ذكر رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني في رسالته التي تليت يوم الأحد (29 تشرين الأول/أكتوبر 2017) في افتتاح جلسة برلمان الإقليم "بعد الأول من تشرين الثاني/نوفمبر سوف لن أستمر في هذا المنصب وأرفض الاستمرار فيه. ولا يجوز تعديل قانون رئاسة الإقليم وتمديد عمر الرئاسة". ثم أضاف "أطلب من البرلمان عقد جلسة لتفادي وقوعفراغ قانوني في مهمات وسلطات رئيس الإقليم ويجب معالجة هذا الأمر"، مؤكدا استمراره فيما وصفه بـ"النضال" بين صفوف الشعب والبيشمركة لـ"نيل حقوق" كردستان.
بهذه الكلمات يودع البارزاني رئاسة الإقليم بعد سنوات شهدت الكثير من التحديات والمكتسبات وأيضاً الخسارات والانكسارات، ضغوطاً داخلية وخارجية غير مسبوقة أجبرته على التنحي عن الحكم، وتوزيع صلاحياته على السلطات الثلاث في الإقليم، الحكومة والبرلمان ومجلس القضاء، بعضها من أحزاب كردية معارضة وبعضها من دول إقليمية وعالمية، حجة الجميع واحدة وهي "السعي لإنهاء الأزمة" التي أحدثها قراره بإجراء استفتاء الاستقلال عن العراق يوم 25 أيلول/سبتمبر الفائت. وهو بحسب أحد أعضاء حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، مخرَج أمريكي فرنسي، لحفظ ماء وجه الرجل وتجنيبه سقوطاً سياسياً، عبر إقالته أو استقالته، بعد فشل الاستفتاء، وما ترتب عليه بعد ذلك من ضياع كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها" هذه الخطوة لاقت ترحيباً من حكومة بغداد التي وصفته بالتغيير الإيجابي في الإقليم، بعد تخليه عن منصبه. حيث قال مسؤول عراقي رفيع المستوى في مكتب رئيس الحكومة، حيدر العبادي، إن "الحوار سيكون أكثر سهولة بالتأكيد، ونأمل أن يشكل الإقليم وفداً مشتركاً للقدوم إلى بغداد وبحث الأزمة ضمن الدستور". وأضاف أن "الاستفتاء صار من الماضي، والآن العمل على إعادة ترميم العلاقة بشكل كامل".
بدخول القوات العراقية مدينة كركوك بات واضحا أن حلم إقامة دولة كردية تعتمد على نفط كركوك قد أصبح صعباً وبعيد المنال في الوقت الحاضر، وتراجعت معه أحلام البارزاني بالانفصال. ثم إن حكومة بغداد لم تتوقف عند استعادة مدينة كركوك التي تشكل نقطة خلاف أساسية بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم، وإنما قررت استعادة السيطرة على كافة المناطق التي كانت قوات البيشمركة الكردية قد سيطرت عليها بعد العام 2014، أثناء المعارك ضد تنظيم الدولة ما أدى إلى زيادة حدة الخلاف بين بغداد وأربيل وإلى مواجهات عسكرية، حيث بدأت القوات العراقية، منتصف تشرين أول/أكتوبر الماضي، حملة أمنية سيطرت خلالها على غالبية المناطق المتنازع عليها وفي مقدمتها كركوك، وطالبت الأكراد بالعودة إلى حدود ما قبل احتلال العراق 2003، وأيضاً السيطرة على كافة المنافذ الحدودية والمطارات، وتصدير النفط. حيث تشكل المناطق المتنازع عليها بين الحكومة العراقية والإقليم أهم محاور الخلاف بين الجانبين منذ 14 عاما، وتبلغ مساحتها نحو 37 ألف كلم مربع. المناطق المتنازع عليها يعيش فيها قرابة 1,2 مليون كردي في محافظات نينوى وأربيل وصلاح الدين وديالى ومحافظة كركوك التي تعد أبرز المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل.
بهذا التصعيد العسكري تحول مشهد الاحتفال الذي عم مدن كردستان العراق بعد الاستفتاء والمناطق التي كانت البشمركة قد سيطرت عليها منذ عام 2014، وأبرزها محافظة كركوك التي تصفها كاتبة كردية بأنها "قدس الأكراد" إلى مشهد المركبات التي حملت عشرات الآلاف من الأكراد الذين غادروا هذه المناطق نحو الإقليم، بعد أن انسحبت البشمركة منها أمام تقدم الجيش العراقي والحشد الشعبي. وفي عودتهم نحو كركوك، كانت الصور والعبر لدى الأكراد تلخص في بعضها صورة البارزاني الذي أوصلهم إلى هذه النتيجة. تلخص كردية تحدثت للجزيرة هذه الصورة، حيث قالت أثناء عودتها مع عائلتها من السليمانية إلى كركوك بعد انسحاب الحشد الشعبي "أقول لمسعود البارزاني، انظر إلى نتيجة تهديداتك والاستفتاء الذي عارضه الجميع، وقالوا لا تفعل، وهذه النتيجة: الفرار وخراب البيوت والقتل وعشرات الشهداء بين صفوف البشمركة والحشد، من سيعوضهم؟ هذه ليست المرة الأولى التي يخسر فيها الكرد ولا نتعظ من أخطاء الماضي". وحول إمكاينة حدوث المزيد من العمليات العسكرية بين بغداد وأربيل، قال الجنرال الأمريكي، جيمس جارارد، إن الجميع في بغداد وأربيل يؤكدون ضرورة السلام. وأضاف: "لا أحد من العراقيين يرغب بالعودة إلى الحرب. نعم هناك بعض الاضطرابات والتوتر، ولكن نحن عملنا طيلة سنوات مع بغداد وأربيل ضد تنظيم الدولة، ومن ثم لا مصلحة لأحد باندلاع الحرب بين حلفائنا". مصادر إعلامية كردية أفادت بأن الوفد العسكري بين بغداد وأربيل عقدا الاجتماع الثالث لهم بإشراف أمريكي وأن المجتمعين اقترحوا نشر قوات من حرس الحدود العراقي وقوات من البيشمركة وأخرى أمريكية لإدارة المعابر الحدودية. كما اقترحوا نشر قوات مشتركة من أربيل وبغداد في المناطق الواقعة خارج إدارة الإقليم والتي ما زالت قوات البيشمركة فيها. المصادر أوضحت أن الأطراف لم تتوصل إلى اتفاق نهائي إلى الآن، رغم وجود نقاط وآراء مشتركة بين الجانبين قد تفضي إلى اتفاق، قادة الأحزاب الكردية ذكروا في اجتماعهم الدوري أن "القوى الكردستانية لديها استعداد كامل للحوار بدون شرط على أساس المصالح بين بغداد وأربيل ووفقا لمبادئ الدستور". ثم قاموا بمبادرة لحلحلة الأوضاع تضمنت 3 نقاط تنص على: 1- تجميد نتائج عملية الاستفتاء وليس إلغاءها. 2- إيقاف إطلاق النار فوراً ووقف جميع العمليات العسكرية. 3- الشروع بحوار مفتوح مع الحكومة الاتحادية تحت سقف الدستور العراقي. النائب الكردي محمد عثمان أشار الى "وجود وساطة أمريكية لجمع رئيس الوزراء حيدر العبادي مع حكومة إقليم كردستان نيجرفان البارزاني في بغداد بهدف بحث كل التداعيات والخلافات"، لكنه ذكّر بأن "الحكومة الاتحادية ما زالت متمسكة بإلغاء الاستفتاء قبل الدخول في أية مفاوضات" وهو الشرط الرئيسي الذي وضعه العبادي رئيس الوزراء العراقي قبل إجراء أي مفاوضات بين الطرفين. مؤكداً وجود مبادرة أمريكية ستحل التقاطعات بين أربيل وبغداد. هذا ما أكدته أمريكا عن طريق وزير خارجيتها تيلرسون من خلال طرح رؤيتها المعروفة فقال: "الولايات المتحدة مستعدة لمساعدة بغداد وأربيل لرسم مسار إيجابي لعراق فيدرالي موحد وديمقراطي بالوسائل السلمية، أدعو الطرفين إلى تجنب الاشتباكات بين القوات العراقية والبيشمركة، وأدعو رئيس الوزراء حيدر العبادي لقبول دعوة أربيل للحوار بناء على الدستور العراقي"، والحوار الذي يقصده هنا هو ذلك الحوار الذي يفضي إلى قيام دولة عراقية فدرالية وفقاً للدستور العراقي الذي وضعته أمريكا.
وهكذا نرى أن الكرد وقعوا ضحية صراعات دولية وإقليمية وأطماع استعمارية مع تسلط الأنظمة الحاكمة، فالكرد بلغتهم وثقافتهم من أقدم شعوب المنطقة حضارة وثقافة، ولقد لاقوا الكثير من المتاعب في سبيل ذلك، منّ الله على أكثرهم بالدخول إلى الإسلام فدخلوا فيه طواعية، فكانوا خير جنود للخلافة الإسلامية في شتى عصورها، كان منهم العلماء والقادة، وما سجله التاريخ لهم من بطولات بصدهم هجمات الصليبيين والباطنيين بقيادة صلاح الدين الأيوبي، لهو خير دليل على إخلاصهم لدينهم... بيد أن معالجة الجروح التي خلفتها هذه الصور من المعاناة كي يصلوا إلى المستقبل الباهر الذي يستحقونه لن تحدث من خلال حصر أنفسهم داخل قطعة أرض صغيرة. وبدلًا من أن يكونوا دولة صغيرة وصيدًا سهلًا ينتظر ابتلاعه، عليهم أن يتصرفوا برشد وأن يفعلوا الشيء الصحيح من خلال العمل مع محيطهم الإسلامي والتخلص من كل ألوان التبعية والنعرات الجاهلية، وأن يدركوا أنهم جزء أصيل من هذه الأمة العريقة وأنه لا سبيل أﻣﺎﻣﻬم ﻟﻠﻨﻬﻮﺽ إلا إذا تبنوا مشروع الأمة المتمثل ﺑﺎﻟﻌﻮﺩﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﺤﺘﻤﻞ ﺇﻻ ﺇﻗﺎﻣﺔ الخلافة على منهاج النبوة، ﺍﻟﺘﻲ ﺑﻤﻘﺪﻭﺭﻫﺎ أﻥ ﺗﺨﻠﺺ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ جميعا ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ ﻭﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻔﺎﺭ ﺍﻟﻤﺴﺘﻌﻤﺮﻳﻦ ﻭﺍﻟﻌﻤﻼﺀ ﺍﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦ ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ. ﻭأﻥ ﻣﺎ ﻳﺮﺗﻔﻊ ﻣﻦ أﺻﻮﺍﺕ ﺗﻨﺎﺩﻱ ﺑﺎﻟﻔﺪﺭﺍﻟﻴﺔ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺍﻟﺰؤاﻡ ﺑﻌﻴﻨﻪ، ﻭﻫﻮ ﺟﻞ ﻣﺎ ﻳﺘﻤﻨﺎﻩ ﻋﺪﻭﻛﻢ، ﻓﻴﻪ ﺿﻴﺎﻉ ﺑﻠﺪﻛﻢ، ﻭﺗﻔﺮﻕ ﻛﻠﻤﺘﻜﻢ، ﻭﻧﻬﺐ ﺛﺮﻭﺍﺗﻜﻢ، ﻭﺑﻘﺎﺀ ﺳﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮﻳﻦ ﻓﻮﻕ ﺭﺅﻭﺳﻜﻢ، ﺍلأﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﺮﻣﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﻓاﻧﺒﺬﻭﺍ ﺻﻔﺤﺔ ﺍﻟﺒﺎﻃﻞ ﻭﺣﻜﻢ ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ ﻭﺍﺳﺘﺒﺪﻟﻮﺍ ﺑﻪ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻬﻮ ﻣﻘﺘﻀﻰ أﻣﺮﻩ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ…
بقلم: علي البدري – العراق
رأيك في الموضوع