المقاومة الشرسة لتنظيم الدولة ووجود مدنيين محاصرين داخل منازلهم وسوء الأحوال الجوية، وتعمد قوات التحالف بقيادة أمريكا عرقلة سير المعركة من خلال ضعف مشاركة طائرات الشينوك والأباتشي التي غالبا ما تكون سببا مهما في حسم معارك الشوارع، لتفوقها التكنولوجي العسكري بذلك، وإعادة رسم خطط المعركة من جديد، هذه العوامل وغيرها ساهمت في إيقاف معركة "قادمون يا نينوى" لمدة أكثر من أسبوعين، ليعلن بعدها عن المرحلة الثانية بعد أن استمرت المرحلة الأولى ثلاثة أشهر تقريبا. حيث أعلنت القوات العراقية صباح يوم الخميس الماضي بدءَ المرحلة الثانية من معركة استعادة الموصل بهجوم على ثلاثة محاور، من الشرق والشمال وجنوب الشرق. ويأتي ذلك بعد وقفة تعبوية ووصول تعزيزات من قوات الشرطة الاتحادية شرق الموصل.
بالرغم من التقدم الذي أحرزته القوات المهاجمة في الجانب الأيسر من المدينة إلا أنه من المتوقع أن يدافع تنظيم الدولة على ما تبقى له من الأرض بكل قوة، ما يجعل قوات التحالف تستخدم كل طاقتها التدميرية وتصبها على المدينة، عن طريق القصف الجوي والمدفعي، وسوف تكون عملية تطهير المدينة، عملية صعبة وتحتاج إلى أعداد كبيرة من القوات البرية لشن حرب شوارع. ولإنجاز هذه المهمة، يحتاج توفر قوات برية مدربة تدريباً عالياً وهذا ما تفتقده القوات العراقية لا سيما في حرب الشوارع، باستثناء قوات جهاز مكافحة الإرهاب المتخصصة بهذا النوع من القتال، والتي استطاعت حتى اللحظة استعادة ما يقرب من ثلث مساحة الساحل الأيسر من المدينة حيث لم تتمكن أي من المحاور الأخرى من التقدم بشكل حقيقي في المدينة.
فقوات الفرقة التاسعة في المحور الجنوبي الشرقي لم تتمكن من تحقيق أي اختراق في داخل المدينة على مدى أكثر من شهر ونصف، محاولتها الوحيدة التي تمكنت فيها من تحقيق مثل هذا الاختراق كانت فقط باتجاه حي الوحدة، حين سيطرت على مستشفى السلام، لكن هذه العملية انتهت إلى كارثة حقيقية لحقت باللواء 36 مما دفع لتعزيزها بالفرقة الخامسة من الشرطة الاتحادية وفي القاطع الشمالي، حيث قوات الفرقة 16، التي لم تحقق أيضا أي اختراق حقيقي، وظلت تخوض معارك كر وفر في محيط المدينة، من دون أن تتمكن من الدخول إلى أي حي من أحياء الجانب الأيسر.
أما في الجانب الأيمن من المدينة، وهو الجانب الأكثر صعوبة، وتعقيدا، فقد توقفت قوات الشرطة الاتحادية والقوات المساندة لها في المحور الوحيد القادم من المحور الجنوبي، جنوب مطار الموصل، على بعد ما يقرب من عشرة كيلومترات عن محيط المدينة، بعد أن حققت تقدما مهما عبر القيارة - الشورة - حمام العليل، وهي مناطق لم يكن يعتقد أن تنظيم الدولة سيتخلى عنها بسهولة، لأنها كانت تمثل أحد معاقله الرئيسية، ولكن من الواضح أن خطته بنيت على أساس القتال في مدينة الموصل، وعدم تشتيت قواته خارجها. فلم تتقدم هذه القوات على مدى أكثر من شهر وهذا ما سيقوي فرصة الاستعانة بالقوات البرية التركية للمساعدة في هذه المهمة التي لمح لها العبادي عند مهاتفته أردوغان ودعوته للعمل والتنسيق المشترك في مواجهة تنظيم الدولة وقال إن "القوات التركية قوات مساهمة في تحرير الموصل ووجودها عنصر فعال في تلك الحرب"، ما يعني أن حرب الشوارع التي اندلعت فيها ربما يطول أمرُ حَسْمِها، وسيحدث تدمير للبنية التحتية كاملة داخل المدينة.
على الجانب الإنساني يبدو أن الحكومة العراقية لم تغير استراتيجية تعاملها مع المدنيين النازحين من الموصل كما فعلت بأخواتها في الأنبار وصلاح الدين وديالى، فبعد وصول عدد النازحين من المدن والقرى الذين (يمثلون 22٪ من النازحين)، فضلا عن النازحين من الأحياء التي تمت استعادتها في الساحل الأيسر من الموصل الذين (يمثلون 78٪ من النازحين)، وصولهم إلى ما يقرب من 107 آلاف نازح، تبعا لآخر رقم أوردته بعثة الأمم المتحدة في العراق يوم 26 من الشهر الماضي. وهو رقم يقترب من أقصى قدرة استيعاب للمخيمات التي تم إنشاؤها لهذا الغرض، والبالغة قدرتها الاستيعابية 125 ألف نازح فقط. وهذا يعني أنه في حالة وصول النازحين إلى الرقم الذي توقعته المنظمات الدولية، وهو مليون نازح، فإن عددا كبيرا منهم لن يجد مكانا يؤويه مع أجواء البرد الشديد الذي تتميز به المنطقة فضلا عن انعدام أبسط مقومات الحياة في هذه المخيمات...
هذه الأوضاع دفعت عضو لجنة الهجرة والمهجرين في مجلس النواب، مهدي وردي، إلى وصف مخيم الخازر بأنه "مقبرة يقطنها أحياء، موضحة أن الجوع والعطش يحاصران سكان الموصل، والبرد يطارد النازحين حيث يوجد أطفال لا يعرفون مصير أهاليهم، وهناك حالات مغص معوي بسبب عدم وجود مياه صالحة للشرب، إلى جانب النقص الحاد في الدواء والوقود وانعدام التيار الكهربائي... وقد سجلنا عشرات حالات الوفاة بسبب النقص الحاد في الاحتياجات الإنسانية". ومضت قائلة إن "القصف العشوائي فصل بين أفراد العديد من العوائل؛ ما قاد مئات الأطفال إلى المخيم كملجأ يحميهم من شدة القصف". وفي ظل نقص وقود التدفئة، عمدت بعض الأسر النازحة من الموصل إلى إنشاء حفر عميقة، وتغطيتها بقطع من البلاستيك، ثم النزول فيها لتوفير الدفء، لكن هجوما مفاجئا للمطر حوّل هذه الحفر إلى برك تملؤها المياه، بحسب الناشطة المدنية في الموصل، سناء الآغا. أما رئيس لجنة المرحلين والمهجرين في مجلس النواب، رعد الدهلكي فقد أوضح أن سعر برميل النفط الأبيض الذي (يستخدم لغرض التدفئة) وصل 600 ألف دينار (400 دولار أمريكي) وسعر كيس الطحين تجاوز 200 ألف دينار (150 دولاراً أمريكياً) وبشأن الوضع الصحي، قال قائد الشرطة الاتحادية الفريق رائد شاكر جودت إن الأدوية نفدت من صيدليات المدينة، وتوقفت عيادات السونار والأشعة عن العمل بسبب انعدام الكهرباء، وخرجت مستشفيات الجانب الأيسر من المدينة من الخدمة.
أمريكا بالطبع وحلفها من حكام العرب والمسلمين وعلى رأسهم أردوغان والعبادي لا يكترثون لدماء المسلمين التي تراق أو لمئات الآلاف الذين شردوا في العراء، الذين يعانون صنوف العذاب، فهم مجرمون لا يرف لهم جفن وهم يتسببون بالعذابات للآخرين ما دامت في سبيل تحقيق مصالحهم. فما قامت به أمريكا لا يصب في مصلحة أحدٍ غير نجاح مشروعها الذي اصطحبته مع أسراب علوجها الأوباش لتقسيم وتفتيت العراق أولاً ثم بلدان المنطقة لاحقاً، مستعينةً بأدواتٍ دوليةٍ كقوات التحالف الدولي، أو محليةٍ كالأنظمة العميلة في إيران وتركيا والسعودية وقطر والأردن، التي يتسابق حكامها الأذناب الأنذال سعياً وراء أجندة أمريكا، وإن ما يخطَّط لأهل السنة الذين هم رأس الحربة في مقارعة الظلم وكراهية المحتلين، هو إحالتهم للاجئين بؤساء بعد تدمير ديارهم وجعلها أرضاً محروقة لا تصلح للعيش والأمن والاستقرار، هذا ما يخطط له الكفار وأذنابهم وهذا مكرهم بهذه الأمة المكلومة ولكن مكر الله أعظم من مكرهم أجمعين.
بقلم: علي البدري – العراق
رأيك في الموضوع