لم تتوقف الحرب في اليمن منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات، تلك الحرب التي تدور بين أطراف الصراع المحلية والإقليمية والتي تخدم المستعمر الإنجلو أمريكي في اليمن في صراعه المحتدم على النفوذ والثروة، بل ازدادت اشتعالاً أكثر من ذي قبل، فقد تصاعد لهيبها بقوة في محافظة شبوة فتم للقوات في الجنوب المسنودة من الإمارات المدعومة من بريطانيا إخراج الحوثيين منها نهائيا ثم تصاعد لهيبها في البيضاء والساحل وصولاً إلى محافظة الحديدة في مديرية الخوخة، وكانت تتقدم بقوة وفي زمن قياسي نحو ميناء الحديدة إلا أن ضغوطات أمريكا عليها بشدة جعلها تخفف من سيرها نحو ذلك الهدف خاصة بعد ضربهم من قبل الطيران السعودي، وكذلك فإن المقاومة في الجوف تكاد تخرج مليشيات الحوثيين منها نهائياً، وفي صعدة تتقدم المقاومة المسنودة من السعودية في مديرية البقع وقد استولت على سلسلة جبلية مهمة، وإن كان وجودها في هذه المنطقة هو حراسة للحدود السعودية لتقوية الحوثيين وتدجينهم في الوقت نفسه لفك ارتباطهم بإيران ليكون ارتباطهم مباشرة بالسعودية وعندها ستجري المفاوضات معهم وتقبل السعودية بوجودهم في الحكم وستنزع عنهم صفة الانقلابيين وستعترف بدولتهم وستحاول إجبار جناح هادي على ذلك والدخول معهم في شراكة، ويؤكد ذلك ما يقوم به الطيران السعودي من تكثيف الضرب على بعض مواقع الحوثيين كمعسكر الاستقبال غرب العاصمة صنعاء وضرب المقاومة التي تحاول التقدم في نهم شرق صنعاء وكذلك التي تحاول التقدم في الساحل صوب ميناء الحديدة الذي تعتبره أمريكا خطاً أحمر.
إن هذه الحرب المدمرة هي في حقيقتها حرب بين أمريكا وبريطانيا وهما دولتان عدوتان لدودتان للإسلام والمسلمين عامة ولأهل اليمن خاصة، وكل دولة منهما لها أدواتها؛ فأمريكا أدواتها السعودية وإيران ومليشياتها والحراك الجنوبي الموالي لأمريكا، وأما بريطانيا فأدواتها هي الإمارات وقطر وهادي وصالح التي خسرت بريطانيا بقتله ربع نفوذها في اليمن.
إن هذه الحرب الاستعمارية المدمرة لهي شر لا يطاق، فقد أدت إلى سفك دماء آلاف المسلمين في جبهات القتال في معارك عبثية وتحت قيادة عميلة ومأجورة ورخيصة باعت دينها بدنيا غيرها، أصاب عينيها العمى وأذنيها الصمم عن قول نبيها الكريم محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ» رواه مسلم.
فهذه الحرب قد لحق أهل اليمن منها الضرر الكبير الذي فاق حد التصور؛ فقد سفكت فيها دماء عشرات الآلاف منهم ودمرت منازلهم وشردوا من بلدانهم وفقدوا أعمالهم وأصبح كثير من المشردين يعانون الأمرين وبعضهم لا يجد مأوى ولا ما ينفق منه على من يعول في ظل قطع الرواتب لما يزيد عن عام وتوقف الخدمات وانتشار الأمراض واستشراء البطالة والنزوح الجماعي والدمار وانخفاض العملة المحلية ليصل الدولار إلى ما يفوق الضعف منه قبل الحرب.
إن هذه الحرب قد أوجدت الكوارث الإنسانية لأهل اليمن كالمجاعة والأمراض القاتلة ليتكون بذلك الثالوث المخيف والمرعب (الحرب وسباق المجاعة والأمراض القاتلة)، فقد أطلقت الأمم المتحدة التي تنحاز بشكل واضح إلى صف الحوثيين والذي أدى ذلك إلى انزعاج المقاومة حيث أعلن بعض قيادتها صراحة انحيازها للحوثيين تحذيراً منذ وقت مبكر وكذلك في 8/11/2017 أن السعودية إذا لم ترفع الحصار المفروض على اليمن فإن هذا البلد سيواجه (المجاعة الأضخم) منذ عقود مما قد يؤدي لسقوط ملايين الضحايا، كما دعا مجلس الأمن إلى إبقاء الموانئ والمطارات في هذا البلد مفتوحة لإيصال المساعدات الإنسانية. والسعودية تغلق المنافذ تزامناً مع إطلاق الحوثيين صاروخا بالستياً أو أكثر. والأمم المتحدة ومن ورائها أمريكا تصنع هذه الأوضاع المتردية ثم تذرف دموع التماسيح على أهل اليمن. والمجاعة شبح يلاحق أهل اليمن من جراء هذه الحرب المدمرة وكذلك من جراء سياسة الحوثيين الذين ورثوها من حكم الأئمة التي كانت مستقلة عن الخلافة العثمانية، وهذه السياسة تتمثل في تجويع أهل اليمن تعمداً لإخضاعهم لحكمهم وتركيعهم وإذلالهم مع توفر الأموال الكثيرة بأيديهم التي تكفي جميع أهل اليمن. فقد أصبح أهل اليمن بين فكي كماشة الحرب والكوارث الإنسانية الناجمة عنها والسياسات الفاشلة التي ينفذها عملاء الدول الاستعمارية أمريكا وبريطانيا على حد سواء. فقد زادت معاناة أهل اليمن؛ فالجوع يطاردهم والأمراض القاتلة تلاحقهم وتنامي الغلاء وارتفاع الأسعار ونقص مصادر الطاقة وانعدام الكهرباء وتردي الخدمات وتراجع الخدمات الصحية واقترابها من حافة الانهيار وانتشار الأوبئة والأمراض المعدية والإسهال ومنها مرض الكوليرا الذي حصد أرواح الآلاف من أهل اليمن وفق إحصاءات الأمم المتحدة التي تهرّب الأسلحة للحوثيين مع المساعدة الغذائية التي لا تصل إلى من يستحقها إلا نادرا. ولا زال أهل اليمن للأسف الشديد يعلقون آمالهم بهذه المنظمات التي تبتسم لهم ثم تطعنهم في الظهر بتهريب الأسلحة التي تقتلهم وتسبب معاناتهم!
إن المتصارعين وأسيادهم لا يرجى منهم خير مطلقاً. كيف نأمل بحل ينهي معاناتنا من عدو كافر متربص بنا وهو الذي فرض علينا هذه الحالة المتردية عن طريق العملاء الذين يخوضون غمار هذه الحرب بالوكالة عنه، والضحية فيها هم المسلمون؟! فيجب على أهلنا في اليمن أن يتحصنوا بالوعي السياسي فهو كفيل بمنعهم من السقوط في مخططات الدول الاستعمارية وعملائها. وهو كفيل بتوجيههم الوجهة الصحيحة التي أمر بها دينهم والتي ترضي ربهم ألا وهي العمل الجاد لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة مع إخوانهم شباب حزب التحرير فهي الخلاص لهم ولجميع المسلمين من هذا الوضع المتردي وهي المنقذ لهم من عدوهم وهي المخرج الوحيد الصحيح من كل المشاكل والأزمات، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوْقِنُونَ﴾.
بقلم: الأستاذ شايف الشرادي – اليمن
رأيك في الموضوع