قال يحيى السنوار رئيس حركة حماس في قطاع غزة بأنّه سيقدّم تنازلات كبيرة جدا، وكل تنازل سيكون مفاجئا وصاعقا أكثر من الذي قبله، وقال بأنّه سيكسر عنق من يعطل المصالحة، سواء أكان من فتح أم من غيرها، وأكّد على أنّه يريد أنْ يكون محمود عباس قويا، وذلك لما فيه مصلحة للفلسطينيين.
هذه خلاصة تصريحات يحيى السنوار رئيس حركة حماس الجديد في قطاع غزة، ولا شك بأنّ هذه التصريحات تُمثل انقلاباً واضحاً وصريحاً على نهج حماس السابق، الذي كان يرفض الانصياع لقيادة محمود عباس كونه فاقداً للشرعية، ولأنّه ينسق أمنياً مع كيان يهود، وبسبب أنّه يُصرّ على نهج التفاوض العبثي مع الاحتلال، ويرفض أي نهج آخر في التعامل مع كيان يهود غير النهج الاستسلامي الذي دأب عليه منذ تسلمه رئاسة السلطة بعد وفاة عرفات، فهو أي عباس لا يكتفي بنبذ نهج المقاومة المسلحة، بل ويحتقرها، ويستخف بمن يقوم بها، ويستنكر العمليات الفدائية بالمُطلق.
وقبل الخوض في التحليل السياسي لما آلت إليه حركة حماس بعد هذه التصريحات الخطيرة والمُفاجئة، دعونا نطرح بعض الأسئلة التي تحتاج لإجابة ماسّة عليها من قادة حماس بشكلٍ خاص وقبل غيرهم.
السؤال الأول:لماذا تقبل حركة حماس بمثل هذه التصريحات التي تُثير حفيظة مؤيديها قبل غيرهم؟ فأين مؤسساتها وقياداتها من هذه التصريحات؟ أين المعارضون والرافضون للنهج الاستسلامي؟ أين الزهّار؟ وأين سائر القيادات التي كانت ضليعة في فضح خط عباس وسلطته ردحاً طويلاً من الزمن؟ فأين كل هؤلاء من هذه التصريحات المناقضة لسياسات الحركة المعهودة التي استمرت محافظةً عليها أكثر من عشرين سنة؟ هل يعقل أن تكون قد تبخّرت كل ثوابت حماس السياسية بين عشية وضحاها، وبمثل هذه السهولة؟
والسؤال الثاني: هل حركة حماس التي عادةً ما تفتخر بمؤسساتها وبقراراتها المؤسسية المدروسةوفقاً لقادتها، هل درست هذه المرة وتفحصت تصريحات السنوار تلك قبل أن يلقيها على وسائل الإعلام؟ أم أنّ الكلام عن المؤسّسات المُنضبطة في الحركة لا يختلف كثيراً عن مؤسّسات الدول العربية الصورية؟!
والسؤال الثالث:ما هو الشيء الجديد العجيب الذي اكتشفته حماس والذي دفعها للتحول عن سياستها السابقة بزاوية دوران سياسية حادة جعلها تميل كل هذا الميل؟
والسؤال الرابع:هل باتت حماس تثق فعلا بمحمود عباس إلى هذه الدرجة، وهو الذي طالما ناصبها العداء وتآمر عليها، وتعاون مع كيان يهود في محاصرتها ومحاصرة قطاع غزة؟ فلماذا تُريد تقويته بعد أنْ كانت تعمل دوماً على تقويض شرعيته لأنّه كان غريماً مريراً لها؟ فما الذي تغيّر على عباس؟ وما الجديد الذي قدّمه لأهل فلسطين، أو لحماس غير الكلام عن المفاوضات العقيمة؟ فهل عباس تبنّى سياسة جديدة ليُدافعوا عنه بكل هذه الشراسة؟ أم أنّه وعدهم بأشياء لا نعلم ماهيتها؟ نبئونا بما هو خافٍ عن أسماعنا.
والسؤال الخامس: على فرض أنّ قيادة حماس اقتنعت بالنهج الفتحاوي الاستسلامي لمحمود عباس، فهل من الحكمة التهديد بكسر الأعناق لكل من يُخالف ذلك النهج؟ أم أنّ السنوار كونه مبتدئاً في السياسة لم يُحسن الخطاب؟
مهما كانت الإجابات على هذه الأسئلة فإن الظاهر أنّ حركة حماس قد خضعت لإملاءات عملاء أمريكا، وعلى رأسهم السيسي طاغية مصر، وقبلت بأنْ تكون القيادة المصرية العميلة لأمريكا هي الراعية للمصالحة المزعومة بين حركتي فتح وحماس بدلاً من القيادة القطرية العميلة لبريطانيا.
إنّ على حماس أنْ تُدرك أنّ المصالحة السياسية المطروحة ليست مجرد مصالحة على حقن الدماء، أو مُصالحة يتمخض عنها عفو وتسامح وإسقاط لأعمال الثأر والانتقام بين أتباع الحركتين، فهي ليست مُصالحة عشائرية أو شخصية، وإنّما هي توافق بين الحركتين على مشروع سياسي (وطني) ترعاه أمريكا ومجتمعها الدولي بإدارة القيادة المصرية، يُفضي في النهاية إلى تأهيل حماس للعب دور سياسي مُكمّل لدور حركة فتح في تصفية القضية الفلسطينية، وهو ما يعني جعل حركة حماس شريكا سياسيا في سلطة هزيلة بإشراف عملاء أمريكا.
وأهم ما يُميّز هذا المشروع الخطير هو الاعتراف المباشر أو الضمني بكيان يهود من خلال الاعتراف بما يُسمّى بمبدأ الدولتين، والانخراط في الأعمال السياسية طويلة المدى للوصول إلى تحقيق هذا الهدف.
وهذا الأمر يحتاج إلى صناعة قيادات جديدة كالسنوار الذي أطلق تصريحات عنترية بلغة التهديد والوعيد وتكسير الأعناق ليخوّف بها قيادات حماس الرافضة لسلوك هذا النهج الجديد قبل غيرهم.
إنّنا ومن باب النصيحة والكشف عمّا يُراد لحركة حماس من شرٍ مُستطير، ننصح إخواننا في الحركة بأنْ لا يسكتوا على سيناريو إيقاع حركتهم في هذه المؤامرة الجديدة، وذلك من خلال شراكتها مع حركة فتح في مُصالحة وهمية زائفة، هدفها الوحيد هو جرّ حركة حماس إلى مُستنقع الخيانات التي سقطت فيها حركة فتح من قبل، وإنّنا نربأ بحركة حماس من الوقوع في مثل هذه الخطيئة، وندعوهم لرفع صوتهم عالياً مُندّدين بما صرّح به السنوار، وأن يكونوا عند حسن ظن المسلمين بهم من الذين منحوهم الثقة من أهلنا في فلسطين، بل إننا ندعوهم بصدق ليكونوا جندا من الجنود العاملين لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي فيها عز الدنيا والآخرة، وفيها سعة الدنيا والآخرة، وبها الخلاص من شراك وفخاخ الدول الاستعمارية وعملائها حكام المسلمين، والله معهم ولن يترهم أعمالهم.
رأيك في الموضوع