كلمة للأستاذ/ حاتم جعفر (أبو علي) في ندوة سياسية بدار حزب التحرير بالدخينات
أيها الإخوة الأفاضل، في هذه الورقة سوف أتحدث عن خيوط المؤامرة التي حاكها الغرب الكافر؛ وسوف أتناول جذور الخيانة التي تلبّس بها أكابر مجرمي هذه الأمة، وما زالوا يتلبسون بها.
إن الحقيقة لا شك، هي مطابقة الفكر للواقع، ولعلنا إذا فتحنا نافذةً على التاريخ، ونظرنا عبرها، إلى عقود مضت، لوجدنا في هذا التاريخ أحداثاً عابرة، وحقائق راسخة، وإني لأبدأ من العام 1897م في الفترة من 29 إلى 31 آب/أغسطس، حيث عقد في مدينة (بال) في سويسرا، مؤتمر من مؤتمرات الصهيونية، لكن هذا المؤتمر كان علامة فارقة في القضية التي نحن بصددها، حيث عقد برئاسة (ثيودور هرتزل)، وهو صحفي نمساوي من أقطاب وقيادات الحركة الصهيونية العالمية، وخلص هذا المؤتمر إلى إقامة وطن قومي ليهود في فلسطين، ثم سافر هذا الرجل ليلتقي بخليفة المسلمين في ذلك الزمان السلطان عبد الحميد الثاني، وقد كان اللقاء في 17 أيار/مايو سنة 1901م، وعرض على خليفة المسلمين عدة ملايين من الليرات العثمانية الذهبية، على أن يعطي يهود حكماً ذاتياً في فلسطين، وأن يدفعوا الجزية لدولة الخلافة، وأن يكونوا تحت سلطان المسلمين، فرفض السلطان عبد الحميد، وكان مما قاله: (فليحتفظ يهود بملايينهم، وإذا مزّقت دولة الخلافة يوماً، فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن، أما وأنا حيٌّ فإنّ عمل المبضع في بدني لأهون عليّ من أن أرى فلسطين قد بترت من دولة الخلافة، وهذا أمرٌ لا يكون).
هذه هي الكلمات المضيئة، التي حفظها التاريخ لهذا الرجل، وفي جنباتها كلمة السر في ضياع فلسطين، وغيرها من بلاد المسلمين "إذا مزقت الخلافة يومها يستطيعون أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن"، وكأني بهذا الغرب الكافر العدو قد اقتنص هذه العبارات، فبعد ثمانية أعوام، تم الانقلاب على السلطان عبد الحميد الثاني، وعزله من سدة الحكم، ثم بدأ التقسيم بعد ذلك، فكانت من المؤامرات التي حاكها الغرب الكافر؛ عدو المسلمين، أنه في 27 نيسان/أبريل سنة 1909م، عُزل السلطان عبد الحميد الثاني، وفي 9 أيار/مايو 1916م، جلس سايكس وبيكو، وقسما بلاد المسلمين، ثم في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 1917م، كان وعد بلفور، ثم كانت الهزّة العنيفة، التي أصابت هذه الأمة في الثالث من آذار/مارس 1924م، الموافق 28 من رجب 1342هـ، ألا وهي هدم الخلافة! هدمت الخلافة، وبسط الغرب الكافر سلطانه بالكامل على بلاد المسلمين، فكان الاستعمار العسكري المباشر، وهو الحاضنة التي فرخت العملاء، وهيأت الولايات لإقامة الدويلات (الوطنية).
وعندما خرجت جيوش الغرب الكافر، أقام المستعمر هذه الدويلات الوطنية، مثل السودان، ومصر، والسعودية، وسوريا... وغيرها، وهذه الدويلات الوطنية هي خزان الشرور، لأن الدولة الوطنية، هي دولة وظيفية، أنشأها العدو في بلادنا، حتى تخدم مصالحه، حيث أراد أن يكرس لتمزيق المسلمين، وأن يقصي الإسلام من حياة المسلمين بالكليّة، وأن تحارب هذه الدويلات بنفسها عودة الإسلام إلى سدة الحكم، وتبصم، وتمرر جرائمه في بلاد المسلمين، ونصّب على هذه الدويلات حكاماً عملاء، لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة، ينفذون ما يريده منهم الغرب الكافر وكفى، لذلك سارت هذه الدويلات الوطنية ضد مصالح الأمة. ثم كانت الحرب العالمية الثانية، وتراجُع بريطانيا وفرنسا من حلبة الصراع الدولي، وتقدُّم أمريكا، التي أصبحت الدولة الأولى في العالم.
طرحت أمريكا لقضية فلسطين ما يعرف بحل الدولتين، وحتى تنفذ الدويلات الوطنية، وتمرر الإجرام ويمرر المخطط، كان لا بد من مسرحيات، فكانت حرب 1948م، التي استطاعت فيها عصابات يهود من الهاغانا وغيرها في فلسطين، أن تهزم جيوش ست دول مجتمعة! وهي (مصر والأردن والعراق وسوريا ولبنان والسعودية)، وكانت ثمرة ذلك، أن أخذت الأردن الضفة الغربية، وأخذت مصر قطاع غزة، واستولى يهود على بقية فلسطين، ثم لم يكتف العدو الذي يدير المؤامرة من وراء الكواليس، ولم يكتف حكام بلاد المسلمين الرويبضات بذلك، بل كانت حرب الخامس من حزيران/يونيو 1967م، التي استطاع كيان يهود أن يهزم فيها جيوش خمس دول عربية في ستة أيام فقط، وأن يحتل الضفة الغربية، وشرقي القدس، وقطاع غزة، وشبه جزيرة سيناء، وهضبة الجولان!! وأيضاً يا لها من مسرحية سيئة الإخراج! فهي مؤامرة من الغرب الكافر نفذها العملاء حكام المسلمين.
وبعد هذه المسرحيات سيئة الإخراج، ألقي في روع المسلمين، الصورة المعكوسة، بأنه لا قِبَلَ لهم بيهود، لذلك خرج حاكم مصر السادات، ووقع جريمة كامب ديفيد سنة 1979م، والتي كانت مشروعاً للتصالح والقبول بكيان يهود، ثم تتابعت الأحداث بعد ذلك، وتجمدت الأمور ردحاً من الزمان، إلى أن حركها الغرب الكافر بمؤتمر مدريد سنة 1991م، ثم كانت تفاهمات أوسلو، التي وُقِّعت في واشنطن في 1993م، والتي تمخضت عنها ذات الصورة المعكوسة التي كان يطلبها يهود من قبل، جاؤوا إلى خليفة المسلمين يطلبون حكماً ذاتياً ويدفعون الجزية للمسلمين، ليعيشوا في الأرض المباركة فلسطين، فكانت الصورة المعكوسة، حيث أُعطي عباس في أوسلو سلطة على 22% من أرض فلسطين، نفس السلطة، سلطة ذاتية، تحت حراب كيان يهود. هذا ما خلصت إليه تفاهمات أوسلو، ثم عُين عباس مسؤولاً عن أمن يهود؛ لأن وظيفة هذه السلطة الفلسطينية هي أن تحمي كيان يهود من كل مسلم حركته أشواق الجهاد، وأراد أن يتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يعبر هذه البوابة المفضية إلى جنة عرضها السماوات والأرض.
ثم تتابعت الأحداث بعد ذلك، وكان اجتماع الجامعة العربيةَ! في بيروت في آذار/مارس سنة 2002م علامة فارقة أخرى في تاريخ الخيانة لهؤلاء الحكام، حيث طلب المجلس من كيان يهود أن يجنح للسلم ويطالبه بالآتي:
أ/ الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك الجولان السوري، وحتى خط الرابع من حزيران/يونيو 1967م والأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان.
ب/ مطالبة كيان يهود بالتوصل إلى حل عاجل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين.
جـ/ قبول قيام دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967م.
فإذا قبل كيان يهود بإعطاء 22% من أرض فلسطين للمسلمين - والنص للجامعة العربية - عندئذٍ تقوم الدول العربية بما يلي:
أ/ اعتبار النزاع العربي (الإسرائيلي) منتهياً والدخول في اتفاقية سلام.
بـ/ إنشاء علاقات طبيعية مع (إسرائيل).
هذه هي المبادرة الخيانة التي وقعت عليها دول ما يسمى بالجامعة العربية. ولم تقف الخيانة عند ذلك، ففي آذار/مارس 2005م، وفي مكة المكرمة عقدت قمة استثنائية لما يسمى بدول مجلس التعاون الإسلامي، وباركت المبادرة العربية؛ أي أنهم تنازلوا ليهود عن 78% من الأرض المباركة فلسطين. نحن لا نتحدث عن القدس، فإن الحديث عن القدس أيها الإخوة هو نوع من أنواع التضليل، أرض المسلمين المقدسة التي يجب أن تحرر ليست هي القدس، وإنما كل أرض المسلمين التي اغتصبت على مدار التاريخ؛ التي فرط فيها هؤلاء الحكام الخونة... هذه هي سيرة هؤلاء الحكام.
ثم كان بعد ذلك أن وصل إلى سدة الحكم في الدولة الأولى في العالم، هذا الأحمق ترامب، وتسلسلت الأحداث، حيث جاء إلى بلاد الحرمين، وأمر حكام المسلمين المثول بين يديه، فأتوا سراعاً، نيف وخمسون منهم، فأبلغهم أن العدو ليس كيان يهود، وأن العدو هو إيران، والإسلام، ولذلك يجب أن تطبّعوا علاقاتكم مع هذا الكيان المسخ، وتقدم ترامب هذا بما يسمى بصفقة العصر، لذلك خرج علينا علماء السلاطين، بالحديث عن إيران، وعن الشيعة، وأنهم هم العدو، ورأينا هذه اللهجة التصالحية واسعة النطاق التي انتظمت بلاد الحرمين، في الصحافة، وغيرها، الحديث عن يهود وأنهم إخوة وغير ذلك، ثم خرج ترامب يوم الأربعاء قبل الماضي ليعلن أن القدس عاصمة لكيان يهود، وأنه سوف ينقل سفارة بلاده إلى القدس، ولما فضح ترامب هؤلاء الحكام، وفضح مؤامراتهم، وخيانتهم للأمة، تداعوا سراعاً إلى إسطنبول وعقدوا بالأمس القريب قمة (إسلامية)، والإسلام منها بريء، وخرجوا بعبارات الشجب والإدانة فقط...
ولو أنهم جادون لحركوا الجيش ليحرروا أولاً شرقي القدس، التي يزعمون أنهم يدافعون عنها، ولكنهم يريدون أن ينفّسوا عن هذه الأمة، وهم يتصورون أن هذه الأمة ما زالت على حالها القديم لا تدرك خيانتهم، هيهات هيهات، فإن الأمة الآن قد أدركت أن هذه المؤامرات، ينفذها هؤلاء الحكام العملاء للغرب الكافر في بلاد المسلمين، وأنه لا طريق لنهضة هذه الأمة ولا طريق لتصحيح هذه الأوضاع، التي تحياها، إلا بأن ترجع إلى إسلامها وعقيدتها وتغير هذه الأنظمة، وهذه العروش البالية، التي ما وضعت إلا لخدمة مشاريع الغرب الكافر، وتستأنف الأمة حياتها مرة أخرى على أساس الإسلام العظيم لتطبق أحكام الإسلام وتحمله رسالة هدى ونور للعالمين، في ظل خلافة راشدة على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع