صرح رئيس الحكومةالتونسي يوسف الشاهد بأن بلاده تسعى إلى تعزيز علاقاتها التجارية والاقتصادية مع الولايات المتحدة للنهوض باقتصادها وتوفير فرص عمل، وذلك في اختتام «زيارة ناجحة» إلى واشنطن، التقى خلالها مسؤولين في الإدارة الأمريكية والكونغرس ورجال أعمال ومانحين دوليين.
وأوضح الشاهد أن «أعضاء الكونغرس عبروا عن استعدادهم مساندة تونس باعتبارها حليفاً استراتيجياً في مجال مكافحة الإرهاب»، مشيراً إلى أن محادثاته مع المسؤولين الأمريكيين كشفت تطابقاً في وجهات النظر بين الإدارة الأمريكية الجديدة والدولة التونسية. وأكّد الشاهد أن «وزارة الخزانة الأمريكية بدت مقتنعة بضرورة مساعدة تونس بمسار انتقالها الديمقراطي حتى النهاية»، كما تعهد السيناتور الجمهوري جون ماكين عقب لقائه رئيس الوزراء التونسي أن «مشروع قانون المالية الذي يتضمن خفضاً للمساعدات الخاصة بتونس لن يمر». (الحياة اللندنية)
" الطريق الصحيح" إلى الهاوية:
عندما يتحدّث أوباما عن تونس ويصفّق أعضاء الكونغرس بقوة فهذا يعني أنّنا على الطريق الصحيح وأنّه لا يجب أن نحيد عن هذا الطريق. (الباجي قائد السبسي، آذار/مارس 2011)
هكذا تحدّث الباجي قايد السبسي حين كان رئيسا للحكومة التونسيّة المؤقّتة بعيد الثورة، وهي قولة تلخّص عقليّة السياسيين في تونس، عقليّة لا ترى سياسة ولا تخطيطا إلا بإشراف الدّول الغربيّة الرّأسماليّة، ولقد تبارى المتنافسون في الانتخابات الرئاسيّة والتشريعية سنة 2014 في إظهار قربهم من دوائر القرار في الدّول الغربيّة وقدرتهم على ضمان دعم خارجي أوروبيّ أو أمريكي لتونس، أي قدرتهم على إرضاء أصحاب القرار في الدّول الغربيّة الاستعماريّة. وهو المنطق نفسه الذي جعل يوسف الشاهد ومن معه يعتبرون زيارته إلى أمريكا "ناجحة" لأنّ المسؤولين الأمريكان رضوا عنه فوعدوه بالدّعم والمساعدة، وإذا وعد الأمريكان فتونس على "الطريق الصحيح" الذّي تحدّث عنه رئيس الجمهوريّة الباجي قائد السبسي منذ 6 سنوات!
إنّ الجميع يدرك أنّ أمريكا هي دولة استعماريّة تسعى سعيا حثيثا للهيمنة على العالم بكلّ الوسائل والأساليب، وقد وضعت الإدارة الأمريكية مفهوما للهيمنة تمت صياغته في تقرير للبنتاغون بعنوان دليل الخطة الدفاعية DPG:Defense Planning Guidance 94-92الذي أعدّه "بول فولفيتز" نائب وزير الدفاع في حكومة بوش الابن، ولويس ليبي مدير ديوان نائب الرئيس الأمريكي، وكان من أهم ما خلص إليه هذا التقرير هو: "منع كل قوة إقليمية من السيطرة على الموارد التي قد تجعلها قوة عظيمة، والسير نحو بناء القواعد العسكرية التابعة للإدارة الأمريكية في مناطق توافر الموارد الطبيعية، وكذلك التشويش على أي قوة صناعية قادرة على منافسة الريادة الأمريكية".
ويُعدّ تقديم "المساعدات" من أخطر الأساليب التي تتبعها في الهيمنة على شعوب العالم وبالأخصّ بلاد المسلمين، فأمريكا منذ أن دخلت الساحة الدّوليّة كقوة استعمارية وريثة للاستعمار البريطاني والفرنسي، وهي تخطّط وتمكر للهيمنة على العالم الإسلامي، فعقدت سنة 1950 مؤتمرا في إسطنبول جمعت فيه الدبلوماسيين الأمريكيين المعتمَدين لدى الدول العربية برئاسة "جورج ماغي" وكيل وزارة الخارجية الأمريكية، وكان من بين ما سطّرته "اتخاذ التعاون مع أهل البلاد أسلوباً من أساليب النفاذ إلى المنطقة"، فأطلقوا على الهيمنة اسما خادعا "التعاون" وجعلوه من صلب سياسة أمريكا للنفاذ إلى أعماق المنطقة لصناعة العملاء، أو اتّخاذها أدوات ضغط تضمن "مصالحهم" ونهب ثروات الشعوب.
إن "المساعدات" الأمريكيّة شرٌّ كلها، فالواقع ينطق بأن الدول الكافرة المستعمرة، وبخاصة أمريكا، لا تقدم مساعدات إلا لبسط النفوذ والهيمنة، وخدمة مصالحها، بدليل أنّ أمريكا لم تقدّم مساعدات لتونس إلا بشروط:
1- التخلي عن الإسلام نهائيّا وعدم التنصيص في الدّستور على أنّ الشريعة الإسلاميّة مصدر من مصادر التشريع، واتّخاذ الدّيمقراطيّة نظاما للحكم.
2- لتطبيع الكامل مع كيان يهود المجرم، ضغطت أمريكا على راشد الغنّوشي وجعلته يصرّح أمام الإعلام العالمي أنّ التونسيين غير معنيين بتجريم التطبيع في الدّستور التونسي. ثمّ إنّ أعضاء من الكونغرس الأمريكي خلال زيارة يوسف الشاهد الأخيرة إلى أمريكا شرطوا بل أمروا أن تدعم تونس كيان يهود في الأمم المتّحدة والمنظّمات التابعة لها كاليونسكو...
3-تقديم تسهيلات للقوات العسكريّة الأمريكيّة داخل الأراضي التونسيّة: فرضت أمريكا على تونس اتّفاقيّات عسكريّة وأمنيّة واستخباراتيّة تخوّلها استعمال الأراضي التونسيّة في التّجسّس على كامل المنطقة، وتجيز انتشار القوّات الأمريكيّة في تونس في إطار الحرب المزعومة على (الإرهاب) وقد جدّد الباجي قايد السبسي موافقته المبدئيّة على مشروع intelligence, surveillance et reconnaissance. هذا المشروع الذّي نشرت بعض تفاصيله الصفحة الرسميّة لحلف شمال الأطلسيّ يتعلّق بتنسيق الجهود على صعيد الاستخبارات والمراقبة وتبادل المعلومات بين مختلف أعضاء حلف الناتو، ومن ضمنها تونس التي أعطتها أمريكا صفة "الحليف الأساسي غير العضو بالناتو".وهو مشروع يرتكز بالأساس على عمليات الرصد والمراقبة وتبادل المعلومات وتقديم التسهيلات العسكريّة بشتّى أنواعها لأعضاء الحلف، سواء عبر الأقمار الاصطناعيّة أو طائرات الاستطلاع أو فتح المجال البريّ للقوات العسكريّة لتنفيذ مهامها.
4-ربط اقتصادها بالمنظومة الرّأسماليّة العالميّة وتسليمه بالكامل لصندوق النّقد الدّولي والبنك العالمي يضعون البرامج والسياسات وما على الحكومة التونسيّة إلا التنفيذ.
هذا هو "الطريق الصحيح" الذي يريدنا الباجي ورئيس حكومته أن نسير فيه، طريق المهانة والمذلّة، طريق استجداء العدوّ، ولقد وصلت المسيرة اليوم على هذا "الطريق الصحيح" إلى جعل تونس على شفير الهاوية، بلدا مسخا يتخلّى عن دينه من أجل إرضاء عدوّه، بلدا تابعا ذليلا يتسوّل حكّامه شرقا وغربا يستجدون الفتات، نقطة ارتكاز تمهّد لأمريكا الدّخول لمنطقة شمال إفريقيا ومنازعة أوروبا في السيطرة عليها وبوّابة للدخول إلى إفريقيا.
هل تونس بحاجة إلى مساعدة ماليّة؟
يشيع الحكّام في تونس أنّ بلادنا فقيرة وأنّها تحتاج إلى مساعدات خارجيّة، بل إنّهم يروّجون أنّ تلك المساعدات والقروض هي التي ستنقذ اقتصاد تونس وأهل تونس من الفقر بل من المجاعة. لكنّ الأرقام تكذّبهم وتفضحهم، فهذه المساعدات لا تساوي شيئا من الناتج الإجمالي التونسي فمساعدات أمريكا لتونس في 5 سنوات قُدّرت بـ 865 مليون دولار وهو مبلغ زهيد لا يزيد عن 0.5% من الناتج الإجمالي التونسي، كما أنّ هذه المساعدات لا تساوي شيئاً من ثروة تونس من بترول وغاز وملح وفوسفات. فاسترداد الملح التونسي من شركة كوتوزال الفرنسيّة التي تنهبه (الفرنسيون يدفعون أجرة هكتار الملح 0.005 دينار تونسي حسب اتفاقية 1949) وبيعه في الأسواق سيجلب أضعاف أضعاف هذه المساعدات الأمريكيّة المهينة، واسترداد حقل ميسكار للغاز الذي ملّكه بن علي لشركة بريتش غاز البريطانيّة بنسبة 100 بالمائة وهي تنهبه منذ 1992 وحصّلت منه أرباحا تفوق ميزانيّة تونس الحاليّة بـ20 ضعفا، سيجلب أضعاف أضعاف هذا المبلغ. هذا فضلا عن الفوسفات والبترول. وفضلا عن الأموال المنهوبة الموجودة في بنوك الدّول الاستعماريّة وقد قدّرها الخبراء بـ 3 أضعاف ميزانيّة تونس الحاليّة.
الطّريق الصحيح إلى القمّة:
ليس فقر تونس وأزماتها الاقتصاديّة هو بسبب قلّة مواردها وإنّما هو بسبب حكّام عملاء باعوا بلادهم وأهلهم ودينهم بثمن بخس لقاء المحافظة على كراسي حكم معوجّة قوائمها، ضيعوا ثروة الأمة وملكيتها العامة في مسالك فاسدة ضارة بالبلد وأهله، فبدل أن توزع الملكية العامة على الأمة وهو حقها، فإنها تستقر في جيوب حيتان المال... ثم تربط البلاد بالبنك وصندوق النقد الدوليين وبسموم أمريكا المسماة مساعدات...
ليست تونس اليوم بحاجة إلى أموال أو مساعدات، إنّما هي بحاجة إلى نظام الإسلام العظيم، وهي بحاجة إلى دولة حقيقيّة تطبّق نظام الإسلام، الخلافة الراشدة على منهاج النّبوّة فيوحّدها مع سائر البلاد الإسلاميّة، الزاخرة بما منحها الله من ثروة تفيض عن حاجتها إذا أُحسن وضعها في مواضعها التي بينها اللطيف الخبير، فتعود تونس جزءاً عزيزا من بلاد الإسلام ولاية من ولايات دولة الخلافة الراشدة الثانية ويعود لها دورها القيادي في الجزء الغربي من بلاد المسلمين، سيّدة على حوض المتوسّط كما كانت زمن الخلافة الأولى لا تمرّ سفن أمريكا أو أوروبا إلا بإذن واليها.
بقلم: محمد الناصر شويخة*
* رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية تونس
رأيك في الموضوع