أصدر الملك السعودي سلمان بتوصية من ابنه محمد ولي العهد جملة من القرارات الجديدة لتعزيز قبضتهما على الحكم في المملكة، وتمثّلت هذه المرّة بالإطاحة بكبار قادة الجيش السعودي وتعيين قادة جدد، فقد تمّ إعفاء قائد الدفاعات الجوية ورئيس أركان الجيش من منصبيهما، وتمّ تعيين قادة جدد للقوات البرية والدفاع الجوي، وجاء في المرسوم الملكي إنّ: "هذه التعديلات جرت بناء على توصية من وزير الدفاع، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان".
فبموجب الأوامر الملكية الجديدة تم إنهاء خدمات الفريق الركن محمد بن عوض سحيم قائد قوات الدفاع الجوي وإحالته للتقاعد، وتمّ إعفاء الفريق الركن فهد بن تركي بن عبد العزيز قائد القوات البرية من منصبه، وتعيينه قائدًا للقوات المشتركة برتبة فريق ركن، كما تمت ترقية اللواء ركن جار الله بن محمد العلوي إلى رتبة فريق ركن وتعيينه قائدا لقوة الصواريخ الاستراتيجية، وكذلك صدر أمر بترقية اللواء الركن فهد بن عبد الله المطير إلى رتبة فريق ركن وتعيينه قائدا للقوات البرية، فيما ترقّى اللواء ركن مطلق بن سالم الأزيمع لرتبة فريق ركن وتم تعيينه نائبًا لرئيس هيئة الأركان العامة، واللواء الركن مزيد بن سليمان العمرو إلى رتبة فريق ركن وتم تعيينه قائدًا لقوات الدفاع الجوي، وذلك حسبما أعلنت وكالة الأنباء السعودية (واس).
كما صدر أمر بترقية الفريق الركن فياض بن حامد الرويلي إلى رتبة فريق أول ركن وعُيّن رئيسا لهيئة الأركان العامة، ويأتي ذلك التعيين بعد إنهاء خدمات الفريق الأول الركن عبد الرحمن بن صالح البنيان رئيس هيئة الأركان وإحالته للتقاعد.
وادّعت السعودية أن "هذه التعيينات الجديدة هي إجراء طبيعي يتماشى مع خطة تطوير وزارة الدفاع الجديدة".
إنّ حقيقة هذه التغييرات الشاملة التي جرت في الجيش السعودي لا شك أنّها تُعبّر عن تغيير في الولاءات، ومن الواضح أنّ محمد بن سلمان هو الذي يقف وراءها، فهي أصلاً جاءت بتوصية منه، وهو بذلك يقوم بصياغة قاعدة عسكرية سلطوية جديدة ترتكز حول شخصيته، فالإطاحة بقادة كبار بجرة قلم بمثل هذه الطريقة وهذه السرعة، وتعيين قادة عسكريين جدد بدلاً منهم لرئاسة هيئة الأركان بالجيش ولقوات الدفاع الجوي والقوات البرية، تُعتبر بمثابة انقلاب عسكري حقيقي ضد رجال العسكر الذين لا يرغب ابن سلمان ببقائهم في مناصبهم، لشكوكه بولائهم له.
وهؤلاء المُقالون يُعتبرون من المخضرمين في الجيش، ومن أولئك الذين كانوا مُعينين من أيام الملك عبد الله وربما قبله، وهناك شكوك لدى سلمان وابنه بوجود ميول بريطانية لديهم، وقيام ابن سلمان بتنظيف الدولة من كل رجال العهد السابق بات أمراً مألوفاً، فكان أول المُطاح بهم ولي العهد السابق مقرن ورئيس الديوان السابق التويجري وهما من أقرب المقربين للملك السابق عبد الله، ثمُ أطيح بمتعب نجل الملك عبد الله رئيس الحرس الوطني السابق، وأطاحوا على التوالي بكل رموز العهد السابق من السياسيين ورجال المال والاقتصاد، وانتهوا أخيراً بقادة الجيش والعسكريين ممن يُشك بولائهم، أو ممّن لا يوثق بهم.
وهذه التغييرات المُتتالية التي طالت رجال العهد السابق على هذا النحو الممنهج تحمل في طيّاتها عنصراً خارجياً واضحاً، إذ لا يُتصوّر قيام سلمان وابنه بكل هذه التغييرات الانقلابية من دون ضوء أخضر واضح من أمريكا، فعلاقة سلمان وابنه بأمريكا هي علاقة استثنائية، وزيارة ترامب للسعودية، وضخ الأخيرة نصف تريليون دولار في المصارف والشركات الأمريكية المختلفة فيها من المعاني البديهية التي تُشير بما لا يدع مجالاً للشك اعتماد أمريكا في المرحلة المُقبلة على ابن سلمان باعتباره رجلها المُفضل، وهذا يتطلب من أمريكا دعمه، وتثبيته، والتخلص من خصومه، ومنافسيه، وهو ما يُفسّر كل تلك التغييرات الجذرية التي لم تتوقف السعودية في إجرائها منذ استلام سلمان للحكم، والتي كان آخرها ما جرى داخل الجيش السعودي من إقالات وتسريح لكبار القادة العسكريين.
وسبق هذه التغييرات الأخيرة وتزامن معها إرسال باكستان لخمسة آلاف جندي إلى السعودية لا يقومون بأي عمل عسكري واضح، ولا يُشاركون بأي عمليات عسكرية مع الجيش السعودي في اليمن، وإنّما يبقون داخل السعودية نفسها.
ويبدو أنّ الهدف من إرسالهم هو حماية سلمان وابنه من أي تحرك عسكري مناوئ لهما أو من أي انقلاب مضاد، فإرسال باكستان لهؤلاء الجنود لم يكن له ما يبرّره في هذا الوقت بالذات،فضلاً عن أنّه لم يتضح الدور الذى ستقوم به هذه القوات تحديداً، والبيان الصادر عن الجناح الإعلامي للجيش الباكستاني أكّد أن جنود باكستان "لن يتم استخدامهم خارج" المملكة.
وإذا علمنا أنّ البرلمان الباكستاني كان قد صوّت سابقاً لصالح البقاء على الحياد في الصراع بين السعودية وإيران حول اليمن، وعدم إرسال قوات تشترك مع التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، فإنّه قد يُفهم أنّ إرسال جنود من باكستان الآن إلى السعودية له هدف آخر هذه المرة، ويغلب على الظن أنه لحماية النظام من السقوط خوفاً من حدوث انقلاب عسكري ضد النظام السعودي رداً على قيامه بتنظيف الدولة من بقايا رجال العهد السابق.
وهكذا يستمر الصراع على المنطقة، ويستمر الصراع على السعودية بشكلٍ خاص بين الدول الاستعمارية، فتقوم أمريكا بمحاولة فرض سيطرتها المطلقة على السعودية، وإبعاد كل عملاء بريطانيا السابقين من السلطة ومن مراكز القرار، وذلك من خلال الملك سلمان وابنه، وتستخدم جيوش المسلمين كأدوات لحفظ هذه الأنظمة الطاغوتية العميلة.
فبدلاً من قيام هذه الجيوش بواجبها في الجهاد في سبيل الله، وكنس جميع النفوذ الاستعماري من ديار المسلمين كنساً تاماً، وتمكين الأمّة الإسلامية من إقامة دولة الخلافة على منهاج النبوة، تُستخدم هذه الجيوش في خدمة مصالح الدول الاستعمارية الكبرى، لكنّ هذا الاستخدام لن يطول، فجيوش الأمة باتت تقترب من الحاضنة الجماهيرية، وقد اقترب اليوم الذي تقوم فيه هذه الجيوش بدورها الطبيعي في نصرة من يعمل لإقامة دولة الإسلام وتطبيق الحكم الإسلامي وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم ونشر العدل والهداية للبشرية جمعاء.
رأيك في الموضوع