(مترجمة)
عقد قادة كوريا الشمالية والجنوبية اجتماع قمة مفاجئاً يوم الجمعة 27 نيسان/أبريل 2018 في قرية بانمونجوم الحدودية في منطقتهم المنزوعة السلاح ، وأصدروا إعلانًا يدعو إلى "السلام والازدهار وتوحيد شبه الجزيرة الكورية" والتزموا العمل من أجل "نزع السلاح النووي الكامل لشبه الجزيرة الكورية". إذا استمر هذا الأمر، فإنه سيؤدي إلى إنهاء حالة الحرب التي استمرت على مدى السنوات الـ65 الماضية وثبت أنها مصدر دائم لعدم الاستقرار والتي أدت إلى وقوع نزاعات عدة منها الصراع العسكري؛ مما هدد المنطقة بأسرها بالركود في بعض الأحيان. وظهور كوريا الشمالية كقوة نووية بالإضافة لسعيها مؤخرا لتطوير تكنولوجيا الصواريخ بعيدة المدى؛ كل ذلك هدد بشكل مباشر أراضي أمريكا.
لقد عُقد اجتماع القمة هذا بإذن أمريكي وتم إعداده استعدادًا لاجتماع قمة أكثر أهمية تم الإعلان عنه بالفعل بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، ومن المتوقع أن يتم في شهر أيار/مايو الجاري. كما قام مدير وكالة المخابرات الأمريكية مايك بومبيو بزيارة سرية إلى كوريا الشمالية قبل هذا الاجتماع في أوائل نيسان/أبريل.
لقد شهد المناخ السياسي بالفعل تغيرا دراماتيكيا. ففي العام الماضي كان دونالد ترامب يهدد بحرب نووية، وكانت الصين تتعرض لضغوط لفرض عقوبات أكثر صرامة على كوريا الشمالية، وشهدت اليابان تجارب صاروخية لكوريا الشمالية تحل فوق جزرها، وأصبح كيم جونغ أون أكثر عزلة ولم يعقد اجتماعًا رسميًا مع رئيس أي دولة أخرى في العالم. لكن كيم التقى ليس فقط بالرئيس الكوري الجنوبي مون جاي، بل أيضا مع الرئيس الصيني شي جين بينغ بالإضافة إلى اجتماعه مع دونالد ترامب.
على الرغم من أن ترامب يبذل قصارى جهده لينسب له الفضل كاملا لهذه الأحداث، فإن الحقيقة هي أن أي تطبيع للعلاقات في شبه الجزيرة الكورية يتعارض مع السياسة الأمريكية طويلة الأجل. فالسيادة الصينية تمثل التحدي العالمي الرئيسي لأمريكا في هذا الوقت. فأمريكا ترى أن هيمنة الصين على بحر الصين الجنوبي تشكل تهديدًا مباشرًا للسيطرة الأمريكية على المحيط الهادئ الذي تعتبره أمريكا مياهها الخاصة. ومن أجل محاربة الصين فإن أمريكا مستمرة في تأجيج الصراع الكوري، مما يوفر لها ذريعة لمواصلة وجودها العسكري المكثف في كوريا الجنوبية، بما في ذلك مؤخرًا وضع نظام (ثاد) الأمريكي المستهدف في كوريا الشمالية عام 2017، ولكن رادارها القوي يمكنه بسهولة اختراق المجال الجوي الصيني. بالإضافة إلى ذلك، يساعد الصراع الكوري أيضًا على تبرير الوجود العسكري الأمريكي طويل المدى في اليابان المجاورة. وهذا هو السبب في أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استخدم مثل هذا الخطاب المتصاعد ضد كوريا الشمالية في العام الماضي، حتى إنه كان يهدد بالحرب النووية التي قد تتسبب في دمار وهلاك لا يمكن تخيلهما، ليس فقط في كوريا حيث تبقى القوات الأمريكية متمركزة في المنطقة بأكملها، بل إن الآثار البيئية ستمتد لتضر العالم بأسره.
حتمًا أتت لغة ترامب العنجهية بنتائج عكسية، ما دفع وزير خارجيته (السابق) ريكس تيلرسون إلى تهدئة الموقف الأمريكي. علاوة على ذلك، سمحت له قلة خبرة تيلرسون في السياسة بالانخراط في خطة هندسية بريطانية لتهدئة النزاع الكوري، حيث قام برعاية مؤتمر في فانكوفر في 16 كانون الثاني/يناير 2018 يدعو كوريا الشمالية إلى الدخول في مفاوضات، حيث تمكن كيم جونغ أون من إرسال وفد رفيع المستوى برئاسة أخته إلى دورة الألعاب الأولمبية الشتوية التي تقام في كوريا الجنوبية. إن البريطانيين لديهم أهدافهم الشريرة، ويهدفون إلى جعل الصين وأمريكا في صراع مباشر مع بعضهما البعض بدلاً من صراعهما غير المباشر من خلال وكلاء. على أي حال، فبعد قبول كوريا الشمالية للمفاوضات، الأمر الذي أعلن عنه في 8 آذار/مارس 2018، لم يكن أمام ترامب خيار سوى طرد تيلرسون الذي حل محله الآن بومبيو كوزير للخارجية. في الواقع لا يعتبر تأييد ترامب القوي لهذه المحادثات أكثر من مجرد محاولة لاستعادة المبادرة بشأن الصراع الكوري.
لقد كان دور الرئيس مون جاي-إن في كوريا الجنوبية هو المفتاح لهذه التطورات. يتمتع مون بتاريخ طويل من المعارضة لأمريكا والمصالح الأمريكية في كوريا الجنوبية، ولديه أيضًا خبرة سابقة في الاتفاق مع "سياسة الشمس المشرقة" التي اتبعها رئيسه روه مو هيون في الفترة (٢٠٠٣-٢٠٠٨) لكنه تركها بعد ذلك. وكان سلف "مون" السابق، "بارك جن-هي" المؤيد لأمريكا هو الذي سمح بتركيب منظومة ثاد، وكان على الأمريكيين أن يُهرعوا لتركيبها عشية صعود مون، مع العلم بموقفه المناهض لأمريكا. على الرغم من ذلك، أبدى مون جاين أقصى قدر من اللباقة والنضج في سعيه لتحقيق أهدافه، وأعطى لترامب شخصياً عناية كبيرة لكل ما يسعى ليحققه، ورحب بتطبيق ترامب العام لخطة معادية تمامًا لأمريكا في الغرض والتصميم.
من المحتمل جداً أن يتمكن ترامب من استعادة المبادرة على كوريا وإيجاد طريقة جديدة لإثارة الصراع على أرض الصين ربما ببعض التنازلات في المقابل. في نهاية المطاف، فإن المصدر الفعلي للخطر وعدم الاستقرار بالنسبة للعالم هو المبدأ الرأسمالي العلماني الذي يسعى وراء المصالح المادية لاستبعاد كل شيء آخر. لا يمكن إنقاذ البشرية إلا بعودة الإسلام إلى الحكم. ستواجه دولة الخلافة على منهاج النبوة، بل ستحتوي وتبدد صراعات اليوم مما سيعيد العالم إلى السلام والعدل والازدهار، كما حدث في الألفية التي قادت فيها دولة الخلافة العالم في السابق.
بقلم: الأستاذ فائق نجاح
رأيك في الموضوع