أولا نسأل: هل من الممكن أن تعود الحياة لعجوز شمطاء كبريطانيا وصحتها تتدهور أكثر؟ وخاصة بعدما حاكت مكرا سيئا فوقعت فيه بإجرائها استفتاء على بقائها في الاتحاد الأوروبي، فتدهور وضعها الدولي وتضعضعت الثقة بقدرتها وبعقلها! ولسان حالها يكشف شدة هزالها، ومحاولاتها البقاء كمن أوشك على الموت فيتمسك بالحياة!
فبريطانيا قبل 45 عاما أعلنت انسحابها العسكري من شرق السويس ما يعني انسحابها من الخليج لعدم قدرتها على دفع تكاليف البقاء. فكيف بها وقد بلغت من العمر عتيا وأصبحت عقيما وأحيلت على التقاعد براتب ضئيل وهو ما بقي لها من بعض النفوذ في مستعمراتها القديمة التي اجتاحتها موجات الاستعمار الأمريكي الجديد! ولولا ما بقي لديها من خبث ودهاء وبقية من عملاء لباتت منذ ذلك التاريخ كقرينتها هولندا.
فهي الآن تحاول العودة بالزي العسكري لتجدد وجودها العسكري في المنطقة، فتأتي رئيسة وزرائها ماي إلى مؤتمر دول الخليج في البحرين وتعلن يوم 7/12/2016 "الشراكة الاستراتيجية" مع هذه الدول، معتبرة "أمن الخليج من أمن بريطانيا"، وحددت العدو المشترك؛ وهو إيران ذراع أمريكا في المنطقة، فقالت: "إنني مفتوحة العينين حيال التهديد الذي تمثله إيران للخليج والشرق الأوسط على نطاق واسع" وتعهدت "بالعمل سويا لردع تصرفات إيران العدوانية في المنطقة سواء أكان ذلك في لبنان أو اليمن أو سوريا أو الخليج نفسه"، ولم تنس فزاعة (الإرهاب) التي تتخذ كذريعة للتدخل ومحاربة الإسلام، فقالت "التعاون بين بريطانيا ودول الخليج سيشهد نقلة نوعية في شتى المجالات وبالدرجة الأولى في مجال الدفاع ومكافحة الإرهاب". وتعهدت بتنفيذ تعهداتها في "توسيع قاعدتها البحرية في البحرين" التي بدأت ببنائها في تشرين الأول 2015 بميناء سلمان قرب المنامة كأول قاعدة بحرية لها من جديد. وأعلنت تخصيصها 3 مليارات جنيه إسترليني على امتداد عقد لتعزيز وجودها الأمني في الخليج. خاصة وأن هذه المنطقة تعتبرها كأهم البدائل الاقتصادية بعد خسارتها للاتحاد الأوروبي، حيث تعتبر منطقة الخليج أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي، فبلغت قيمة التبادلات التجارية نحو 140 مليار دولار سنويا. وهي تستغل فرصة خوف الخليجيين من ترامب عندما يستلم الحكم بأمريكا ولجوئه إلى ابتزازهم.
وأعلن وزير خارجيتها جونسون في البحرين يوم 9/12/2016 عودة بريطانيا بشكل الاستعمار القديم قائلا: "بريطانيا عادت إلى شرق السويس وستعزز الصداقة القديمة" وقال للخليجيين بوقاحة متفاخرا باستعمار بلادهم وفاضحا لعمالتهم: "بريطانيا كانت جزءا من تاريخكم خلال مئتي سنة مضت، وستكون في القرون المقبلة".
وحكام الخليج الحريصون على مصالحهم الشخصية والعائلية يصفقون ويرحبون! فقد ألفوا العيش في ظل المستعمر، فلا يستطيعون البقاء دونه، للحفاظ على إرث عائلاتهم وسرقاتها. فيمنّ عليهم وزير خارجية بريطانيا بأنها كانت تستعمر بلادهم عندما استعد آباؤهم للعمالة، فاشترتهم ليخونوا دولة الخلافة ابتداء من حركة آل سعود بالتحالف مع الوهابيين في نهاية القرن الثامن عشر فورثت عائلاتهم الحكم ليبقوا خدما مطيعين لها.
ومثل ذلك، منّ ترامب أثناء حملته الانتخابية على آل سعود بقوله يوم 19/8/2016: "السعودية ستكون في ورطة كبيرة قريبا، وستحتاج لمساعدتنا، لولانا لما وجدت وما كان لها أن تبقى". فطالبها بالدفع قائلا: "السعودية دولة ثرية وعليها أن تدفع المال لقاء ما تحصل عليه منا سياسيا وأمنيا". معلنا سياسة الابتزاز للدول المحتاجة للسند الأمريكي.
فهذه الدول جعلت سندها خارجيا وليس داخليا بسند الأمة، لأنها سرقت السلطان من الأمة بواسطة المستعمر واعترفت له بكل سرقاته لثروات الأمة مقابل سنده، فربطت مصيرها بمصيره فتلبي له ما يشاء في سبيل البقاء في السلطة. ولذلك عبر ملك البحرين عن فرحته بعودة سيدته بريطانيا عسكريا إلى المنطقة قائلا: "الشراكة الاستراتيجية بين مجلس التعاون الخليجي وبريطانيا نقلة نوعية في العلاقات"، بينما سلطت أمريكا إيران وأتباعها على نظامه ليثيروا له المشاكل حتى يترك عمالته للإنجليز أو يرحل، مع أن عائلته المالكة حسب تعليمات سيدته بريطانيا منحت أمريكا عام 1971 قاعدة بحرية عسكرية مكان القاعدة البريطانية في الجفيز لتكون مركز قيادة الأسطول الخامس لعلها تكف شرها عنها وتتركها في الحكم موالية للإنجليز.
ومثلها العائلة الحاكمة في قطر فعلت حسب تعليمات سيدتها بريطانيا فمنحت أمريكا قاعدتين عسكريتين هما العديد والسيلية لتنطلق منهما الطائرات الأمريكية عام 2003 لتدمير العراق واحتلاله. ومثل ذلك لها في السعودية داخل قاعدة سلطان الجوية بالرياض وإن نقلت أغلب جنودها من هناك إلى قواعدها في قطر. وفي عُمان توجد لها قاعدة جوية تتمركز فيها قاذفات بي1، وفي الإمارات لها قاعدة جوية للدعم اللوجستي مع ميناءين مهمين للسفن العسكرية الأمريكية الكبيرة. ولها وجود عسكري في قواعد بالعراق وتمهد للقواعد الدائمية هناك بذريعة محاربة تنظيم الدولة. ولها في الأردن قاعدتان عسكريتان هما الرويشد ووادي المربع، وفي اليمن قاعدة العند، وفي جيبوتي قاعدة ليمونية التي أصبحت مقر قوة العمل المشترك الأمريكي في القرن الإفريقي، بالإضافة إلى قواعدها بتركيا وأهمها إنجرليك وقواعدها في أفغانستان.
فبريطانيا تريد أن تثبت نفسها بإقامة القواعد العسكرية وعقد الاتفاقات الاستراتيجية كأسلوب للصراع الخفي مع أمريكا، ولكنها مهما بلغت من قوة فلن تستطيع أن تُخرج أمريكا من المنطقة وهي التي سمحت لها كارهة عندما عجزت، فطلبت من عملائها أن يلبوا الاحتياجات العسكرية الأمريكية بالسماح لها بإقامة القواعد العسكرية مقابل السكوت عن ولائهم لبريطانيا مؤسسة كياناتهم وإمبراطورياتهم المالية. ولكن ذلك نذير شؤم حيث يبقي المنطقة في دوامة الصراع الدولي.
فلا تستطيع هي ولا أتباعها طرد النفوذ الأمريكي، ولذلك قال وزير خارجية البحرين خالد آل خليفة: "الشراكة الاستراتيجية المعززة والموسعة ليست ردا على أي انسحاب أمريكي من المنطقة، ولا مؤشرا على استبدال هذه بتلك" وقد ورد في البيان الختامي ما يثبت ذلك بتثبيت عبارة "تعزيز العلاقات التاريخية والاستراتيجية مع الولايات المتحدة". فبريطانيا لا تقوى على مواجهة أمريكا وتخلت عن سياسة المواجهة منذ العدوان الثلاثي واتبعت سياسة التظاهر بالسير مع أمريكا والعمل ضدها سرا.
فالقواعد العسكرية الأجنبية أمريكية أو بريطانية أو غيرها هي دليل على وجود الاستعمار وصراعه على البلاد، وهي مراكز انطلاق لمحاربة حركة الأمة التحريرية، فتشكل خطرا على كيان الأمة ومصيرها، فيجب إزالتها من الجذور، وذلك بإزالة الأنظمة العميلة التي تسمح بإقامتها وإسقاط العملاء الذين هم من جنس المنافقين الذين يوالون الكافرين تحت أعذار اعتادوا على اختلاقها منذ عهد رسول الله e، وفضحها لنا ربنا في كتابه العزيز مصدر الفكر والسياسة والتشريع.
رأيك في الموضوع