نقلت الجزيرة الإخبارية بتاريخ 26/10/2017 عن رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي قولها: إنها ستحتفل بمرور مئة عام على وعد بلفور بافتخار... وأضافت خلال الجلسة الأسبوعية لمساءلتها أمام البرلمان: إنها تفتخر بدور بريطانيا في إقامة كيان يهود، مضيفة "إن من المهم الآن العمل على التوصل لحل الدولتين لإنهاء النزاع الفلسطيني (الإسرائيلي)..." وكانت الحكومة البريطانية قد رفضت في نيسان/أبريل الماضي تقديم أي اعتذار يتعلق بوعد بلفور الذي أسس لقيام كيان يهود، وقالت في بيان لها: "إن وعد بلفور موضوع تاريخي، ولا نية لها بالاعتذار عنه"، بل أعربت عن الفخر بدور بريطانيا في إيجاد كيان يهود.
وإزاء هذا الأمر من مواقف الافتخار من قبل رأس الشر والكفر بريطانيا، ومواقف الذل والهوان بالاستنكار من قبل حكام المسلمين وطلب الاعتذار؛ فإننا نريد أن نقف على الحقائق التالية:
1- الحقيقة الأولى؛ هي إن وعد بلفور الذي تمر ذكراه المؤلمة هذه الأيام 2/11/1917، لم يكن وليد اللحظة، إنما كانت له مقدمات كثيرة؛ قام بها الكفار على رأسهم قادة بريطانيا، منها المباحثات السرية (الخيانية)؛ التي قام به رؤوس الكفر (بريطانيا وفرنسا) مع بعض زعامات المسلمين؛ أمثال الشريف حسين بن علي أمير مكة... فقد توّجت هذه المؤامرة سنة 1916 بالمخطط الإجرامي (سايكس بيكو)؛ الذي رسمه ساسة الغرب لتفتيت جسم دولة الخلافة العثمانية، وتقسيم منطقة ما يسمى بالهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا... فلم تتجرأ هذه الدول على وعد بلفور إلا بعد تلك الاتفاقات الخيانية...
2- الحقيقة الثانية؛ إن ما يفخر به قادة الغرب اليوم؛ هو أمر في منتهى الصدق والصراحة، وما يقوم به زعامات المسلمين من الاستنكار إنما هو كذب وتضليل لعقول المسلمين... فبريطانيا التي تفخر بهذا الوعد إنما تتحدث عن صدق ومصداقية، فهي التي مهدت بالفعل الطريق نحو هجرة يهود إلى فلسطين... فبعد اغتصاب بريطانيا لفلسطين؛ فيما سمي بالانتداب، شجعت هجرة يهود إليها؛ وذلك وفاء بعهدها ووعدها لهم، وفي الوقت نفسه خدمة لمصالحها، وقد ظلت ترعى هذا الأمر حتى مكنت ليهود بإقامة كيان لهم سنة ثمانٍ وأربعين، وهجرت أهل فلسطين منها... وكان ذلك بمؤامرات جديدة مع حكام المسلمين الذين ساعدوا بريطانيا في هذا الأمر وحرسوا هذا المشروع البريطاني الإجرامي، أما مواقف الاستنكار - سواء الحديث منها أو القديم - فإنها تخالف الواقع والأفعال؛ التي يقوم بها هؤلاء الساسة الأقنان... فهل قاموا بقتال بريطانيا لإخراجها من فلسطين؟! وهل قاموا بإعلان الحرب على كيان يهود الجديد؛ لاستئصاله من جذوره، ومنع تثبيت أركانه في أرض فلسطين؟!
3- الحقيقة الثالثة؛ وهي مواقف الحكام المستنكرين لما فعلته بريطانيا، ثم أمريكا من بعدها... فهل يعقل أن يكون موقف المستنكر لفعل بريطانيا هو الاعتراف بكيان يهود (ثمرة ومولود وعد بلفور)؛ الذي تفتخر به بريطانيا؟! وهل يعقل أن تعترف الجامعة العربية سنة 2002 في (قمة بيروت)؛ بكيان يهود؟! فالأصل فيمن يستنكر أفعال وأقوال بريطانيا؛ أن يقف موقف العداء لأمريكا وبريطانيا معا، وأن لا يساعد الدول الكبرى في تثبيت هذا الكيان، ولا يتفوق عليها في خدمة يهود، وفي تثبيت أركانهم، والتطبيع معهم، وإقامة العلاقات وفتح السفارات والتبادل الأمني والتجاري وغير ذلك... فمن ينظر إلى أفعال بعض الدول في العالم الإسلامي؛ مثل تركيا والأردن ومصر وتونس والمغرب... يرى أنها تفوقت حتى على بريطانيا في تثبيت أركان هذا الكيان، وتمهد الطريق اليوم لأخذ الموافقة من أهل فلسطين للتنازل عنها!!
4- الحقيقة الرابعة؛ هي ما فعله الكفار (أمريكا وأوروبا وروسيا...) وما زالوا يفعلونه بمساعدة حكام المسلمين لتثبيت هذا الكيان وإعطائه الشرعية الدولية، فلم يقف الحد عند وعد بلفور سنة 1917 بل إن مؤامرة الكفار مستمرة ولم تنته بعد لتثبيت أركان هذا الكيان، والمحافظة على استمراريته ومن هذه الأعمال:
1- استصدار قرارات دولية جديدة بعد (وعد بلفور)؛ ومن هذه القرارات التي ساعدت ومهدت الطريق، وما زالت لتثبيت هذا الكيان المغتصب على أرض فلسطين، مشروع التقسيم رقم 181 سنة 1947، وقرارات هيئة الأمم المتحدة رقم 338 و242... فهذه القرارات الدولية قد سبقت ما يفعله الكفار اليوم لنزع الاعتراف بهذا الكيان المغتصب، وفرض الشرعية الدولية له، وبالإضافة للقرارات الدولية هناك قرارات إقليمية من قبل الدول العربية، ودول منظمة المؤتمر الإسلامي؛ تصب في دائرة الاعتراف بكيان يهود؛ مثل قرار جامعة الدول العربية في بيروت سنة 2002.
2- حصر موضوع قضية فلسطين بأهل فلسطين فقط؛ ليسهل عليهم التنازل عنها... مع أن هذا الحق شرعا لا ينحصر بأهل فلسطين فقط؛ كما ذكرت أحكام ديننا الحنيف؛ بل هو حق لكل مسلم على وجه الأرض، وإن الحق الأول والأخير هو لله ولرسوله... ولم يقف الأمر عند أفعال الكفار في المحافل الدولية كهيئة الأمم المتحدة ومؤسساتها... بل إن حكام المسلمين قد تنصلوا من مسؤوليتهم تجاه فلسطين، واعتبروا أن أهلها هم الممثلون الشرعيون لها وذلك في قرارات الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي...
3- قامت الدول الكافرة - وعلى رأسها أمريكا - بعقد معاهدات سلام ووئام مع الأنظمة المحيطة بهذا الكيان، ومع بعض أهل فلسطين؛ ممن يمثلهم دوليا وإقليميا... وعقدت عدة معاهدات دولية منها معاهدة (كامب ديفيد) سنة 1978 ومؤتمر مدريد للسلام سنة 1990 وأوسلو سنة 1993 ووادي عربة 1994... وكانت كل هذه المعاهدات تنصُّ على الاعتراف بكيان يهود.
4- قام الغرب وما زال بمحاربة كل الفئات السياسية؛ ممن يقفون في وجه المشروع الغربي لتصفية قضية فلسطين، وتثبيت كيان يهود الشرير؛ وما الحرب على (الإرهاب) إلا إحدى هذه الأدوات.. وكذلك ما تقوم به الأنظمة القائمة في بلاد المسلمين.
5- التخطيط لمشروع جديد لدول المنطقة؛ سماه بعض السياسيين (سايكس بيكو جديد)؛ وهو ما تطلق عليه أمريكا (الشرق الأوسط الجديد)، ومن بنوده وأهدافه؛ تفتيت المفتت من دول المنطقة، وإنشاء منظمة أو جامعة شرق أوسطية، بدل الجامعة العربية والإسلامية، وإدخال كيان يهود ضمن منظومتها؛ ليكون أحد أعضائها الأساسيين.. وإقرار كل الدول الشرق أوسطية بهذه المنظومة الجديدة، وبشرعيتها وشرعية الدول فيها... هذا ما يخطط له الكفار وحكام المسلمين، وهذا ما فعلوه وما زالوا يفعلونه... فهل يستطيع هؤلاء وأولئك أن ينالوا ما يخططون له؛ من تاريخ وعد بلفور وحتى يومنا هذا؛ في تثبيت كيان يهود وطمس قضية المسرى والأقصى؟؟! الحقيقة أن ما يخطط له الكفار - على رأسهم أمريكا - وبمساعدة حكام المسلمين تجاه قضية فلسطين إنما هو مكر الكفار، وتخطيطهم وتدبيرهم تجاه أرض المسرى والأقصى، والله أسرع مكرا وأقوى تخطيطا... ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾... فهذه أرض مقدسة طاهرة تحطمت على صخرتها الأبية مؤامرات الصليبيين، ومؤامرات المغول، ومؤامرات الاستعمار الأول (بريطانيا)... وسوف تتحطم على صخرتها الأبية كل المؤامرات الحالية... والأمر الثاني هو أن الذي يقرر شرعية هذه الأرض هو رب هذه الأرض وليس أمريكا، ولا عملاؤها من حكام المسلمين... فقد قرر رب العزة جل جلاله أن فلسطين هي أرض خراجية؛ لها مكانتها وقدسيتها، وإنها حق لكل مسلم على وجه الأرض، ولا قيمة لقرارات هيئة الأمم المتحدة، ولا لقرارات جامعة عربية أو إسلامية... وقرر رب العزة كذلك أن هذه الأرض هي عقر دار الإسلام في آخر الزمان، وأنها مقبرة الكفر والكافرين... قال تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا﴾ [الإسراء: 7]، وقال عليه الصلاة والسلام: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ» رواه مسلم. فنسأل الله تعالى؛ القادر المقتدر أن يعجل بالفرج لأمة الإسلام، وأن يطهر بيت المقدس وأكنافه من رجس الكفار وعملائهم الحكام، وأن يعلي صرح هذه الأمة وشأنها، إنه سميع قريب مجيب.
رأيك في الموضوع