صرح وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أنه "شهد" أمام الكونغرس بأن السعودية والإمارات، العضوين في التحالف العربي، تتخذان تدابير لخفض المخاطر على المدنيين في عملياتهما العسكرية في اليمن، وهي خطوة رئيسية لضمان استمرار الدعم الأمريكي للتحالف. فشهادة بومبيو تشير إلى نوع من الإحراج جرّاء تلوث صورة أمريكا بسقوط أعداد كبيرة من المدنيين الأبرياء ضحايا لعمليات القتل الجماعي بالأسلحة والقذائف الأمريكية، الأمر الذي يدفع وزير الخارجية وأيضاً المسؤولين في الإدارة الأمريكية إلى تليين الخطاب في الشكل وتحديداً فيما يتعلق بإنهاء الحرب كلامياً.
فيما الواقع والميدان والعمليات العسكرية للقوات الأمريكية وفق المهمة الملقاة على عاتقها - بحسب الاعتراف الأمريكي تشارك واشنطن بالدعم الاستخباراتي واللوجستي وتزويد الطائرات بالوقود جواً وفرق خاصة لتحديد الأهداف على الحدود اليمنية - تسير جنباً إلى جنب قوات "التحالف" وهي مستمرة من دون أي تغيير.
أما مزاعم الحرص على الوضع الإنساني فيُراد منها بشكل أساسي إبعاد واشنطن من المسؤولية المباشرة وفي الوقت ذاته إيجاد مبررات للعدوان بادعاء بومبيو أن حكومتي السعودية والإمارات تتخذان خطوات ملموسة للحدّ من خطر الإضرار بالمدنيين والبنية التحتية جراء عملياتهما العسكرية في اليمن، علماً أن الإدارة الأمريكية الحالية لا تهتم كثيراً بتبعات مثل هذه الأمور، لكن حجم المأساة والتجاوزات المتفلتة للعدوان كبيرة إلى الحد الذي يحرج حتى هذه الإدارة.
إن جرائم دول التحالف في عدوانها على اليمن لا تقتصر على العمليات العسكرية القتالية، بل تجاوزت في عدوانها الجوانب الأخرى، فقد دمرت هجمات المقاتلات السعودية ما يقارب من نصف مرافق الرعاية الصحية والبنى التحتية اليمنية في 30 مستشفى وعيادة ومستوصفاً طبياً وأصبحت غير صالحة للاستعمال وما أصيب به أهل اليمن من أمراض كالكوليرا والدفتيريا وغيرها من الأمراض خير شاهد على ذلك، بالإضافة إلى تدمير العديد من المطارات ومحطات الطاقة الكهربائية والطرق والجسور والمدارس، ناهيك عن جرائم استهداف المناطق الآهلة بالسكان، حيث تم قتل الآلاف من الأطفال والنساء والشباب والشيوخ، وحرمان آلاف الطلاب من مواصلة تعليمهم، بسبب استهداف مدارسهم أو تشريدهم من أماكن سكناهم.
كما أن عدم تلقي مئات الآلاف من موظفي الجهاز الحكومي أي رواتب خلال العام الماضي، عرضهم لسوء التغذية، كما تهدد المجاعة حياة ملايين آخرين، بالإضافة إلى البطالة الحادة بسبب استغناء القطاع الخاص عن آلاف العاملين، ناهيك عن تعرض شركات ومصانع القطاع الخاص للاستهداف من طيران التحالف، وإنهاء عقود المتعاقدين مع الجانب الحكومي بسبب شح الواردات وتوقف الصادرات وعلى رأسها النفط والغاز.
إن النظام الرأسمالي الذي يدعي زوراً وبهتاناً ما يسمى بحقوق الإنسان وحماية المدنيين يتناقض مع نفسه، وذلك بالتناقض الواضح بين تصريحات بومبيو من جهة، ومن جهة أخرى إجراء الصفقات الكبرى لبيع الأسلحة بأنواعها لدول التحالف وعلى رأسها السعودية، والتي تفتك بالشجر والحجر فضلا عن البشر، فها هي بريطانيا تعقد صفقة أسلحة ومعدات عسكرية مع السعودية منذ بدء السعودية حملتها العسكرية في اليمن عام 2015م تصل إلى 3.3 مليارات جنيه إسترليني (4 مليار دولار تقريبا)، كما وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صفقة أسلحة بقيمة 350 مليار دولار مع السعودية،وكانت الصفقة الكبرى في تاريخ العالم، وكان قد تم إبرام صفقة عسكرية بين أمريكا والإمارات قيمتها 75 مليون دولار.
ودول الخليج، ومن بينها السعودية، تعلم خطة أمريكا في اليمن، وأن تلك الخطة قد تحرق المنطقة ولكن هذه الدول رغم علمها بما يحاك ضدها وضد ثرواتها وشعوبها، فهي تعمل على دعم تلك الخطط بل وتقوم بتنفيذها لأنها دول عميلة تنفذ أوامر أسيادها، فكما أن السعودية عميلة أمريكا تقوم بدورها المفروض عليها، فكذلك الإمارات وقطر وبقية دول الخليج فهي تعمل لتنفيذ خطة بريطانيا في مقابل خطة أمريكا.
إن عدم معرفة الغالبية العظمى من أهل اليمن أن الصراع على اليمن هو صراع سياسي دولي أنجلو أمريكي تتزعمه إقليمياً السعودية والإمارات وإيران، أدى ذلك إلى عدم معرفة الحل الصحيح للخروج من هذا الصراع بل أدى بأهل اليمن للانغماس فيه إما لهثاً وراء مصالح دنيوية، وإما خضوعاً لضغوطات من أحد أدوات أطراف الصراع سواءً الإقليمية أو المحلية، كذلك انجر أهل اليمن نتيجة عدم الوعي السياسي وراء تصريح بومبيو وزير الخارجية الأمريكي وأخذوه بمحمل الجد بأن السعودية والإمارات حريصتان على المدنيين في اليمن، ولم يدركوا أنهما أداتان إقليميتان من أدوات الصراع الدولي على اليمن، وما ارتكبتاه من جرائم ضد أهل اليمن ماثل للعيان ولا زال مستمراً بالإضافة لإيران.
وبعد فشل مشاورات جنيف الأخيرة التي تغيب عنها وفد الحوثيين، إذا بالتحالف بقيادة السعودية يكثف من ضرباته الجوية وخاصةً على محافظة الحديدة تمهيداً لاقتحامها من قوات هادي، وذلك رداً على تعنت الحوثيين لعدم حضورهم المشاورات وكأنها بضوء أخضر أمريكي لترويض عميلها الحوثي، فاستغلتها قوات هادي عميل بريطانيا - صاحبة الدهاء والخبث - في بسط سيطرتها على الأرض حسب خطة بريطانيا والمتمثلة في حسم الصراع عسكرياً بدعم وإسناد إماراتي.
إن ما يحدث من دمار وخراب في اليمن لا يهم أطراف الصراع الدولي أمريكا وبريطانيا، وكذلك هو الحال بالنسبة لأدواتهما على المستوى الإقليمي المتمثل في السعودية والإمارات وإيران، فالذي يهم الأدوات الإقليمية هو خدمة أسيادهم ونيل رضاهم وذلك بتقديم أشلاء ودماء وأرواح الأبرياء من أهل اليمن قرابين رخيصة الثمن لا ذنب لهم إلا أنهم وقعوا ضمن حلبة الصراع الدولي في وقت غياب خليفة المسلمين الذي يتقى به ويقاتل من ورائه أعداء الإسلام.
هكذا هو حال الأمة في غياب الإمام الراعي لشؤونها والذائد عن حياضها، وستبقى أمة الإسلام في تدرّكها وانحطاطها حتى تعرف خلاصها بفهمها لدينها وتطبيقه في واقع حياتها، بإقامة دولتها وكيان تنفيذ أحكام وأنظمة عقيدتها، دولة الخلافة على منهاج النبوة، تطبق مبدأها على رعاياها، وتحمله رسالة هداية ونور ورحمة لكل من سواها بالدعوة والجهاد. ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.
بقلم: الأستاذ عبد الله القاضي – اليمن
رأيك في الموضوع