العسكري والاستراتيجي المُسيطر على أهم السواحل القارية.
ومن الدول المُشاطئة للبحر الأحمر، أو القريبة منه والتي لم تُشارك في هذا التكتل دولتا إريتريا التي لها جزر بالبحر الأحمر، وتملك ساحلاً يمتد لمسافة 1150 كيلومتراً يترامى على الضفاف الأفريقية للبحر الأحمر،وإثيوبيا التي لا تطل على أي منافذ بحرية، لكنها الأكبر من حيث عدد السكان والتأثير في منطقة القرن الأفريقي، كما لم يشارك فيه كيان يهود.
من الواضح أنّ هذا التكتل السباعي هو مشروع أمريكي مشبوه، فأهم الدول المؤسّسة والمُموّلة له هي دول تابعة لأمريكا كالسعودية ومصر والسودان، وكذا الصومال التي تُهيمن أمريكا على مُعظمها، وأمّا اليمن فهي وإنْ كانت حكومتها تابعة للإنجليز إلاّ أنّها خاضعة للسعودية، وأمّا الأردن فهي وإن كانت دولة تابعة للإنجليز إلا أنّها مُستفيدة من دخولها في التكتلات الأمريكية، وكذا جيبوتي التي تتبع فرنسا.
هذا من حيث تبعية الدول الفاعلة في التكتل لأمريكا، أمّا من حيث كونه فكرة أمريكية فالدليل عليها أمران:
الأول: أنّ إدارة ترامب دعت دول المنطقة أكثر من مرّة للدخول في تكتلات عسكرية وأمنية كالناتو العربي لمُواجهة ما تُصوره خداعاً كأعداء للمنطقة كإيران.
الثاني: أنّ الإدارة الأمريكية دعت السعودية والدول القادرة أكثر من مرّة للقيام بالتمويل، وبدفع أموال لقاء الحماية، وإنشاء هذا التكتل يعني بالنسبة لأمريكا قيام السعودية ودول المنطقة بتمويل هذا المشروع بتوجيه أمريكي، وشراء المزيد من الأسلحة الأمريكية.
ومن الأهداف الأمريكية الأخرى لهذا التكتل:
1– اعتبار أنإيران هي العدوّ الرئيسي للدول العربية وليس كيان يهود، ومن ثمّ تقبله، وهضمه، في قلب المنطقة العربية والإسلامية.
2– التمهيد لموجة تطبيع جديدة مع كيانيهود تمهيداً للاعتراف به رسمياً، بحجة اشتراكه مع دول التكتل بالمُشاطئة في البحر نفسه، وبحجة قربه من مشاريع السعودية السياحية الضخمة كمدينة نيوم التي أعلن عن إطلاقها العام الماضي بتكلفة خيالية.
3– احتواء القواعد العسكرية الفرنسية والصينية في جيبوتي، وتحويل البحر الأحمر إلى بحيرة أمريكية صرفة، وذلك من خلال التقليل من فاعلية تلك القواعد بسبب انضمام جيبوتي طوعاً أو كرهاً إلى هذا التكتل الأمريكي.
أمّا بالنسبة لإثيوبيا وإريتريا فهما وإن كانتا تابعتين لأمريكا، إلاّ أنّ أمريكا كبريطانيا من قبل تعتبرهما دولتين غير عربيتين ولا مُسلمتين، وبالتالي فلا ينسجم إدخالهما في تكتل ينتمي أعضاؤه إلى الشعوب العربية والإسلامية، وتُفضل أمريكا والغرب عموماً فصل هاتين الدولتين وإبعادهما عن العرب والمُسلمين.
بالإضافة إلى أنّ لإريتريا بعض الجزر الصغيرة في البحر الأحمر مؤجرة لتركيا وقطر وكيان يهود والإمارات، وبالتالي فانضمامها لا ينسجم مع طبيعة التكتل الجديد.
وأمّا إثيوبيا فإنّها تتعاون مع إيران في دعم الحوثيين في اليمن لخدمة المشاريع الأمريكية، وتتهمها السعودية بأنّها مركز لإيران في المنطقة، فواقعها لا يتناسب مع واقع التكتل الذي يغلب عليه الخطاب السعودي المُعادي لإيران.
والخلاصة: إنّ هذا التكتل المشبوه هو مشروع أمريكي يهدف إلى تركيز النفوذ الأمريكي في البحر الأحمر من خلال ملء الدول التابعة لأمريكا الفراغ الجيوسياسي في منطقة البحر الأحمر، فتتناسق دول الإقليم فيما بينها من خلال هذا التكتل لطرد وإضعاف كل نفوذ غير أمريكي في الإقليم، فتقوم هذه الدول بخيْلها ورَجِلها نيابةً عن أمريكا في بسط السيطرة الأمريكية في المنطقة، فتزداد قوة أمريكا على حساب المسلمين، وتحرفهم عن أعدائهم الحقيقيين، وتشطر دولهم إلى أحلاف مُتخاصمين، فتُفرّق الأمّة، وتـشتّت شملها، وتستنزف طاقاتها، وتُبدّد ثرواتها، وتُشغلها فيما لا طائل من بلوغه، ولا نفع في سلوكه.
إنّ المخرج الوحيد من هذه التكتلات العبثية لا يكون إلاّ من خلال توحيد هذه الدول في دولة الإسلام الواحدة، التي تُعيد فرض السيطرة الإسلامية على حوض البحر الأحمر باعتباره حوضاً إسلامياً خالصاً، وبحيرةً إسلامية خالصة، لا مكان فيها لأمريكا ولا لغيرها من دول الكفر، فكل سواحلها وموانئها وجزرها وممراتها المائية هي ملك للأمّة الإسلامية.
رأيك في الموضوع