كان سقوط حلب المهين الخطوة الأولى للنظام التركي بعد أن أسفر عن وجهه القبيح الذي كان يغطيه بقناع من التصريحات الجميلة؛ واستكمالاً للدور الذي يلعبه لإجهاض ثورة الشام؛ سعى لإلزام قيادات الفصائل بالجلوس مع الروس الذين حصدت طائراتهم أرواح عشرات الآلاف؛ ودمرت البيوت وهجرت المسلمين من مدينتهم في ظروف قاسية، وانبثق عن هذا الاجتماع استدعاء النظام التركي لبعض قيادات الفصائل للتوقيع على مشروع قرار وقف إطلاق النار الذي جرى الاتفاق عليه بين تركيا وروسيا بتاريخ 29/12/2016م؛ تمهيداً لإجراء مفاوضات سياسية بين النظام السوري والمعارضة في "أستانة" عاصمة كازاخستان برعاية روسية تركية. ويتضمن هذا الاتفاق نقاطاً عدة بضمانة تركيا وروسيا في خطوة غريبة عجيبة، إذ كيف يكون القاتل ضامناً وكيف يكون الخصم حكماً، بل كيف يلتزم من لا عهد له بعهده؟!! وكيف يؤتمن من لا أمان له؟! والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ﴾. نعم لقد أرضوهم بأفواههم ولكن أبت قلوبهم، فبعد يوم واحد فقط من توقيع الاتفاق أكد طاغية الشام على التزامه بالقصف والتدمير ونقض العهد مثل كل مرة، فقصف وقتل المسلمين في الريف الغربي لمدينة دمشق وفي غوطتها وهذه عادة أعداء الله؛ وهذه حقيقتهم التي غفل أو تغافل عنها قادة الفصائل، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ﴾، كما أكد قادة الفصائل من جانبهم على الالتزام بوقف القتال؛ واكتفوا بتعداد الخروقات التي لن يكون آخرها قصف مدينة الأتارب في ريف حلب الغربي صباح 1/1/2017م بالصواريخ الفراغية. وبعد التوقيع على الاتفاق خرجت علينا تصريحات متضاربة منها ما تقول بأن وقف إطلاق النار يشمل كل الفصائل وكل المناطق؛ وأخرى تستثني فتح الشام والغوطة الشرقية من الاتفاق، وثالثة تؤكد أن نسخة الاتفاق التي وقعت عليها الفصائل مختلفة عن النسخة التي وقعها النظام، وما ذلك إلا لتسليط الضوء على تفاصيل الاتفاق وإشغال الناس بها؛ وصرف أنظارهم عن أصل الاتفاق الذي يعتبر استسلاماً وهزيمة؛ والذي قال عنه وزير خارجية النظام وليد المعلم "الاتفاق يعكس ثقة الدولة السورية والجيش والقوات المسلحة بالنصر على المعارضة"، فإن كانت قيادات الفصائل لا تعلم أن الغرب الكافر سيستثني فتح الشام فتلك مصيبة وإن كانت تعلم فالمصيبة أعظم لأنها ستضع المنطقة أمام اقتتال يدفع ثمنه أهل الشام مزيداً من الدماء ومزيداً من الأسى.
وبعد تقديم نسخة الاتفاق إلى مجلس الأمن انتهى المطاف بدعم مجلس الأمن لنسخة معدلة ليخرج بقرار يحمل الرقم 2336 الذي لم يتطرق لوجود استثناء فتح الشام من الاتفاق أو عدم استثنائها ويمهد لمحادثات تجري بين طاغية الشام وقيادات الفصائل في أستانة عاصمة كازاخستان في وقت لاحق ويؤكد القرار أن "الحل المستدام الوحيد للأزمة الحالية في سوريا، هو من خلال عملية سياسية شاملة وبقيادة سورية، استناداً إلى بيان جنيف في 30 حزيران/يونيو 2012م"، وقرارات مجلس الأمن والبيانات ذات الصلة الصادرة عن المجموعة الدولية لدعم سوريا وبتسهيل من الأمم المتحدة، ويتبين من القرار المدعوم من قبل مجلس الأمن أن ما ينفذ من اتفاقات بين طاغية الشام وقيادات الفصائل هو عين ما تريده أمريكا مهما حاولت هذه القيادات ادعاء التحفظ أو المراوغة سعياً منها لإيهام أهل الشام باستقلال سيادتها وامتلاك قراراتها، وهنا لا بد من الإشارة إلى أس المشكلة في المشروع الأمريكي وحلها السياسي، إذ يعتمد هذا الحل ويؤكد على علمانية الدولة التي تفصل الدين عن الحياة ضارباً عرض الحائط بعقيدة المسلمين التي توجب عليهم أن يكون نظام حياتهم منبثقاً عنها وتجعل نظام حكمهم نظاماً فريداً لا يشبه أي نظام ولا يشبهه أي نظام، قال تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾، كما يؤكد الحل الأمريكي على المحافظة على أدوات الإجرام العسكرية والأمنية، كيف لا وهي الأداة الضامن لتحقيق مشروعها!
نعم إن أمريكا تحاول أن تخدع أهل الشام منذ بداية الثورة عن طريق تسليط الضوء على شخص طاغية الشام؛ فمرة تصرح بأنه يجب عليه أن يرحل ومرة تقول بأن لا حل في سوريا بدونه، لتوجد تصوراً عند أهل الشام أن ثورتهم انتصرت وذلك بعد أن تقوم بإزالته، والحقيقة أن المشكلة الأساسية ليست في شخص بشار فحسب، وإنما المشكلة الأساسية في النظام المطبق على المسلمين؛ فأي نظام لا تكون العقيدة الإسلامية مصدره الوحيد هو نظام شيطاني يؤدي إلى الشقاء وضنك العيش بغض النظر عن القائم عليه، فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾، هذا هو أس المشكلة وهذا أساسها فقضية أهل الشام ليست استبدال زيد بعمرو! وإنما القضية هي استبدال نظام رباني فيه السعادة والهناء بنظام جاهلي شيطاني مجرم فيه الضلال والشقاء قال تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾.
نعم لا شك أن الغرب يدرك هذه النقطة جيداً وسوف يقوم بإزالة شخص طاغية الشام ويعتبر إزالته نصراً للثورة، ولكن بعد أن يرتب أوراقه ويثبت أركان نظام حكمه العلماني فتعود أرض الشام إلى سابق عهدها مزرعة له بنواطير جديدة وهذا هو الخسران المبين.
بقلم: أحمد عبد الوهاب
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع