اختتمت كل من تركيا وروسيا وإيران اجتماعهم التاسع في أستانة قبل أيام، دون جديد يُفصح عنه، فقط كان الاجتماع للاطمئنان على صحة مسيرة العملية السياسية الأمريكية، والتي يتوزعون أدوار تنفيذها فيما بينهم، فرغم أن الاجتماع سبقه عمليات تهجير ممنهجة على يد روسيا المُجرمة ومعها نظام إيران وأسد، إلا أن هذا لم يكن حديث المؤتمر لا من قريب ولا بعيد، ولم تتكلف تركيا باستنكاره أو شجبه كما جرت العادة.
لم تفعل تركيا أيّاً من ذلك ربما لأن هذا ما كان متفقاً عليه في أستانة8، وإذا لم يكن متفقاً عليه فهو أمرٌ لا يُعتبر جريمة في عرف النظام التركي الذي لطالما ادّعى صداقته للثورة وأهلها، ولا يُعدّ القائمون بهذه الجريمة إرهابيين بحسب القانون التركي، وبهذه المواقف المُخزية يتكشف دور النظام التركي الطاعن في ظهر الثورة، والمُنسق مع أعدائها لتسليمها بعد خلع أنيابها وتقليم أظافرها وترويضها.
"مناطق خفض التصعيد" تحت هذا العنوان العريض تمّ عقد صفقات بيع المناطق المُحيطة بدمشق العاصمة، وتلاها القلمون، ومن ثم ريف حمص الشمالي، مما يؤكد أن نظام المجرم أسد استطاع أن يأخذ عبر هذه المؤتمرات ما لم يستطع الحصول عليه طوال سنوات الثورة، رغم تلقيه الدعم بكل أصنافه وأشكاله، ورغم قلة إمكانيات الثوار وضعف ما يمتلكونه.
حيتان كبيرة من الخارج تتآمر على أهل الشام وكذلك وُجدت ضفادع صغيرة كانت خنجراً آخر يعمل في الجسد فيُرهقه ويُتعبه ويجعله فريسة سهلة المنال لعدوه، ورغم وجودهم بين الثائرين طوال أيام الثورة، إلا أن دورهم وقت الاستسلام كان أعظم تأثيراً من دورهم أيام القتال، هذا يضع الثوار اليوم أمام تحدٍّ جديد لا يقل خطراً عن غيره.
صحيح أن مُخرجات المؤتمرات المُعلنة وغير المُعلنة قد تحقق جلّها، وصحيح أن النظام المُجرم ومِن خلفه روسيا يحاولون أن يظهروا بمظهر المُنتصر، إلا أن الحقيقة أنه انتصار موهوم، وأن ما حصل كان فيه خيرٌ كثير ربما قد خفي على البعض ولكن المُدقق يجد بين طيّات المُلمّات والمصائب خيراً عظيماً يتمثل في تنقية الصفّ المؤمن من الشوائب والنفوس الضعيفة.
ويتمثل هذا الخير أيضاً في انكشاف أدوات النظام المُجرم، وكذلك انكشاف قادة الفصائل الذين كانوا شريكاً في جرائم التهجير، عن حسن نية أو سوء طوية؛ انكشاف هؤلاء ومعهم دولٌ ادّعت يوماً وقوفها بجانب المسلمين في الشام كتركيا والسعودية، هذا الانكشاف يؤكد الحقيقة التي لطالما سعت وسائل الإعلام التابعة لهذه الدول لإخفائها.
الحقيقة التي أكّد عليها حزب التحرير مراراً وتكراراً، أن الثورة لا بدّ لها من مشروع تسير وفقه ولأجله، وتجتمع عليه، بقيادة سياسية واعية مخلصة تستثمر الإمكانيات والطاقات الموجودة وتوجهها حيث الهدف الواضح والغاية البينة؛ إسقاط للنظام برمّته وتحكيم شرع الله بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
لقد كانت الأحداث الأخيرة خير شاهد على أن حقيقة الثورات هي تغيير للأفكار والمفاهيم ليتبعها تغيير في أنظمة الحياة وسلوكيات أجهزة الدولة، فعلى الثوار أن يُدركوا هذه الحقيقة ويمتثلوا لها ويعملوا بها فيُغيروا ما ورثوه عن نظام المجرم أسد من مجموعة الأفكار والمفاهيم كالوطنية المنحطة والقومية الضيقة، ليستبدلوا بنظامه الديمقراطي الرأسمالي، نظام الإسلام شريعة الرحمن.
وكذلك فإن من الخير الذي اكتنف أحداث ثورة الشام أن بات من المُسلّمات لدى الجميع، أن الثورات لا تنتصر إلا بالاعتماد على ذاتها وعدم الارتباط بالدول القائمة في العالم اليوم، فهي لن تُحقق مصالحها فحسب، بل ستستخدم الثورة لتحقيق مصالحها، ولن تأبه هذه الدول لا بدماء ولا بأشلاء، ولا تعرف حقوق إنسان ولا غيره، وما ترفعه من شعارات ما هو إلا للخداع والتضليل الذي يخدم تحقيق مصالحها فقط.
وبناء عليه لا بدّ أن نعلم أن طريق إسقاط الطغاة واستبدال شرع الله وحكمه بهم، هذا الطريق حكم شرعيٌ، يجب الالتزام به وبكيفيته، وهو طريقٌ محفوف بالمكاره والصعوبات، لا يصح للسائرين فيه أن يكلّوا أو يملّوا أو ييأسوا، فهو طريق المؤمنين العاملين، تجد تعليمات السير فيه في كتاب الله مسطوراً إلى يوم الدين، فهو قد خاطب المؤمنين مُحذراً من الهوان فقال: ﴿وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
فعلى الثائرين في الشام أن يتلمسوا خطاهم مستنيرين بكتاب الله وبسنة نبيه e، فيلتزموا أوامر ربهم بعدم الركون للظالمين، والولاء للمؤمنين، واتباع سيد المُرسلين، والسير على نهجه في إسقاط الطغاة، فلا تنازل ولا هوان، بل ثبات على المبدأ وعزّة على الأعداء، وثقة بنصر ربّ العالمين، فمهما طال ليل الظالمين فلا بد أن يبزغ فجر عدل الإسلام، عندما تُقام الخلافة على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع