تمر تونس هذه الأيام بالظروف نفسها التي مرت بها قبل ثماني سنوات؛ حيث استشرى الفساد والظلم والمحسوبيات، والفقر، ورهن ثروات البلاد للأجنبي، عن طريق بعض المتنفذين اللصوص، كما استشرى فيها في تلك الحقبة الاضطهاد السياسي بكافة أشكاله، والإفساد الأخلاقي، ومنع الناس من ممارسة شعائرهم الدينية بالشكل الصحيح، وحصل اضطهاد للجماعات الإسلامية، وأودع قسم كبير من أبناء تلك الحركات في السجون، وتحكمت في البلاد والعباد مجموعة متنفذة من اللصوص المحترفين، وبات الشعب مكبوت الأنفاس، حتى أوشك على الانفجار، ثم انفجر بالفعل؛ فكانت الثورة العارمة التي خلعت بن علي، ولكنها للأسف لم تخلع جذور الفساد المتصلة بابن علي وزمرته الحاكمة، المتصلة بالقوى الاستعمارية. وقد استطاع الكافر المستعمر - عن طريق بعض الأحزاب السياسية، وبعض الشخصيات المضللة؛ التي تدعي حرصها على الوطن والمواطن وعلى الإصلاح -؛ استطاع أن يبقي على تونس مزرعة له؛ ينهب ثرواتها، ويبعد الناس عن سبيل التغيير الجذري الصحيح، المتصل بحضارة أهل تونس وتاريخهم العريق، واستطاع كذلك أن يأتي ببعض الشخصيات المفسدة المجرمة والتي كانت رأس الفساد في عهد بن علي؛ مثل الباجي السبسي وغيره... استطاع أن يأتي بها إلى سدة الحكم؛ عن طريق تلك الأحزاب؛ مثل حزب نداء تونس، وحركة النهضة وغيرها...
واليوم وبعد مرور ثماني سنوات على الثورة، بدأت السفينة التونسية توشك على الغرق في بحر الفساد السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي أصبح يطال كل شرائح المجتمع تقريبا؛ ونريد أن نقف على بعض الأمور من ألوان هذا الفساد المتنامي داخل تونس، وعلى طريقة التخلص من هذا الفساد لإنقاذ أهل تونس من براثنه وكوارثه وآفاته...
1- عدم الاستقرار السياسي، والتطاحن على الكرسي المعوجة قوائمه. فلا يخفى أن الصراع السياسي داخل تونس قد صار على الكرسي ومن يجلس عليه، حتى ضرب هذا الصراع الحزب الحاكم نفسه (حزب نداء تونس)، فأصبح لهذا الحزب جناحان، جناح يقوده ابن الباجي السبسي حافظ، وآخر يقوده يوسف الشاهد. وحركة النهضة بين أحضان هذا وذاك؛ وهكذا لا وزن لها ولا لون، ولا مرتكزات سياسية أو فكرية؛ تنبثق من الإسلام.
2- كثرة الحكومات والتغييرات السياسية؛ حيث تعاقب على تونس منذ الثورة 2010 ثلاثة رؤساء، وثماني حكومات، دون أن يكون لذلك أي أثرفي القضاء على ألوان الفساد.
3- خصخصة الشركات والمؤسسات العامة؛ من أجل الموافقة على أخذ القروض من صندوق النقد الدولي، حيث تهدف الحكومة الحالية لخصخصة حوالي 15 مؤسسة عامة بحلول 2020. وقال رئيس الوزراء يوسف الشاهد: (إن بيع بعض الشركات العامة حل لتمويل الميزانية العاجزة)، وأضاف في كلمة أمام البرلمان: (إن عجز الشركات العامة بلغ 2.72 مليار دولار، مؤكدا أن الدولة لا تعتزم بيع الشركات العاملة بقطاعات حيوية مثل الكهرباء والغاز وتوزيع المياه...).
فالخصخصة تعني تمليك مقدرات الشعب وأملاكه لشركات هي في الغالب أجنبية، أو متصلة بالأجانب عن طريق بعض المتنفذين في الداخل.. وتصبح البلاد جميعها مرهونة بأيدي فئة قليلة عابثة فاسدة مفسدة؛ تنهب البلد، وتخلف الشعب وراءها في أزمات تلو أزمات. وماذا بعد ثماني سنوات من الضياع والانحدار إلى القاع؛ في ظل الأكاذيب السياسية، ودجل الأحزاب السياسية، أين وصلت تونس وسفينتها في هذا البحر الفاسد المفسد العاتي الأمواج من كل اتجاه؟!
إن مثل الشعب التونسي اليوم مع هذا الفساد والإفساد المقصود الممنهج؛ هو كمثل السفينة التي اعتلاها الجهلاء المفسدون، وأرادوا خرقها لإغراقها بمن فيها. وقد شبه الرسول الأكرم e هذا الواقع فقال: «مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا؛ كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا، وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِن الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقاً وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعاً، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعاً». رواه الإمام البخاري... نعم لقد أصاب قوم أعلى السفينة في تونس (رأس الهرم في الجهاز الحاكم)، وقوم أسفلها (الأتباع والأشياع لهذا الجهاز في أجزاء السفينة)، وبدأوا جميعا بخرقها من كل اتجاه، وهي تغرق في بحر من الفساد واللصوصية والمافيات المنظمة؛ المتربعة في الأوساط السياسية المجرمة؛ من مخلفات أتباع وأعوان بن علي.
والآن جاء دور الشعب التونسي؛ ليأخذ على أيدي هؤلاء المجرمين المفسدين ممن يريدون لتونس أن تغرق فيهلك أهلها جميعا، جاء دور أهل تونس ليأخذوا على أيدي هؤلاء السفهاء؛ عملاء الدول الكافرة وعملاء يهود، جاء دور المخلصين في هذا الشعب ليلتف حولهم كل الغيورين الشرفاء الأمناء؛ ممن يعز عليهم أبناء شعبهم، وتعز عليهم أمتهم، ودينهم السامي العظيم. فهل سيحصل في تونس ما حصل في الثورة السابقة؛ بخلع رأس الهرم المفسد، وبقاء باقي ألوان الفساد وجذوره تسرح وتمرح في تونس؛ لتنمو شجرة الفساد من الجذور الباقية من مخلفات الفساد، وتأخذ مكان من سبقوها فيه؟! هل سيُحدِثُ الشعب ثورة على منوال الثورة السابقة؛ يلتفت إلى جزء من الفساد والظلم في النواحي الاقتصادية، أو في جوانب من الحريات، وينسى دينه ومبدأه وفكره السامي العريق؛ غير مطبق في أرض الواقع، ويرضى بأنظمة الكفر تطبق في بلاد الإسلام؟! هل سيرضى بأنصاف الحلول، وتمرر عليه مسرحيات الكذب والدجل، والخداع السياسي؛ بأن الأمور قد تغيرت وهي في الحقيقة كما هي لم يتغير منها شيء؟! يقول الرسول e في الحديث ناصحاً وموجِّها: «لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ» رواه الإمام البخاري. نعم لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين، فلا يكتفي أهل تونس في هذه المرة بخلع رموز الفساد؛ من هذه الشخصيات العميلة الحاكمة المتنفذة؛ بل يجب عليهم في هذه المرة أن يخلعوا كل أسباب الفساد من جذورها، وأنيخرجوا إلى بر الأمان؛ تماما كما فعل القادة من أجدادهم؛ أمثال موسى بن نصير، وعقبة بن نافع، وطارق بن زياد وغيرهم من المخلصين الأبرار.
يجب على المخلصين الواعين من أهل تونس الخضراء أن يخلعوا هذا الثوب النتن النجس نهائيا، ويُلبسوا تونس حلتها القشيبة البهية العلية، حلة الرفعة والمجد والشرف الرفيع... نعم، فأهل تونس هم أحفاد الصحابة الفاتحين؛ أبناء الزيتونة والقيروان، وإنهم ليستحقون الخير على أساس الخير الصحيح... فليأخذ العقلاء من أبناء تونس؛ من السياسيين وأبناء الجيش المخلصين؛ ليأخذوا على أيدي هؤلاء الصبية الصغار، ويخلعوهم من أرض الطهارة والعفاف؛ تماما كما تخلع النبتة السامة من الأرض الطيبة.
هذا نداء حار إلى أبناء تونس أن يهبوا في وجه الفساد على أساس الإيمان، على أساس الفكر النقي الصحيح، على أساس دينهم وتاريخهم وحضارتهم، ليعيدوا لهذا البلد تاريخه العريق، وليكون فاتحة خير إلى كل الشمال الإفريقي، شمال موسى بن نصير وطارق بن زياد...
نسأله تعالى أن يكرم أهل تونس بفتح قريب من الله العلي العظيم
رأيك في الموضوع