إنّ ما صدر في البيان الختامي لمؤتمر بيت المقدس الإسلامي الدولي التاسع، الذي انعقد في مدينة رام الله منتصف الأسبوع الماضي، من أن مدينة القدس المحتلة هي عاصمة فلسطين الأبدية، وزيارتها واجبة وفرض على المسلمين ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وإعلانه في البيان الختامي أن الشخصيات التي حرمها الاحتلال من الدخول إلى فلسطين مدعوة لحضور المؤتمر العاشر لشد الرحال إلى القدس والمسجد الأقصى المبارك، وكافة الأماكن المقدسة الإسلامية والنصرانية، داعيا العلماء والدعاة إلى حث المسلمين على ذلك، باعتباره فضيلة دينية وضرورة سياسية، من أجل حماية القدس وكافة الأماكن المقدسة في فلسطين، إنّ مخرجات المؤتمر هذه تدلل على أنه خطوة جديدة في مسيرة التطبيع وحلقة إضافية من حلقات التفريط والتنازل التي تقودها منظمة التحرير وعلى رأسها محمود عباس وسلطته الآثمة.
حيث إنّ إصرار عباس وزمرته في كل مناسبة وحين على الترويج للزيارات التطبيعية لفلسطين بشكل لافت وغير مسبوق يدلل على مدى حرصه على إنجاح مشروع السلام الخياني حتى آخر رمق في حياته.
وهو هذه المرة بعد أن بليت شعاراته الوطنية وثوابته المتهتكة قد لجأ إلى تسخير الدين والمصطلحات الإسلامية لتمرير التطبيع مع الاحتلال وتعزيزه، وهو بذلك يتآمر على فلسطين والمسجد الأقصى تحت زعم الحرص والتمسك بهما، ويريد أن يجعل الخيانة والتفريط أصلا وشائعا وعاما بين المسلمين حتى لا يبقى وحده وسلطته المارقة في هذا الوحل.
وإلا فهل يخفى على عاقل أو من عنده ذرة من إخلاص بأن زيارة المسجد الأقصى وفلسطين تحت حراب الاحتلال وفوهات بنادقه وبالتنسيق مع سفاراته هو قبول واعتراف بشرعية الاحتلال وأحقيته في السيادة على فلسطين والمسجد الأقصى؟! أليس هذا من المسلمات العقلية والسياسية؟! نعم، هي كذلك وهو يعلم ذلك ومن معه، ولكنه هو ومن سار على دربه يخادعون أنفسهم ليبرروا "التنسيق الأمني المقدس" مع الاحتلال كما وصفه عباس نفسه.
فعباس يريد للأمة أن تنتقل في تفكيرها من قتال يهود وتحرير فلسطين وتطهير المسجد الأقصى إلى التفكير بالتعايش مع الاحتلال والمقاومة السلمية لتحصيل بعض المكتسبات الهزيلة، وهو يسعى لبناء العلاقات الدبلوماسية والتطبيعية لتكون مدخلا لإحراج يهود لعلهم يمنّون بشيء على السلطة في مشروع السلام! فهو يريد أن يعزز من مسعاه في دفع يهود إلى السلام مع أهل فلسطين والأمة الإسلامية، في ظل ما يشهده من ممانعة يهود لعملية السلام وطمعهم في كل شيء مقابل لا شيء.
فهو نضال من أجل التفريط والخيانة وتثبيت الاحتلال على أكثر من ثلاثة أرباع فلسطين المباركة، لتحقيق حلمه في إنهاء عذابات يهود وإقامة دويلة فلسطينية هزيلة دورها الأهم هو حماية الاحتلال والسهر على أمنه.
كما أنه بات من المسلَّم به عقلا وواقعا أن يهود ومن خلفهم أمريكا ودول الكفر ما أوجدوا دولة ليهود ليهدموها أو يزعزعوا أركانها، وما قَبِلَ يهود بالسلطة التي أوجدتها أمريكا إلا لأنهم رأوا فيها طريقا لإضفاء الشرعية على كيانهم وتثبيت أركانه من خلال عملية السلام، لذلك فإن كل ما يجري التفكير به أو التخطيط له من خلال برامج السلطة ومشاريعها ودعواتها إنما يصب في هذه الغاية ولا يخرج عنها، ولولا صفة اليهود المذكورة في قوله تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً﴾ لكان قد تم تصفية القضية منذ زمن بعيد بفضل جهود السلطة واستعدادها اللامتناهي للتفريط والتنازل.
أما من يريد تحرير فلسطين فلا يحتاج إلى سلطة تحت الاحتلال ولا إلى تنسيق مع يهود ودول الاستعمار ولا الاستعانة بالحكام الأقنان لتسيير الزيارات التطبيعية، بل عليه العمل من أجل أن تتحرك القوة المتمثلة بالجيوش لأنها المؤهلة والقادرة على التحرير وفرض الأمر الواقع على يهود وأمريكا ودول الاستعمار، وبغير ذلك فإنّ الجهود ستذهب إما هدرا أو في خدمة مشروع التفريط من حيث تدري أو لا تدري.
فالصراع في فلسطين هو صراع على وجود وليس صراعا على حدود وصلاحيات، فقضيتنا مع الاحتلال هي إزالته من جذوره وخلعه من الأرض المباركة فلسطين، وليس تقاسم الأرض والصلاحيات والمقدسات بيننا وبينه، والذي تستميت السلطة وحكام المسلمين عليه.
وتحرير فلسطين طريقه معلوم ولا يخفى على مسلم، فتحرك الجيوش للجهاد في سبيل الله وتحرير فلسطين هو واجب شرعي وهو من المعلوم من الدين بالضرورة، وهو ما يجب أن تتعالى به الأصوات والدعوات، ولهذا يعمل حزب التحرير لاستنفار الجيوش واستنهاض الأمة لتقيم الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي تجمع جيوش الأمة وتحركها صوب فلسطين والمسجد الأقصى المبارك، ونسأل الله أن يكون ذلك قريبا، ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً﴾.
رأيك في الموضوع