الوضع في سيناء هو غاية في التعقيد ويخضع لتعتيم إعلامي شديد، حيث من غير المسموح نقل أو نشر أي أخبار تتعلق بما يحدث هناك إلا في إطار ما يريده النظام وبتوجيه صريح منه، بحيث يكون هو المصدر الوحيد للخبر. وقد رأينا ما حدث مع مراسل جريدة المصري اليوم أحمد أبو دراع الذي أحيل سابقا للقضاء العسكري، الأمر الذي جعل سيناء منطقة شبه مغلقة يفعل فيها النظام ما يشاء فيهجّر ويهدم المنازل ويقتل بعيدا عن أعين الإعلام الفاضحة التي قد تثير الرأي العام العالمي، فهو الذي يخشاه. حيث لا يعبأ بأهل الكنانة؛ فآلة قمعه موجهة لهم ومستعدة لسحق الآلاف منهم بلا رحمة مع أي بادرة احتجاج أو اعتراض، وأحكام الإعدام جاهزة لكل من تسول له نفسه تحريض الناس على ثورة ضد النظام المجرم ورأسه الجزار.
إن هذه الحملة التي يقوم بها النظام ضد أهل سيناء ليست هي الأولى ولن تكون الأخيرة طالما بقي كيان يهود وظل النظام في حاجة لما يستجدي به دعم الغرب في حربه مع (الإرهاب) المزعوم لكونه يحمي ويؤمن كيان يهود، ورأس النظام نفسه أعلن صراحة أنه لن يسمح بأن تصبح سيناء منطقة خلفية لهجمات ضد كيان يهود، الأمر الذي ترجمه التنسيق المستمر مع كيان يهود بشأن الحملات المستمرة في سيناء سواء من الناحية الاستخباراتية أو العسكرية، فمن البدء يشن الجيش المصري حملاته الأمنية في سيناء استناداً إلى معلومات تقدمها الأجهزة الاستخباراتية في كيان يهود، على حد قول كبير المعلقين العسكريين في صحيفة "يديعوت أحرنوت"، رون بن يشاي، بحسب "العربي الجديد". في 1/11/2014م، وأوضح أن "الجيشين المصري و(الإسرائيلي) يتقاسمان المسئوليات في الحرب على الجماعات الجهادية في سيناء، بحيث يقوم الجيش المصري بشن الحرب الفعلية على الجهاديين، في الوقت الذي تتولى فيه (إسرائيل) توفير المعلومات والتقديرات الاستخباراتية استناداً إلى مصادرها البشرية والإلكترونية". ومنذ أيام قال يسرائيل كاتس، وزير الاستخبارات في كيان يهود، بحسب القدس العربي إن هناك مصلحة مشتركة عميقة بين كيان يهود ومصر لمنع وجود تنظيم الدولة في سيناء، وهناك تعاون أمني استخباراتي كبير بين القاهرة وتل أبيب. وأضاف لصحيفة "يديعوت أحرونوت"من الطبيعي أن تنشأ عمليات ميدانية للمسّ بتنظيم الدولة، ومنعه من تنفيذ تهديداته ضد الجانبين، لأن التنظيم سبق له أن ضرب إيلات والنقب. وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" قد أفادت بأن سلاح الجو في كيان يهود قدم مساعدة لمصر في حربها ضد تنظيم الدولة في شبه جزيرة سيناء، مضيفة أنه قصف خلال العامين الأخيرين أكثر من 100 هدف تابع لتنظيم الدولة بموافقة السيسي. وحسب الصحيفة الأمريكية فإن مقاتلات ومروحيات وطائرات من دون طيار تابعة لجيش يهود شاركت في الضربات الجوية، بعد أن تمت إزالة كل ما من شأنه أن يدل على أنها تابعة لسلاحه الجوي. وقالت مصادر أمريكية للصحيفة، إن هجمات كيان يهود ساهمت في تغلب الجيش المصري على التنظيم في سيناء. ونفت القاهرة هذه التقارير، مشيرة إلى أنها عارية عن الصحة.
واتهمت منظمة العفو الدولية (أمنستي)، الجمعة 16/2/2018، الجيش المصري "باستخدام قنابل عنقودية، ضمن الحملة العسكرية الجارية في سيناء"، وطالبت بـ"الوقف الفوري لذلك"، جاء ذلك في بيان للمنظمة أن "خبراء بالمنظمة حللوا الفيديو، الذي نُشر على الصفحة الرسمية للمتحدث باسم الجيش المصري على موقع تويتر، ويُظهر أفرادا من الجيش المصري يحمّلون مقاتلات مصرية بقنابل عنقودية". وفي مقابلة هاتفية مع صحيفة "نيويورك تايمز"، رفض عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي السيناتور "بنيامين كاردين"، مناقشة تفاصيل العمليات العسكرية لكيان يهود في مصر، لكنّه قال إنّ "(إسرائيل) تحب الخير لجيرانها". وتابع قائلاً إنّ "الدولة العبريّة لا تريد الأشياء السيئة التي تحدث في سيناء المصرية الوصول لـها"، لافتًا إلى أنّ الجهود المصرية لإخفاء دور كيان يهود عن رعاياها ليست ظاهرةً جديدةً، على حدّ قوله. ونظرًا لاعتماد مصر على جيش يهود، فإنّ البعض في كيان يهود يطالب المسؤولين المصريين والدبلوماسيين ووسائل الإعلام التي تُسيطر عليها الدولة بالتوقّف عن إدانة كيان يهود، خاصّةً في المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة، كما أكّدت الصحيفة.
إن ما يحدث في سيناء الآن والتي تدمَّر فوق أهلها ويجبرون على هجرها لا يستفيد منه سوى يهود، لذلك فهم يعمدون إلى إمداد مصر بكل أنواع الدعم بغية بقاء هذا النظام الذي يسعى بدوره لتصدير كل مشكلاته الداخلية وتعليق فشله في حلها على شماعة الصراع مع تنظيم الدولة والتنظيمات (الإرهابية)، وأخطر ما في الأمر تحول عقيدة الجيش المصري تجاه كيان يهود من العداء إلى الشراكة واعتبار العدو هو (الإرهاب) بمفهومه الغربي الذي يعتبر الإسلام هو مصدر (الإرهاب)، هذه هيحقيقة ما يحاول النظام المصري غرسه في جيش الكنانة وربما يكون هو الدافع الحقيقي وراء ما يحدث في سيناء منذ سنوات وخاصة ما رأيناه ونراه من صراع تُستهدف فيه المساجد والمنازل التي يسكنها أهل سيناء العزل الأمر الذي لم يجرؤ على فعله يهود أنفسهم.
إن الغاية الحقيقية من هذه الحملة على سيناء هي تصدير المشهد أمام الغرب وإظهار النظام الحالي في صورة الحامي لكيان يهود الذي يجب دعمه وإبقاؤه في السلطة خاصة وقد برز على السطح صراع بين عملاء أمريكا في الداخل حتى داخل المؤسسة العسكرية، ظهر جليا في محاولة ترشح أحمد شفيق وسامي عنان للرئاسة ورد فعل السيسي الذيأجبر الأول على الاعتذار واعتقل الثاني وبعض أنصاره داخل الجيش، وقبلهما رأينا ما حدث مع الضابط المصري الذي أعلن نيته للترشح نظرا لتردي الوضع في مصر، لذلك تحتم على النظام أن يوجد ما يشغل به الجيش عن الأوضاع الداخلية المتردية، خاصة مع الغلاء القادم المتوقع وسلسلة القروض التي لا تنتهي، والتي يتحمل أعباءها أهل الكنانة، وفي الوقت نفسه يفرغ طاقاته في صراعات وهمية ترسخ ما يريده من تحويل العقيدة القتالية. إن هذه الأمة حية لا تموت يثبت هذا حقا أمثال الشاب التركي الذي قتل سفير روسيا غضبة لأهل حلب وحتى هذا الضابط المصري الذي أعلن نيته للترشح رغم قلة وعيه يثبت أن في جيوش الأمة مخلصين مهما حاولوا تغييب عقولهم، وإننا نطلب من هؤلاء المخلصين في جيوش الأمة عامة وجيش مصر خاصة أن يوجهوا سلاحهم وجهته الحقيقية نحو الغرب وعملائه وأدواته، وأن تكون غايتهم الكبرى هي اقتلاع هذه العروش التي ارتبطت بالعمالة للغرب وأن يستبدلوا بها حكما رشيدا يطبق الإسلام في ظل الخلافة على منهاج النبوة، التي يطلب حزب التحرير نصرتهم لإقامتها، فهي التي تعالج جميع المشكلات علاجا جذريا شاملا... فيا سعد من ينال شرف العمل معه لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى. نسأل الله أن تكون قريبا وبأيدينا، اللهم آمين ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾.
بقلم: الأستاذ عبد الله عبد الرحمن
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع