أعلنت أمريكا على لسان وزير خارجيتها كيري يوم 5/1/2017 "نأمل في هذه المرحلة أن يكون اللقاء في أستانة خطوة كبيرة إلى الأمام، في حال عقده، فمن البديهي أن الأمر يبعث على الشك، نظرا لتغير المواقف ولما يحدث حاليا (في سوريا)" وذكر أنه تحدث مع نظيره الروسي لافروف ومع دي ميستورا قائلا "ثلاثتنا متفقون على أن الهدف لم يتغير وهو الوصول إلى جنيف حيث لا بد من إجراء مفاوضات حقيقية". وقال عميلها دي ميستورا: "مفاوضات أستانة من شأنها تعزيز مفاوضات جنيف المرتقبة في شباط/فبراير".
فالأمر واضح؛ محادثات أستانة التي تعقدها روسيا وتركيا بالوكالة عن أمريكا يوم 23من الشهر الجاري،بين عملائها من نظام بشار المجرم ومن المعارضة، المطلوب منها إحضار المعارضة إلى جنيف لإجراء مفاوضات أطلق عليها كيري وصف "حقيقية"، أي أن المفاوضات الحقيقية هي في جنيف وستكون تحت إشراف أمريكا مباشرة والتوقيع على الخيانات والاستسلام سيكون هناك.
فأمريكا تركت لروسيا وتركيا أن يعقدا مؤتمر الأستانة لتنظر هل ينجح ذلك؟! فإذا نجح تنقله إلى جنيف لتشرف عليه مباشرة، لأنها هي صاحبة القصة وتمسك بخيوط اللعبة وهي المنتج والمخرج للفلم، وروسيا وتركيا وغيرهما يلعبون أدوارا محددة ترسمها لهم أمريكا. وإذا فشلت أمريكا تخفي نفسها، فلا يلصق بها الفشل كما حدث على مدى ست سنوات. وذلك ظاهر في تصريح كيري من شكّه في النجاح لتجربته في سوريا، حيث علل ذلك بتغير المواقف ولما يحدث هناك، لأن خيوط اللعبة لم تستطع أمريكا أن تمسك بها على الأرض، فالخير ما زال موجودا في سوريا بالثوار المخلصين الذين يرفضون المفاوضات والحلول الأمريكية. وما يؤكد ذلك هو ما نقلته رويترز يوم 28/12/2016 عن مصادر روسية قولها "إن الخطوة الأولى هي التوصل إلى وقف إطلاق النار في جميع البلاد، ثم الشروع بالمحادثات. وسيكون الهدف عندئذ إشراك دول الخليج ثم الولايات المتحدة، وفي مرحلة لاحقة سيتم إشراك الاتحاد الأوروبي الذي سيطلب منه وربما مع دول الخليج أن يتحملوا فاتورة إعادة الإعمار". فهذا ما رسمته أمريكا، فأولا روسيا وتركيا تعقدان محادثات أستانة، وإذا نجحت تنقل إلى جنيف وتشترك فيها أمريكا مباشرة، وإذا نجحت، لا قدر الله، في تثبيت النظام بتوقيع الخونة على ذلك، يأتي دور الخليجيين والأوروبيين ليتحملوا فاتورة إعادة الإعمار، فيتم إخراج الفلم الأمريكي.
إن روسيا وتركيا تلعبان دورهما في الفلم الأمريكي وعندما ينتهي الإخراج ينتهي دورهما ولا يستدعيان إلا إذا لزما للعب أدوار جديدة، وما يؤكد ذلكهو استهزاء الرئيس الأمريكي أوباما بالروس يوم 17/12/2016 واصفا إياهم بأنهم "دولة صغيرة" وهم "أصغر وأضعف، اقتصادهم لا ينتج شيئا يريد الآخرون اقتناءه سوى النفط والغاز والأسلحة، ولا يتطور". ونقلت وكالة رويترز يوم 28/12/2016 عن مسؤول أمريكي رفض نشر اسمه قوله: "هذه الدولة التي لديها اقتصاد في حجم اقتصاد إسبانيا، أقصد روسيا، تتبختر وتتصرف كما لو كانت تعرف ماذا تفعل، لا أعتقد أن الأتراك والروس يمكنهم فعل ذلك دوننا". فمن لديه وعي سياسي يدرك كل ذلك، ويدرك مدى غباء الروس، فهم ليس لديهم قدرة على تصور العواقب ورؤية ما وراء الجدار ومدى تلاعب أمريكا بهم وتوريطها إياهم. ويدرك أن الأنظمة في سوريا وإيران وتركيا والسعودية كلها عميلة لأمريكا وكذلك التنظيمات والأحزاب التابعة لهذه الأنظمة أو التي تتمول منها كلها أدوات أمريكية.
أمريكا كانت تحصر إدارة الأزمة السورية بها مشركة روسيا معها، فاغترت روسيا كثيرا فتوهمت أنها استعادت مكانتها على العهد السوفياتي، ولكن أمريكا في الأشهر الأخيرة أوكلت إلى عميلتها تركيا لتقوم مع روسيا بالأعمال المباشرة تمهيدا لتنفيذ الحل، ولإخفاء فشلها إذا فشلت تركيا وروسيا في دورهما. وفي ذلك حط من قدر روسيا التي لم تدرك ذلك عندما أنزلت مستواها إلى مستوى تركيا التابعة، وتمهيدا لإنهاء دورها الخادم إذا تمكنت من تنفيذ الحل.
إن قصة المفاوضات بدأت عندما رأت أمريكا أن الثورة السورية أصبح لها من القوة والتأثير ما يمكّنها من الإطاحة بالنظام العلماني التابع لها، فسارعت إلى عقد مؤتمر جنيف يوم 30/6/2012، وشكلت الائتلاف الوطني السوري العلماني آملة أن يصبح ناطقا باسم الثورة وممثلا ومفاوضا عن الثوار، وذلك للحفاظ على النظام العلماني وضمان تبعيته لها. فجعلت ذلك أساس المفاوضات، وجعلت كل الأطراف تقر بذلك. فاستماتت لعقد جنيف2 و3 على هذا الأساس، ومن ثم عقدت فينّا1 و2 الذي نص بكل صراحة على الحفاظ على هوية النظام العلمانية وبقاء مؤسساته وأصدرت القرارات الدولية التي تقر هذا الأساس وخاصة قرار رقم 2254 يوم 18/12/2015، فهو مشروع تقدمت به أمريكا يقر اتفاقات جنيف وفينّا ويدعو لوقف إطلاق النار وفرض هذه القرارات باسم الحل السياسي.
فعندما فشلت في ذلك ورأت ائتلافها الوطني لا يمثل أحدا على الأرض عمدت إلى الثائرين والفاعلين على الأرض إما بالقضاء عليهم وإما بشرائهم بجانب التدمير الشامل والقتل الجماعي ليكون عامل ضغط على أهل سوريا، فاتبعت كل السبل، وأطلقت يد النظام وأمدته بإيران وحزبها في لبنان وأشياعها وعززته بروسيا وكذلك قامت بنفسها بتوجيه الضربات، فكانت وحشيتهم تفوق وحشية أسلافهم من الصليبيين والمغول وأتباعهم الخونة، ودفعت السعودية وتركيا خاصة ليقوما بتسميم الثوار بالمال القذر لتشتريا ذمما ويصبح لهما تأثير على الثوار، فكان لها ما كان؛ أن استطاع الخائن الكبير أردوغان التأثير عليهم للانسحاب من حلب وتسليمها للمجرمين وبعد ذلك لتجلبهم إلى المفاوضات.
فمن الملاحظ أن المسلمين في القتال أشداء أقوياء شجعان يقاتلون في سبيل الله ويقاتلون طلبا للشهادة، ولكنهم إلا القليل منهم في الأعمال السياسية غير ذلك، فيقعون في حبائل ومكر الأعداء ومنها المفاوضات، وذلك لعدم كمال الوعي السياسي، حيث لا يدركون الألاعيب السياسية لعدم متابعتهم للأحداث السياسية وتحليلها بعمق واستنارة ولعدم نظرتهم إليها من زاوية العقيدة الإسلامية وما ينبثق عنها من أفكار بفهم صحيح.
فلا يدرون متى يحق لهم أن يفاوضوا وعلى ماذا يفاوضون؟ فالمفاوضات مقتل للثورة، وتثبيت للنظام المجرم! فهذه ثورة يجب ألا تتوقف حتى تطيح بعروش الطغاة، فلا تفاوضهم ولا تهادنهم، فما على الطغاة إلا الفرار لينجوا بجلودهم إن استطاعوا وإلا سينتظرون العقاب. فالله تعالى طلب من المؤمنين في كثير من الآيات الثبات، والاستعانة به، وعدم التهاون وإظهار الضعف والاستسلام والتفاوض، لأنهم هم الأعلون، وإن كانوا يألمون فإن عدوهم بشار ومن يدعمه وأمريكا يألمون، ولكن المؤمنين يرجون من الله ما لا يرجوه الأعداء، فالثبات الثبات يا أهل الشام! لا تفاوضوا ولا تستسلموا! فالله ناصركم ولن يتركم أعمالكم.
رأيك في الموضوع