بدأت هذه القضية في البروز الحاد سنة 1975 عقب جلاء الاحتلال الإسباني عن المنطقة إثر قرار أممي عنوانه "تصفية الاستعمار" ومنذ ذلك الحين دخلت المنطقة في نزاع مسلّح إلى سنة 1991 بين الصحراويين المطالبين بالانفصال والمغرب الأقصى الذي يعتبر المنطقة جزءا من المملكة المغربية... وكان النزاع مدمّرا ومأساويّا، والمؤسف أنّ الحرب لم تتوقف إلاّ بقرار أممي ثبّت وقف إطلاق النّار.
وشكّل حينها بعثة لتنظيم استفتاء في الصحراء الغربية لتقرير المصير... أي أنّه قد وقع حينئذ تدويل للقضية بشكل أو بآخر، لا سيما وأنّ الجزائر التي تدعي في الظاهر الحياد تدعم جبهة البوليساريو وتؤوي قياداتها وهي لا تريد للمغرب أن تتقوى بضمّ هذه المنطقة الصحراوية الاستراتيجية والثرية بالفوسفات والعديد من المعادن الثمينة وفيها ثروة سمكية هائلة...
ولكن اقتراح الاستفتاء ظلّ يراوح مكانه لأنّ الخلاف كان حول من يشملهم حقّ الاستفتاء... ومرّة أخرى كانت المرجعية هي الاستعمار ذاته إذ طلبت البوليساريو وضمنيا الجزائر أن يشمل الاستفتاء الصحراويين الذين تمّ إحصاؤهم من الإدارة الإسبانية سنة 1974 قبل رحيلها... ولكن المغرب قدّم أكثر من 130 ألف طعن على اللائحة... وتعطل مقترح الاستفتاء الذي قبلت به المغرب مبدئيّا وفق رؤيتها الخاصة.
وفي تموز/يوليو عام 2000 قرر مجلس الأمن اعتماد مبادرة بديلة هي المبادرة الفرنسية الأمريكية التي تقوم على الحل الثالث وهو الحل التفاوضي واتجاهه العام هو إعطاء الصحراء الغربية استقلالية ذاتية موسعة دون دمجها كليّا في المغرب... أي أن الجانب الاستعماري صار أكثر تعقيدا وتسلطا بدخول الولايات المتحدة بثقلها إذ كان المكلف بإنجاح هذه المبادرة هو ممثل الأمين العام للأمم المتحدة (جيمس بيكر) وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق... ولكن المسألة ظلت بين أخذ ورد، وما زادها تعقيدا هو طلب الجزائر توسيع مهمة هذه البعثة لتشمل المحاسبة على انتهاكات حقوق الإنسان في الإقليم... ويبدو أن بريطانيا أرادت بهذا تعقيد القضية وتأجيلها...
ولا يخفى على المتابعين أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد هي أيضا استمرار نزاع الصحراء الغربية للحصول على أقصى ما يمكن من التنازلات من كل من المغرب والجزائر وأنها تتخذ هذه القضية خنجرا في ظهر الدولتين لمزيد الابتزاز وهي التي تريد أخذ المغرب العربي كله في سياق واحد... وهي التي تقيم قاعدة عسكرية واستخباراتية جنوب إسبانيا (روتا) تعتبر من أكبر قواعد أمريكا في العالم، بعض من أدوارها تحجيم دور الاتحاد الأوروبي من الجهة الجنوبية أي في المغرب العربي، فضلا عن طمعها في استغلال الصحراء الغربية... فهذه المنطقة البكر واعدة بثروات هائلة وحسبنا أن نذكر ها هنا ما قاله بوتفليقة رئيس الجزائر: (هناك ثروات في الصحراء في غضون 10 أو 12 سنة ستكون كويت المنطقة).
وهكذا أصبحت هذه القضية المفتعلة ذات الطابع الاستعماري الصريح مؤذنة بمزيد التشرذم وربما المواجهة بين المسلمين في الغرب الإسلامي؛ فالحكام لا يملكون أمرهم ولا يقدرون على تدبير المنطقة ذاتيا وبحكمة، ويهملون المرجعية الإسلامية في النظر ورعاية الشؤون والزاوية الخاصة في الوعي السياسي... لذلك يتمكن الاستعمار عبر غبائهم ومذلتهم أن يمرر مخططاته بكل يسر وعلى عين بصيرة وإلا كيف نفسر التوتر الشديد بين الجزائر والمغرب والحال أن لهما مجتمعين ثقلا استراتيجيا رهيبا... فالجزائر تدافع عن الحدود التي تركها الاستعمار الفرنسي وتعتبر ذلك مرجعا في حل قضية الصحراء الغريبة، والمغرب يطالب بحدود ما قبل الاستعمار والتي وقعتها المغرب مع فرنسا سنة 1845 أي بعد استعمار الجزائر...
نحن نرفض قطعا أي انفصال لهذه المنطقة أو غيرها لتستقل بكيان أو دولة... والحل الطبيعي والشرعي للصحراء الغربية هو أن تكون مثلها مثل كل البلاد الإسلامية ضمن دولة الإسلام الواحدة... دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة...
بقلم: رضا بالحاج
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
رأيك في الموضوع